سياسة

أزمة اللاجئين.. هل سيّست تركيا فيروس كورونا؟


في ظل التأثير المتنامي الذي يشهده العالم لانتشار فيروس “كورونا” على الأوضاع السياسية والاقتصادية، ومعدلات التنمية بين الدول، فإنّ ثمة مؤشرات عديدة تبعث بمخاوف جمة في ضوء التعاطي مع المرض والعدوى المحتملة منه، بالإضافة إلى الاحتياطات الطبية التي ستوفر شروطها الحكومات وهيئاتها الصحية، ومن ثم، الحقائق الخفية والمعلنة التي تتفاوت عملية الإعلان عنها، حسب الأوضاع الإقليمية والسياسية؛ إذ يبدو أنّ معادلة السياسة والصحة للأفراد والمواطنين واللاجئين، تلعب أدوارها المباشرة والمتناقضة في الترويج والاستفادة من الفيروس على أكثر من مستوى.

ورغم تحذير المدير العام لمنظمة الصحة العالمية في 2 آذار (مارس) الجاري من أنّ الفيروس ينتشر الآن بشكل أسرع خارج الصين، مخصّصاً كوريا الجنوبية واليابان وإيران وإيطاليا باعتبارها “مصدر قلقنا الأكبر”. إلا أنّ تركيا حتى الآن وهي الجارة الشرقية لإيران التي أدى تفشي المرض فيها إلى وفاة 77 شخصاً على الأقل، في أقل من أسبوعين. لم تعلن عن أية حالة إصابة الأمر الذي يثير الريبة، وفق مراقبين.

وكانت وزارة الصحة الإيرانية، قالت أمس، وفق ما أورد موقع “بي بي سي”، إنّ عدد الحالات المؤكدة ارتفع بأكثر من 50٪ لليوم الثاني على التوالي، ويبلغ الآن 2336 حالة، بينما يُعتقد بأنّ الرقم الحقيقي أعلى من ذلك بكثير.

مغامرات أرودغان وتفشي الفيروس
مع تورط الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان في معركة إدلب الأخيرة، وابتزازه الجانب الأوروبي بورقة اللاجئين، والذين يتعرضون لظروف إقامة سيئة، بعد أن دفع بالآلاف منهم للحدود مع اليونان، فإنّ تفشي مرض كورونا سيناريو مرعب لو حدث بين مخيمات اللاجئين، خاصة، وأنّ الظروف الصحية والتأمين الطبي غير متوفر، مما يجعل تلك المخيمات بيئة حاضة للفيروس ومنطقة موبوءة بالمرض. وبينما قامت تركيا بفتح حدودها الشمالية لعبور اللاجئين إلى اليونان، أوصدت الأخيرة معابرها في وجه المهاجرين الفارين إلى الشمال.

وقد علق عشرات الآلاف من المهاجرين على الحدود التركية اليونانية، وهو ما دفع السلطات اليونانية إلى تشديد التدابير على الحدود، ورفض استقبال طلبات اللجوء الجديدة لمدة شهر، في محاولة لصد أي موجة لجوء محتملة، مؤكدة أنّ تلك الإجراءات الاحترازية التي تتبعها تهدف إلى الحيلولة دون وصول فيروس كورونا إلى جزرها في بحر إيجه؛ حيث يعيش آلاف اللاجئين في ظروف بائسة، وقد سجلت اليونان، حتى الآن، 7 حالات إصابة بالفيروس.

وحاول النظام التركي تصدير دعاية زائفة وغير حقيقية إلى اللاجئين، بهدف الحصول على الدعم المالي والسياسي بواسطة ورقة ضغط اللاجئين، وذلك بعد حثهم على العبور الآمن إلى الحدود والهجرة إلى أوروبا واليونان؛ حيث أخبرهم بأنّه ستتوفر لهم مساعدات مالية وطبية من بعض المنظمات فور وصولهم إلى الحدود اليونانية، وخاصة مع وجود مخاوف هائلة من انتشار “كورونا”، بيد أنّ ما حصل هو وقوع اشتباكات وصدامات عنيفة مع الشرطة وقوات حرس الحدود اليونانية، بينما لم يجدوا أي منظمات توفر لهم متطلباتهم، ناهيك عن التدابير التي تحميهم من الإصابة بالمرض والفيروس.

بدأ اكتشاف الفيروس في تركيا على إثر وصول سائح صيني إلى منطقة سلطان هاني في آقصاراي، مما ترتب عليه احتجاز السائح، ودائرته المحيطة، فضلاً عن كل الأطراف التي تعاملت معه منذ وصوله، ومن بينهم، سائق شركة المواصلات، ووضعهم في الحجر الصحي رهن الملاحظة والإجراءات الوقائية، كما احتجزت السلطات التركية 12 شخصاً، من بينهم 10 سائحين صينيين وتركيين فى الحجر الصحي.

لماذا النفي؟

وبالرغم من محاولات النفي المتواصلة من طرف الجانب التركي لوجود حالات مصابة بالكورونا، أقر وزير الصحة التركي، فخر الدين قوجة، مؤخراً، بوجود حالات قادمة من الخارج، جرى وضعها في الحجر الصحي لمدة 14 يوماً، بيد أنّ هناك مجموعة من الانتقادات الموجهة فيما يخص ضعف التدابير المتبعة، والتي اقتصرت فقط على على المنافذ الحدودية بين إيران والعراق، بينما لم يصدر أي تصريح يتعلق بقيام أنقرة بوضع سبل وقائية لحماية المهاجرين.

ويبدو أنّ الوضع الاقتصادي التركي المتردي إلى جانب المغامرات السياسية للنظام، أحد الأسباب التي تضغط عليه لجهة التعتيم على انتشار الفيروس ووجوده في البلاد، وتصدير أزمة المهاجرين إلى أوروبا، في المقابل؛ انخفضت قيمة العملة التركية بأكثر من 4% منذ بداية العام الجاري، على إثر المواجهات العسكرية بين أنقرة من ناحية، والقوات العسكرية الروسية والسورية في إدلب، من ناحية أخرى، ناهيك عن مخاوف المستثمرين وتراجع عائدات السياحة بسبب فيروس كورونا المنتشر عالمياً.

كما أنّ التضخم يشهد ارتفاعاً ملحوظاً، خاصة، في ظل زيادة تكلفة الواردات، التي يترتب عليها رفع أسعار الفائدة رغم الضغوط السياسية، وأعلنت وزارة التجارة التركية، قبل أيام، اتساع العجز التجاري لتركيا بنسبة 44.1% إلى 3.11 مليار دولار.

وبحسب معهد الإحصاء التركي، فإنّ التضخم في تركيا ارتفع للشهر الرابع على التوالي إلى 12.37%، وهو الأمر الذي يفضح فشل سياسات أردوغان الأخيرة في الاقتصاد كما في السياسة ومحاولات التنمية؛ حيث يظهر ضعف صمود البنك المركزي التركي أمام مواصلة تحفيز الاقتصاد في مواجهة انخفاض وتدهور قيمة الليرة، مما دفع الرئيس التركي إلى عزل محافظ المركزي التركي، العام الماضي، لعدم استجابته لخفض أسعار الفائدة.

حقائق أخرى
من جانبها، دانت عدد من الصحف التركية المعارضة تكتم الحكومة على وجود بعض الحالات التركية المشتبه بإصابتها بفيروس كورونا؛ حيث أوضحت صحيفة “يني شاغ”، أنّه بعد انتشار الوباء في الصين ووفاة العديد من الأشخاص، واجهت الحكومة التركية انتقادات واسعة على وسائل التواصل الاجتماعى لعدم اتخاذها التدابير اللازمة، فيما يتصل بمنع انتقال الفيروس للبلاد، بينما تداول مواطنون أتراك تلك الانتقادات عبر هاشتاغ “ليتم إيقاف رحلات الصين”، بغية الضغط على الحكومة لإيقاف الطيران للصين، إلا أنّ وزير الصحة التركى زعم بأنّ الطائرات القادمة من الصين يتم مسحها بكاميرات حرارية.

كما قام النائب السابق التابع لحزب الشعب الجمهوري، باريس ياركاداش، بنشر تقرير طبي من المستشفى التي خضع فيها أحد المرضى المصابين بالفيروس، وهو طفل صيني، في مدينة باكيوكوى التركية؛ إذ يؤكد التشخيص النهائي إصابته بالمرض، وذلك بعدما جاء نفي وتكذيب للحالة من وزير الصحة التركي، الذي اعتبر أنّه تم إدخال بيانات المريض الأولية كمصاب بكورونا عن طريق الخطأ، وقبل دراسة العينة التي تم أخذها منه.

وعليه، فإنّ حالة الإهمال والعجز المتواصلين من الجانب التركي بصدد التعاطي مع انتشار فيروس كورونا، تبدو عملية مقصودة ومتعمدة، بحسب ما أفاد النائب التركى المعارض، عمر فاروق جرجرلي أوغلو، وهو ما صرح به أثناء كلمته التي ألقاها في مجلس النواب، موضحاً أنّه: “بينما يتحدث العالم عن فيروس كورونا وطرق الوقاية منه، لم تتخذ تركيا التدابير اللازمة لمنع انتشار الفيروس”.

نقلا عن حفريات

تابعونا على
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى