إقتصاد

أسرار الاقتصاد الأزرق


يعرّف البنك الدولي الاقتصاد الأزرق بأنه الاستخدام المستدام للموارد البحرية من أجل النمو الاقتصادي والوظائف وتحسين سبل العيش.

بشرط الحفاظ على صحة النظام البيئي البحري بهدف تحقيق توازن بين الحفظ واستخراج الموارد عند تطوير الاقتصادات القائمة على البحار. 

ووفقا لتقرير نشره موقع معهد الشرق الأوسط الأمريكي، يمكن للاقتصاد الأزرق أن يوفر إمكانات هائلة في مجال التخفيف من أثار تغير المناخ والمرونة خاصة أن المناطق البحرية ، مثل مستنقعات المد والجزر ومروج الأعشاب البحرية ، توفر حماية كبيرة من الأحداث المناخية غير المنتظمة ، بما في ذلك الأعاصير والفيضانات.

وتعمل هذه الأنظمة الساحلية الرئيسية على عزل وتخزين المزيد من الكربون لكل وحدة مساحة مقارنة بالغابات الأرضية حيث يمكن أن تخزن ثلاثة إلى خمسة أضعاف من الكربون لكل مساحة مقارنة بالغابات الاستوائية، ونحو عشر أضعاف مقارنة بالغابات الأرضية، مما يجعلها واحدة من “أحواض الكربون” الطبيعية الأكثر أهمية في العالم. 

وعلى الرغم من أنها تمثل أقل من 5 ٪ من مساحة اليابسة العالمية وأقل من 2 ٪ من المحيط، إلا أنها تمثل حلاً مهمًا قائمًا على الطبيعة للتخفيف من آثار تغير المناخ.

 وتوفر النظم الإيكولوجية البحرية أماكن حضانة خاصة لتكاثر الأسماك التجارية، كما أنها أماكن للأنواع المهددة بالانقراض مثل السلاحف، ونقاط انطلاق للطيور المهاجرة، وتنقية المياه المتدفقة إلى البحار والمحيطات. 

وبالتالي، فهذه الأماكن تلعب أيضًا دورًا رئيسيًا في ضمان الأمن الغذائي واستدامة المجتمعات الساحلية، فضلاً عن تنويع سبل العيش، بما في ذلك صيد الأسماك والسياحة.

الشرق الأوسط 

وتضم منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مناطق ساحلية شاسعة على البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر والخليج والمحيط الأطلسي. هذه البيئات الساحلية الممتدة غنية بالنظم الإيكولوجية البحرية وتعمل كطرق حيوية للتجارة الدولية.

وهناك ٤ مجالات حاسمة من شأنها تحقيق استفادة دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من تطوير الاقتصاد الأزرق مما يساعد في عكس اتجاه تدهور الموارد الطبيعية، والحفاظ على التنمية الاقتصادية الشاملة، وبناء القدرة على الصمود في وجه تغير المناخ.

وتشمل هذه المجالات تطوير مصادر الطاقة المتجددة، والاستثمار في تربية الأحياء المائية المستدامة، وإزالة الكربون من النقل البحري، وتطوير سياحة مرنة وخالية من انبعاثات الكربون.

وهناك إمكانات هائلة غير مستغلة لمصادر الطاقة المتجددة الزرقاء في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بما في ذلك مصادر مثل الرياح البحرية، فضلاً عن التقنيات الناشئة مثل الأمواج والمد والجزر والتيار وحرارة المحيطات وإنتاج الكتلة الحيوية من الطحالب. 

ويمكن أن تساهم كل هذه المصادر المتجددة في تلبية الطلب المتزايد على الطاقة والكهرباء بتكلفة أقل، وتحقيق الاستقلال في مجال الطاقة، ومساعدة المنطقة على الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بخفض الكربون بطريقة تتماشى مع أهداف اتفاقية باريس.

وعلى سبيل المثال ، تعد إمكانات طاقة الرياح عالية بشكل خاص في دول شمال إفريقيا ، ويقدر أن إمكانات طاقة الرياح في هذه المنطقة تزيد 34 مرة عن تلك الموجودة في دول شمال أوروبا والمغرب، على سبيل المثال، ويقدر أن لديها طاقة رياح بحرية محتملة تبلغ 200 غيغاوات، مستفيدة من متوسط سرعة الرياح البالغة 7.5-9.5 متر في الثانية.

وتمتلك الجزائر أيضًا إمكانات هائلة لطاقة الرياح تقدر بـ حوالي 7700 غيغاوات. ولوضع هذا في المنظور الصحيح، كان إجمالي سعة الرياح في أوروبا في نهاية عام 2020 هو 216 ميجاوات فقط.

وتشمل المواقع المحتملة الأخرى لمزارع الرياح البحرية، السواحل على طول خليج السويس والعقبة في مصر والأردن وشمال غرب السعودية والساحل الجنوبي الشرقي من عمان وشمال ليبيا وجنوب تونس. 

مزارع الرياح 

وتعتبر مصر رائدة إقليمية عندما يتعلق الأمر ببناء مزارع الرياح ، حيث تبلغ قدرة أكبر مزرعة رياح في البلاد 545 ميجاوات في الزعفرانة وتخطط القاهرة لتوسيع قدرتها على طاقة الرياح من خلال مذكرتي تفاهم، إحداهما مع شركة تطوير الطاقة المتجددة السعودية أكوا لبناء مزرعة رياح بقدرة 10 غيغاوات والأخرى مع مصدر الإماراتية لبناء مزرعة رياح برية بقدرة 10 غيغاوات.

وستكون هذه ثاني أكبر مزارع رياح في العالم بعد مشروع غانسو في الصين، الذي تبلغ طاقته المتوقعة 20 غيغاوات. 

ومن المتوقع أن تولد مزرعة الرياح البرية في مصدر حوالي 48 ألف غيغاوات من الطاقة النظيفة سنويًا ، لتعويض حوالي 23.8 مليون طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون – أى حوالي 9٪ من إجمالي انبعاثات الكربون في البلاد. 

وتعتبر مصائد الأسماك مصدرًا مهمًا لسبل العيش الساحلية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. حيث أنه في دول جنوب البحر المتوسط ، يعمل 1 من كل 1000 من سكان الساحل في صيد الأسماك ويمكن أن يصل هذا العدد في بعض الدول إلى 1 من كل 100 من سكان الساحل في المنطقة.

ويأتي 59 ٪ من إجمالي العمالة على متن سفن الصيد من مصايد الأسماك الصغيرة والتي تحقق 27٪ من إجمالي عائدات الصيد إلا أن متوسط أجر صياد السمك الفردي الصغير 4021 دولارًا أي أقل من نصف متوسط الأجر بين الأساطيل الصناعية الأخرى البالغ 8366 دولارًا.

 وعلى الرغم من استمرار أهمية مصايد الأسماك في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلا أن القوى العاملة في هذا القطاع تتقدم في العمر. حيث انه كان 52٪ من جميع أفراد الطاقم في عام 2020 فوق سن 40 (مقارنة بحوالي 49٪ في عام 2018.

 ويمثل البحر الأحمر وخليج عدن مصدرًا رئيسيًا لصيد الأسماك وسبل العيش للمجتمعات الساحلية في المنطقة. وعلى سبيل المثال، زاد أسطول الصيد الذي يعمل في البحر الأحمر بشكل كبير من 5،055 سفينة صيد في عام 1996 إلى 15،000 في عام 2020 يشغلها أكثر من 30،000 عامل. 

ورغم ذلك ، أدت هذه الزيادة الكبيرة في أسطول الصيد إلى تدهور الإنتاج الكلي للأسماك. ويبلغ الطلب المحلي الحالي على المنتجات السمكية في السعودية حوالي 282 ألف طن سنويًا ، بينما يبلغ الإنتاج الحالي نصف ذلك فقط. 

ولضمان استدامة مصايد الأسماك في المنطقة على المدى الطويل كمكون متكامل للاقتصاد الأزرق المقاوم للمناخ ، يجب على حكومات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أن تدمج تدابير حوكمة إضافية ، بينها تحديد الأنواع ذات الأولوية للبحث والإدارة وإشراك صغار الصيادين في أنشطة الرصد والمراقبة والإشراف المحلية واتخاذ القرار ودعم بناء القدرات لصغار الصيادين.

التجارة البحرية 

وتلعب التجارة البحرية دورًا رئيسيًا في المنطقة وفقًا لمؤشر أداء ميناء الحاويات العالمي. وتقع أربعة من أفضل خمسة موانئ أداءً في العالم في المنطقة.

وتشمل هذه الموانئ ميناء الملك عبد الله في السعودية، وميناء صلالة في عمان، وميناء حمد في قطر، وميناء خليفة في أبو ظبي، وميناء طنجة المتوسط المغربي.

ويتم نقل ما بين 80٪ و 90٪ من التجارة الدولية عبر الوسائل البحرية، بما في ذلك ناقلات الحاويات وناقلات النفط والكيماويات وتمثل هذه الأنواع من السفن معًا 20٪ من الأسطول العالمي إلا أنها تساهم بنسبة 85٪ من صافي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري المرتبطة بقطاع الشحن، وبالتالي، يعد تكييف الموانئ والشحن البحري مع تأثيرات تغير المناخ مصدر قلق متزايد لواضعي السياسات والصناعة على حد سواء، خاصة في ضوء التنظيم الأخير من قبل المنظمة البحرية الدولية للحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من السفن بنسبة 50٪ بحلول عام 2050.

وتتأثر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل خاص بهذه اللوائح ، وتحتاج الحكومات الإقليمية والشركات الخاصة إلى تطوير مناهج مستدامة لإزالة الكربون من الشحن البحري.

ويجب أن تتضمن هذه الأساليب تطوير خيارات الوقود الأقل كثافة في الكربون واتباع تقنيات الدفع البحري الجديدة. ومن المتوقع أن يلعب استخدام خلايا الهيدروجين لتشغيل السفن والموانئ دورًا رئيسيًا في إزالة الكربون من الشحن البحري في المنطقة بسبب أن العديد من دول المنطقة تضع الأساس لمراكز الهيدروجين الخضراء. على سبيل المثال ، تعتبر المغرب والسعودية واحدة من أفضل دول في العالم من حيث قدرتها على إنتاج هيدروجين أخضر تنافسي ، إلى جانب الولايات المتحدة وأستراليا وتشيلي. 

السياحة البحرية 

وتشير التقديرات إلى أن حوالي 80٪ من إجمالي السياحة تتركز في المناطق الساحلية ومن المتوقع أن تمثل السياحة ما يصل إلى 26٪ من جميع الأنشطة الاقتصادية المتعلقة بالمحيطات في عام 2030.  

وتعتبر دول جنوب البحر الأبيض المتوسط بمواردها البحرية الشاسعة والغنية مركزًا للسياحة البحرية ، خاصة تركيا وتونس ومصر ، والتي تستقبل جميعها أعدادًا كبيرة من السياح الدوليين ، بما في ذلك العديد من الاتحاد الأوروبي إلا أن السياحة الساحلية والبحرية تعتمد على جودة النظم الإيكولوجية البحرية ، وبالتالي فهي عرضة لتهديدات مثل تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي.

ويعد إزالة الكربون عن السياحة البحرية في المنطقة أمر بالغ الأهمية لتطوير السياحة البحرية المرنة و الصديقة للمناخ.

و لتحقيق هذا الهدف ، يجب على القطاعات التي تساهم في انبعاثات الكربون مثل قطاع الطيران والنقل البحري بنسبة 4,7٪ من الانبعاثات، وضع أهداف للحد من الانبعاثات مع إجراءات ملموسة لتقليل الانبعاثات في أطر زمنية محددة ولإزالة الكربون من السياحة البحرية دون تعريض المصالح الاقتصادية للقطاع للخطر. 

ويحتاج النموذج الاقتصادي لصناعة السياحة إلى التغيير. ويجب أن تعتمد شركات الطيران على وقود طائرات صديق للبيئة ، ويجب على الفنادق استخدام الألواح الشمسية في المواقع لتقليل انبعاثات الكربون.  

ويقدم مفهوم الاقتصاد الأزرق فرصًا جديدة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ، حيث أن الغالبية العظمى من دول المنطقة هي اقتصادات نامية. وتلعب البيئة البحرية وأنظمتها البيئية دورًا حاسمًا في الاقتصاد الإقليمي ، حيث توفر السلع والخدمات الهامة وتدعم العديد من الأنشطة الاقتصادية الأساسية ، مثل مصايد الأسماك ، والنقل البحري والموانئ ، والسياحة الساحلية ، ومصادر الطاقة البحرية. جميع الفرص من الموارد البحرية لتطوير اقتصاد أزرق مرن للمناخ.

تابعونا على
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى