سياسة

أردوغان وسياسة الرقص على حافة الهاوية


قد تكون “تركيا” دولة كبيرة ولها دور في السياسة ببعديها الإقليمي والدولي، وذلك لموقعها الجغرافي ودورها السياسي والاقتصادي والعسكري كونها عضو في حلف الناتو، ولكن تركيا اليوم تترنح تحت وطأة سياسة رئيسها “رجب طيب أردوغان” الذي لم يوفّر ملفاً أو قضيّةً حساسةً في المنطقة إلا وزجّ تركيا بها، ليس من أجل بناء الشراكات وتعزيز المواقف السياسية والاستراتيجية وإنما من أجل جلب العداء مدفوعاً بالأوهام السلطانية التي يترنح نشوةً لبلوغها، الأمر الذي وسم السياسة التركية بصفة “السلبية” بل والتدميرية؛ لا سيما فيما يخص قضايا المنطقة العربية بدءاً من سوريا وليس انتهاءً بمصر وليبيا، الأمر الذي كلّف تركيا والمواطن التركي الكثير بتحمل التبعات الاقتصادية والعزلة المفروضة من إقليمه الطبيعي الذي لا يمكن التعامل معه إلا بصفة حسن الجوار الذي أزهقه “أردوغان” بسياساته العدائية، لينتقل اليوم إلى أبعد من ذلك في الاستفزازات التي قد تصل حدّ الصراع مع “اليونان” في ما بات يعرف اليوم بأزمة “شرق المتوسط”، بعد أن توغلت السفن التركية في المياه الإقليمية اليونانية بحثاً عن الثروات التي يعدّها الرئيس التركي حقاً لتركيا وفق الأوهام السلطانية التي تعتري الرجل، ولكن هذه المغامرة لا يمكن وصفها إلا بالرقص على حافة الهاوية نظراً لتشعب تبعاتها ولا سيما على الصعيدين العسكري والاقتصادي .

أولاً: الصعيد العسكري: تعتقد “أنقرة” أنّ الأوروبيين أبعد ما يكونون عن افتعال الحروب أو الرغبة في الدخول بصدامات مباشرة، ولعلّ هذا الأمر هو الذي شجّع تركيا على سياسة إبراز العضلات من خلال المناورات العسكرية والتصريحات النارية في الاستعداد التركي للمواجهة الحاسمة، ولكن هذا لا يعدو كونه تهوراً لأنّ الحرب قد تشتعل بشرارة غير متوقعة، فكم من حربٍ اندلعت بارتجال بسيط من جندي أرعن! ولكن إذا ما وقعت الواقعة واشتعلت الحرب فكيف سيكون مآلها؟ قبل الإجابة على هذا التساؤل المشروع لا بد من الإشارة إلى أنّ مثل هذه المواجهة ستكلف تركيا الكثير والمنتصر فيها خاسرٌ، ولكنّ المعطيات تشير إلى أنّ الخاسر الأكبر هي تركيا، وذلكَ لفقدانها العديد من الأوراق التي تمنحها القوة الرادعة ولا سيما ورقة “الناتو” فتركيا هي التي بدأت الاستفزاز لدولة أخرى حليفة للناتو، ووفق معاهدة الدفاع المشترك بين حلفاء الناتو فإن الحلف إنْ دخل على خط المواجهة سيدخل لصالح اليونان لا تركيا، والأمر الآخر هو أن اليونان عضو في الاتحاد الأوروبي الذي لن يقف مكتوف الأيدي فيما إذا حصلت المواجهة، علاوة على أنّ الموقف الأوروبي في هذه المسألة تتصدره فرنسا وهي على خلاف شديد مع تركيا في مسألة مياه المتوسط، ثمّ أنّ تركيا التي ربما تعول على الدور الأمريكي في المسألة فقد أتاها الردّ مسبقاً وذلك بقرار الولايات المتحدة منذ يومين برفع حظر بيع الأسلحة عن “قبرص” المفروض عليها منذ عام 1987م، وهي معنيّةٌ بهذا الصراع ضد تركيا من جهة عمقها الاستراتيجي في المتوسط مع اليونان، ومن جهة احتلال تركيا لجزءٍ منها فيما يعرف بجمهورية شمال قبرص التي لا يعترف بها أحدٌ سوى تركيا، كل ذلك يجعل صورة الصراع على أنّ تركيا ستكون في مواجهة مع الدول الأوروبية والولايات المتحدة، بالإضافة إلى تحريك هذه الدول لأذرعها العسكرية والسياسية بوجه الأتراك المتوزعين في سوريا والعراق و ليبيا، مما يجعل الاستفزازات التركية لليونان لعباً بالنار التي ما إنْ غفلت عنها طرفة عين حتى أحرقتها.

ثانياً: الصعيد الاقتصادي: أما الحرب على هذا الصعيد فليست مرتبطة بالحرب العسكرية، وهي حرب ستواجهها “أنقرة” سواءً بصدام عسكري أو بدونه، وفي كلتا الحالتين لن يخسر بها إلا تركيا والمواطن التركي الذي ما إنْ انتعش اقتصاده بعد عقودٍ من الركود حتى عادت به سياسة “أردوغان” إلى سلم التراجع، ولكن هذه الحرب ستكون أشدّ وطأةً وقسوةً إذا ما اقترنت بالعمل العسكري، فبدونه ستكون على شكل عقوبات اقتصادية أوروبية وأمريكية تفكك تماسك الاقتصاد التركي رويداً رويداً، أما في حالة الصدام المباشر فستتحول هذه العقوبات إلى حصارٍ شديد، لأنه سيكون – كما أسلفنا سابقاً – في مواجهة دولية وليست يونانية فحسب، إذ سيواجه الحرب بكل أنواعها مع الاتحاد الأوروبي ومن ورائه الولايات المتحدة التي تفرض حالياً عقوبات اقتصادية على تركيا، لا سيما وأنّ أوروبا اليوم هي المنفذ الوحيد والمتنفس الأوحد للاقتصاد التركي، بعد العزلة التي فرضتها سياسة العدالة والتنمية على الشعب التركي بسبب تصرفات نظام أردوغان واستعدائه لمحيطه العربي الذي لولا سياساته التدميرية وضربه للمشروع العربي، لكان هذا المحيط متنفساً وسوقاً لا يمكن إبعاده عنه مهما اشتدت عليه الحرب الاقتصادية، الأمر الذي سيجعل الاقتصاد التركي يهوي دفعةً واحدةً وما تتمخض عنه من منعكسات على المواطن التركي الذي بات اليوم أكثر من أي وقت مضى يعيد حساباته في اختياره لأردوغان رئيساً له، بعد ممارساته الاستبدادية في الداخل والزج بالجيش التركي والسياسة التركية والاقتصاد التركي بحروبه “الدونكشوتية” الخاسرة .

وما هذه السياسة القديمة المتأصلة في الهوس الأردوغاني الجديد في اختيار ساحتها إلا رقصة رعناء على حافة الهاوية التي قد تودي بتركيا جيشاً وشعباً واقتصاداً، قبل أنْ تودي بالسلطان الواهم الذي لا يبالي في المغامرة ببلاده وشعبه الذي يتغنى بتمجيده على المنابر الخطابية ليل نهار، صادحاً باستعداده للتضحية بكل غالٍ ونفيسٍ من أجل نهضة تركيا ورفاه الشعب التركي، ولكن الحقيقة عكس ذلك فهو مستعدٌّ للتضحية بالبلاد والعباد من أجل وهمٍ يطارده في أحلامه السلطانية.

نقلا عن العين الإخبارية

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى