سياسة

أردوغان وفلسطين.. المتاجرة والحقيقة


لا يتوقف السلطان التركي رجب طيب أردوغان عن خطاباته النارية، وحروبه الكلامية، ومسرحياته الهزلية، وسعيه الدائم إلى اللعب بمشاعر العرب والمسلمين، كلما كانت هناك مناسبة عن القضية الفلسطينية، مع أن الحقائق والمعطيات والأرقام تكذب حقيقة أقواله وخطاباته هذه.

والغريب أن أردوغان الذي يواصل سياسته هذه رغم افتضاح أمره، أضاف فصولا جديدة إلى نهجه المفضوح، عندما بدأ يتخذ من القضية الفلسطينية منصة للهجوم على بعض الدول العربية واتهامها بالخيانة.

كما كان حال تصريحاته إزاء “صفقة القرن” التي أطلقها الرئيس ترامب كخطة للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

والمفارقة أن أردوغان بدلا من أن يوجه سهام نقده إلى المصدر أي الرئيس ترامب صاحب المشروع انتقد السعودية والإمارات والبحرين وسلطنة عمان، وهو ما يكشف زيف أهدافه، إذ إن جل همه ليس فلسطين بل الزعامة على قيادة العالم الإسلامي، ولعله وجد في صفقة القرن مناسبة للتعويض عن فشل قمة ماليزيا التي كان أردوغان يريد منها تتويجه زعيما للعالم الإسلامي.

بعيدا عن صفقة القرن، ما الذي فعله أردوغان من أجل القضية الفلسطينية غير الخطابات النارية المخادعة؟ في الواقع، عندما قدم حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في تركيا عام 2002، ربما يأمل كثيرون في العالمين العربي والإسلامي بسياسة تركية جديدة مساندة للقضية الفلسطينية، خاصة أن خطابات أردوغان أوحت بأن تحرير فلسطين بات مسألة وقت، وأن هذا الوقت لن يطول كثيرا.

ولكن في الحقيقة الذي جرى هو المزيد من خيبة الأمل، فالرجل الذي وعد مرارا بكسر الحصار المفروض على قطاع غزة وقع اتفاق تطبيع للعلاقات مع إسرائيل عام 2016، دون أي ذكر لهذا الحصار، والغريب أن التوقيع على الاتفاق جرى على أساس أنه بين أنقرة والقدس، أي أن حكومة أردوغان تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل!

ولمناسبة الحديث عن القدس عندما أقر ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس قبل نحو سنتين، ظهر أردوغان على الشاشات ليهدد إسرائيل ويصفها بدولة إرهابية، قبل أن يكتشف العالم أن شركات تركية لها علاقة بنجل أردوغان متورطة في تشييد بناء السفارة الأمريكية في القدس!

ولعل ما يكشف كذب خطابات أردوغان تلك الأرقام التي تتحدث عن العلاقات الاقتصادية والتجارية والعسكرية الجيدة بين تركيا وإسرائيل، إذ تقول الإحصائيات إن حجم التبادل التجاري بين الجانبين بلغ 5.8 8 مليار دولار، علما بأنه كان أكثر بقليل من مليار دولار فقط عندما قدم أردوغان إلى الحكم!

وتقول الأرقام إن عدد الرحلات الجوية بين إسرائيل وتركيا تجاوزت 60 رحلة أسبوعيا، وأن وزارة الزراعة التركية أصدرت قرارا حصرت فيه شراء بذور الحبوب بإسرائيل فقط! وعلى المستوى العسكري والأمني، حافظ نظام أردوغان على البنية العسكرية لجميع الاتفاقيات العسكرية التي وقعت بين الجانبين في إطار اتفاقية الشراكة التي وقعت بينهما عام 1996، أي في عهد معلم أردوغان الراحل نجم الدين أربكان.

وفي الأساس، فإن هذا النهج هو استمرار لسياسة تركيا تجاه إسرائيل التي كانت أول دولة إسلامية تعترف بإسرائيل عام 1949، ولعل الجديد في السياسة التركية هذه في عهد أردوغان، هو التناقض بين الأقوال والأفعال، بعد أن كانت الحكومة التركية السابقة تفتخر بعلاقاتها الجيدة مع إسرائيل. في الواقع، قضية فلسطين التي لها مكانة كبيرة في وجدان العرب والمسلمين، لا تنبغي أن تكون قضية للحسابات الشخصية والمزايدات الرخيصة والأجندة السلطوية.

ولكن في الحقيقة هذا ما يمارسه أردوغان بالضبط، فالرجل عندما يتحدث عن فلسطين يفكر قبل كل شيء بأجندته وليس بالقضية الفلسطينية وإقامة دولة فلسطينية كما يقول، يفكر بكيفية تعبئة الشعب التركي في الداخل خلفه في الانتخابات من خلال اللعب على مشاعره عبر الشعارات الإسلامية وفلسطين والقدس، يفكر بكيفية تجنيد الجماعات الإسلامية في العالم العربي لا سيما الإخوان المسلمين لتصبح أدوات وأذرعا لتحقيق مشاريعه التوسعية.

والحقيقة التي يجب أن تقال هنا، هو أن أردوغان نجح إلى حد كبير في تحقيق أهدافه هذه، وهو نجاح شخصي اعتمد على الشعبوية لاستغلال عواطف الناس، فأعمته عن رؤية الحقائق والمنطق والعقل، وكلها مفاهيم باتت مطلوبة للتعامل مع قضية فلسطين بكل أبعادها وتعقيداتها وتشعباتها.

أردوغان الحاصل على جائزة الشجاعة اليهودية، هو نفسه أردوغان الذي زار القدس عام 2005، والتقى شارون واكتفى بابتسامة عندما قال الأخير له مرحبا بك في القدس عاصمتنا الأبدية، وهو نفسه الذي فتح برلمان بلاده عام 2007 أمام شيمون بيريز ليكون أول رئيس إسرائيلي يلقي خطابا في برلمان دولة مسلمة الهوية.

يقينا متاجرة أردوغان بفلسطين والإسلام، كما بدماء السوريين والليبيين وغيرهم باتت مكشوفة ومفضوحة، والأيام كفيلة بجعلها تجارة خاسرة تهد عرشه فوق خطاباته وعنترياته.

نقلا عن العين الإخبارية

تابعونا على
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى