سياسة

أردوغان وانتهاك صريح لقانون البحار


الخطوة التركية في البحر المتوسط، تشكل تهديداً مباشراً للأمن الأوروبي والسلم الإقليمي.

لم يتحرر أردوغان من أوهامه التي غَرِق فيها رغم ما ينتاب الواقع التركي من أزمات وخيبات هزت كيانه المتلاطم اضطراباً وتدهوراً، وأثرت على واقع الحياة الاجتماعية في الداخل التركي، وأيضاً ما لحق بنظامه من مشروعه التوسعي الطوراني العثماني، وبذلك تعرّت سياسته الحمقاء وما تعلّم السلطان الواهم من كل ما رافق أزماته من ويلات وثبور، وباعتباره كان يراهن على مجموعاته المتطرفة في الشمال السوري لمواصلة عدوانه اتضحت الوقائع؛ وأن كل مخططاته ستبوء بالفشل، وللظالم جولة في نهاية الأمر، ولن يكون هناك أي طوق للنجاة له ولمرتزقته الذين راهنوا على التمسك بمواقعهم إلا أنهم أصيبوا بنكسات وتراجعات مريرة.

فبعد قرار أردوغان باستئناف عملية التنقيب عن مصادر الطاقة في المتوسط، تفاقم التوتر بين أثينا وأنقرة العضوين في حلف الناتو، وثارت ثائرة اليونان التي تعهدت بالدفاع عن سيادتها، مطالبة أنقرة بوقف تلك الاستفزازات، والتي تشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، وأثينا على استعداد للحوار مع تركيا لنزع فتيل التوتر بخصوص موارد الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط إلا أن التهور الأردوغاني والأحلام الضالة والخارجة عن العقلنة والبصر والبصيرة تعكس جملة من الأوهام، ويزعم النظام الأردوغاني أن تركيا أصبحت اليوم لها الدور الفاعل والحقيقي في الساحة الدولية، وعلى الجميع أن يدرك ذلك وهي منفتحة على الحوار لحل المشكلات العالقة، ولن تسمح لأحد باغتصاب قطرة واحدة من مياهها، إلا أن هذه الطروحات مجرد أحلام وترّهات، وأردوغان غير راغب بالحوار وليس جديراً بالثقة.

والخطوة التركية تشكل تهديداً مباشراً للأمن الأوروبي والسلم الإقليمي، وبعدم استقرار في المنطقة، انطلاقاً من دورها التدميري والاحتلالي في المناطق الشمالية السورية وفي ليبيا وصولاً بانتهاكاته إلى منطقة بحر إيجه وقبرص وسوريا والعراق وناغورني قره باغ، ويدور خلاف بين البلدين العضوين في حلف الناتو بشأن مطالب متداخلة بالسيادة على موارد الغاز والنفط، وبعث قادة الاتحاد الأوروبي -خلال قمة بروكسل- رسالة حازمة إلى تركيا، مصحوبة بتهديد فرض عقوبات إذا لم توقف عمليات التنقيب التي تعتبر غير قانونية في مياه قبرص الإقليمية.

واليونان وضعت قواتها البحرية في حالة تأهب بعد إعلان تركيا عن إرسالها سفينة التنقيب قرب جزيرة يونانية، وتحركت سفن حربية من كلا البلدين، وعقب التحركات التركية المشبوهة اعتبر الاتحاد الأوروبي أن هذه التحركات غير مقبولة وليست مفيدة وتبعث برسالة خاطئة، وما تقوم به الحكومة التركية من أنشطة وعمليات تنقيب لاستخراج الغاز قبالة السواحل القبرصية وفي مساحات مائية تطالب بها الجزيرة، يعتبر انتهاكاً لقوانين البحار والمحيطات، وتهديداً مباشراً لدول أوروبا.

ورداً على اتخاذ أنقرة نهجاً تصعيدياً وما طرحته من مواقف سياسية جائرة توحي برفضها تقديم أية تنازلات، سارعت أربع دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، اليونان وفرنسا وإيطاليا وقبرص، بإجراء تدريباتها العسكرية المشتركة في شرق المتوسط، على الرغم من أن الدول الأوروبية ترغب بمنح الحوار فرصة جدية بين الجانبين المتنازعين، ودعمها للبلدين العضوين في الاتحاد الأوروبي اليونان وقبرص، ذلك ما يعزز المخاوف من إمكانية اندلاع مواجهة عسكرية واسعة وإشعال الخصومة التاريخية بين أثينا وأنقرة.

وطموح أردوغان بتكوين إمبراطورية تركية مترامية الأطراف يستعيد من خلالها ماضيها المنهار والبائد، وسعيه المتواصل نحو توازن للقوى الكبرى، بمعنى إيجاد معادلة النفوذ الاقتصادي لمصادر الطاقة مع روسيا؛ إذ تشكل أنقرة ثاني أكبر مستورد للغاز الطبيعي من موسكو، وتركيا تتحكم في قدر كبير من الطاقة المُصدرة لأوروبا، ما يفسر تصاعد ابتزاز أردوغان لدول القارة دون أن يتلقى ردعاً كافياً، وهي بالضرورة لا تريد أن تخسر مركزها الإقليمي لصالح أي دولة أخرى بالمنطقة، لا سيما أن جمهورية مصر العربية هي المرشحة للقيام بهذا الدور الأكبر مستقبلاً في ظل وقوعها في حوض شرق المتوسط الغني بالخام؛ إذ تسعى القاهرة لأن تكون حلقة وصل لتجارة الغاز بين الشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا عبر بنية تحتية قوية.

إن برغماتية أردوغان ستؤدي بشكل أو بآخر إلى فرض عقوبات أوروبية تؤثر على الأوضاع الاقتصادية التركية، وبالتالي تعمق من عزلة تركيا جرّاء تعنتها وصفاقتها في البحر المتوسط، والاتفاق البحري الذي وقعته تركيا مع ليبيا أحدث أيضاً توترات شائكة، وأسس لحدود بحرية وتجاوزت الاتفاقية البحرية جزيرة كريت اليونانية، مما يزيد من تفاقم حدة المخاطر بين الدول المتوسطية.

ومهما بلغت حدة النزاعات بين الجانبين المتنازعين فهناك عدة وسائل قضائية لحل النزاعات البحرية بشكل عام، من بينها المحكمة الدولية لقانون البحار، ويفضّل دوماً استنفاد كل الوسائل الودية المتاحة، والتي تتضمن خيارات متعددة لحل الخلافات من خلال الحوارات وبطرق دبلوماسية تجنباً للمصادمات العسكرية الواسعة النطاق في البحر المتوسط.

وبهذا الاعتبار الذي لا يخالطه أي غلو أو مواربة، فإن أردوغان أولاً وأخيراً يرغب في إشعال ملف شرق المتوسط لتحويل الأنظار عن الداخل التركي، وتبدو صورته بحالة سفول ومباهلة، ولا تستقيم على أية معنى سوى باتجاهاتها المخجلة والخادعة وما يتخذه من قرارات داخل المجتمع التركي وخارجه، بمجملها تؤدي إلى الفوضى العارمة في العديد من الدول التي زرع فيها حالات من التطرف والحماقات التي تدعو إلى مزيد من القلق والاضطراب على مختلف الأصعدة.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى