أردوغان يؤسس لحرب أهلية سورية في الشمال
معالم الحرب بين مكونات المجتمع السوري في مناطق الشمال بدأت تتضح جلياً على امتداد خطوط التماس التي رسمها الاحتلال التركي والذي وضع ضمن أهدافه إغراق تلك المكونات بصراعات وحروب طويلة الأمد ضمانا لبقائه واستمرار احتلاله ، فالاشتباكات بين ما يعرف بمسلحي الجيش الوطني السوري الذين يأتمرون بإمرة أنقرة وينفذون عدوانها الحالي على الأراضي السورية من جانب، وبين القوى الكردية وبعض تشكيلات القوات النظامية السورية من جانب آخر اندلعت على محاور عدة بريف حلب شمالاً وشرقاً، بالإضافة إلى ريف الحسكة عند طريق رأس العين تل تمر، وإلى الداخل بالقرب من الطريق الدولي الذي يربط حلب بالحسكة، وعلى محاور شمال الرقة.
يسعى أردوغان من وراء مخططه لرسم حدود جغرافية وعرقية ومذهبية في الشريط الشمالي لسوريا بين مكونات تلك المناطق بكل ما تنطوي عليه هذه السياسة من خطورة على وحدة سوريا اجتماعياً وسياسياً ودينياً بحيث يكون التشكيل المتخيل من قبله حائط صد وحماية لحدوده بفاتورة مكلفة من دماء السوريين أنفسهم، المسلحين واللاجئين من جانب، وأكراد سوريا والدولة السورية من جانب آخر.. معزوفة أردوغان المعهودة هي أن اللاجئين العائدين مستقبلاً من تركيا إلى منطقته الآمنة في الشمال السوري هم سوريون وفي حمايته وعلى المجتمع الدولي أن يضع يده في يد تركيا لتأمين مقومات الحياة الطبيعية لهؤلاء، سعياً منه لفرض أمر واقع ليس على المجتمع الدولي فقط بل على الجانب السوري بجميع مكوناته السياسية والاجتماعية وحتى الأمنية والعسكرية، واستثماره للمقايضات الكبرى مع اللاعبين الإقليميين والدوليين في المسألة السورية وغيرها من مصالحه في غير مكان، متجاهلاً البعد الأخلاقي لمثل هذا السلوك الذي لا ينتمي لأي تصنيف سياسي، ذلك أن توظيف مأساة ومعاناة أي إنسان في خدمة أجندات سياسية ونزعات عدوانية وحتى في كواليس المناقصات والمقايضات يمثل نسفاً لأي قيمة إنسانية وأخلاقية يتلطى خلفها من يوظفها.
اللاجئون السوريون لم يعودوا، كما يبدو، ورقةً لابتزاز وتهديد أوروبا من قبل أردوغان فحسب، بل كشف عن تسخير هذه الورقة لإحداث شرخ اجتماعي ووطني وسياسي داخل المجتمع السوري، فهو يناور بشأن الإفصاح عن عدد اللاجئين الذين سيعيدهم إلى منطقته الآمنة شمال سوريا؛ فتارةً يتحدث عن مليوني لاجئ، ومرة يقول إن العدد سيكون مليون لاجئ، كل ذلك لأسباب مفضوحة أبرزها التلويح بعصا غليظة لجميع اللاجئين الموجودين على الأراضي التركية للامتثال لأوامره وتنفيذ رغباته وأجندته بأن يكونوا ضمن سياق مسعاه كدريئة في الخط الأمامي للمواجهات اللاحقة بين من سيدّعون حمايتهم من مسلحي الفصائل السورية بغطاء تركي، والأرجح أن هذا الغطاء سيتراجع ويدير أردوغان ظهره لهم في مرحلة ما تكون مرتبطة بمصالحه كما فعل في أكثر من مكان وزمان، وبين القوات الحكومية السورية من جانب والتي لن تقبل أو تقف مكتوفة الأيدي أمام خروج هذه المنطقة الجغرافية الشمالية للبلاد من تحت سيطرتها في إطار استراتيجيتها لاستعادة السيطرة على كامل الأرض السورية، علاوة على أن القوى الكردية التي ستكون حتماً مستهدفةً من قبل المسلحين السوريين الخاضعين لأوامر الجيش التركي، ستجد نفسها في غمار معركة أو ربما معارك تفرض عليها مواجهة حرب اقتلاعها استناداً إلى تصريحات أردوغان بهذا الخصوص.
ولكي يضمن أولئك المسلحون بقاءهم واستمرارهم لن يكون أمامهم سوى الانصياع لخطط أردوغان وتنفيذها في أي ساحة يعتقد أن الحرب فيها تحقق مشروعه على الأراضي السورية، سواء أكانت هذه الحرب مع الجيش السوري النظامي أو مع القوى الكردية أو كليهما.
ولن يجد أردوغان ضيراً في القول إن عناصر الجيش الوطني، التابعين له، هم سوريون وليسوا محتلين للأرض في المناطق السورية التي زرعتهم فيها القوات التركية.. كل ذلك يحدث مصحوباً بسياسة تغيير ديموغرافي غير مسبوق على امتداد مساحة البلاد دون أخذ أردوغان بعين الاعتبار مصالح شركائه وخصومه على حد سواء من المنخرطين في الملعب السوري، الأمر الذي يبعث على التدقيق والنظر والتأمل في طبيعة ردود الفعل المحتملة من قبلهم، وحدودها وخيارات كل لاعب على حدة أو خيارات عدد منهم حين تلتقي مصالحهم في مواجهة هذا المشروع، ومنها الالتزام بدعم دمشق عسكرياً وسياسياً لاستعادة السيطرة على كامل الأرض السورية، ومنها أيضا التصدي غير المباشر للنزعة التوسعية الأردوغانية.
تفاهمات واتفاقات القوى الكردية مع دمشق برعاية روسية، توسع مراوحة خياراتهما المشتركة في مواجهة المشروع التركي الذي تغذيه أنقرة بدماء السوريين من كلا الجانبين، والقوى الكردية المستهدفة بحرب أردوغان لن تجد مفراً من المواجهة سواء ضد جيش الاحتلال التركي أو ضد مسلحي الفصائل السورية الذين يخضعون لأمر أنقرة أو ضد كليهما معاً.
نقلا عن العين الإخبارية