أردوغان: هذه نتائج جعجعتك!!


للموت حرمة تقدسها جميع الثقافات والأديان، وعند الموت يتوقف كل شيء، تتوقف النزعات والرغبات والمصالح، وتخجل النفوس من إظهار ضعفها الدنيوي، وتخفي مطامعها وشهواتها، ولا يحضر إلا حزنها ودموعها على الراحلين عن دنياها، وموت الفجاءة أشد وطأة وأكثر إيلاماً، وأدعى لأن يستدعي أعلى درجات الحزن والألم، والموت الجماعي الفجائي لأسباب وحشية حالة خاصة جداً، لأنه جرح إنساني ينال من إنسانيتنا جميعاً، بغض النظر عن هوية القاتل والمقتول، وما حدث في مسجدي نيوزيلندا من ذلك المستوى الإنساني عميق الإيلام والتأثير.

 ولكن للأسف ظهر من بين المسلمين، بل ممن يدعون تمثيل الدين والتوقيع عن رب العالمين، من لا يراعي للموت حرمة ولا قدسية، ولا يحترم إنسانية من قُتل بدم بارد، ويوظف المأساة في ملهاة شهوات السلطة والكبرياء والغرور الدنيوي؛ الذي ينافس الإله في ملكوت الأرض، ظهر من يحلم أن يكون خليفة المسلمين يعرض تسجيلات القتل المرئية والمسموعة في السرادقات الانتخابية، ليتاجر بالدم كعادته من أجل استحمار الجماهير البلهاء، وتحريكها مثل عرائس الشمع في الاتجاه الذي يريد؛ لترسيخ سلطة جبار مستبد قاتل طامح.

تكرار مقيت لتوظيف مآسي البشر في صالات القمار السياسية، قبلها تعمد أردوغان أن يوظف ضحايا تنظيم الإخوان الفاشل في اعتصام رابعة العدوية، بعد أن عزل شعب مصر الرئيس محمد مرسي، وحول أردوغان هذه المأساة البشرية التي تعمد تنظيم الإخوان حدوثها ليتاجر بدماء الضحايا، فكان أردوغان ابناً مخلصاً لهذا التنظيم الفاشل، وما زال يتاجر بضحايا رابعة، وبعدها تاجر بمآسي سورية، بل صنع هذه المآسي ليحلب الاتحاد الأوربي، والعالم من جانب، ويحقق طموحه في توسيع ملكه من جانب آخر.

 واليوم يتاجر أردوغان البهلوان بمأساة هو مشارك في صنعها، وليس مستهدفاً بها كما يدعي، القاتل الوحشي الذي أزهق أرواحاً بريئة مسالمة في بيت الله جاءت للعبادة والصلاة، ترك نصاً مكتوباً مليئاً بتعليقات وتلميحات عن المآسي التي ارتكبتها الدولة العثمانية في حروبها الاستعمارية الوحشية ضد الدول والممالك الأوروبية، تلك الحروب التي كان يتم فيها توظيف الدين لخداع الجماهير البسيطة، فترفع فيها رايات الجهاد والفتح، وهي في حقيقتها حروب دنيوية لا هدف لها إلا توسيع الملك، وتعزيز السلطان، وتحقيق المزيد من التجبر في الأرض، بما يكون فيه منازعةً لملك الله سبحانه، وبعد ذلك يأتي فقهاء السلطان ليسمونها فتحا وجهادا.. مثلها تماما الحروب الوحشية التي شنتها أوروبا بكل ممالكها، وعلى رأسها البابوية المقدسة على المسلمين تحت شعار الصليب، وسموها بالحروب الصليبية لخداع البسطاء وجرهم إلى الموت معصوبي العيون.

 هذا المجرم قاتل الأبرياء في المسجدين لم يكن ليتذكر ذلك التاريخ العثماني المقيت؛ في حروبه مع ممالك أوروبا، وحصاره لفيينا؛ عاصمة الإمبراطورية النمساوية؛ لولا أن البهلوان أردوغان يجعجع صباح مساء بما يعيد إحياء كل الذكريات السلبية للعثمانيين في التاريخ الأوربي.

 أردوغان البهلوان يقدم الآن للمتعصبين من الأوربيين والمنتسبين للعرق الأبيض في العالم التبريرات العنصرية والتاريخية لاستهداف المسلمين، لأنه يحرص ببلاهة شديدة على إحياء ذكريات الظلم والقهر والجبروت والقتل الوحشي العثماني في الشعوب الأوربية، ويذكر هذه الشعوب وأجيالها الشابة أن أردوعان ومن يسير خلفه من المخدوعين بجعجعته قادمون لإعادة هذا التاريخ والتنكيل بالشعوب الأوروبية.. أردوغان الآن يقوم بنفس الدور الذي قام به جورج بوش الابن في التذكير بالحروب الصليبية، وإشعال نار الفتنة في قلوب الشباب المسلم الذي التهمته آلة التطرف والعنف والتوحش الداعشي.

 منذ أسبوعين أعاد أردوغان قراءة قصيده؛ تم سجنه بسببها في ديسمبر 1999، وأطلق سراحه في مارس 2000، أعاد أردوغان إلقاء هذه القصيدة التي ألفها الشاعر التركي “ضياء غوقلب”، في تجمع انتخابي في مدينة سعود شرقي تركيا، وهذه القصيدة تقول:

“مساجدنا ثكناتنا.

قببنا خوذاتنا.

مآذننا حرابنا.

والمصلون جنودنا.

هذا الجيش مقدس يحرس ديننا.”

 ماذا سيفهم غير المسلم من قصيدة يلقيها رئيس دولة مسلمة تدعي أنها تمثل المسلمين في العالم وتطمح لقيادتهم؛ وهذه القصيدة تصف المساجد بأنها ثكنات عسكرية كل رموزها أدوات قتل وتدمير؛ المآذن التي يرفع من عليائها نداء الفلاح والسلام أصبحت في لغة أردوغان حرابا للقتل، والقباب خوذات، والمصلون جنودا، وجيشا مقدسا.. هل بعد ذلك سيتعامل أي إنسان غير مسلم يثق بمصداقية السلطان أردوغان مع المساجد على أنها دور عبادة، وليست ثكنات عسكرية؟

 ألا يعتبر أردوغان محرضا بطريقة غير مباشرة على استهداف العنصريين، الذين تحولوا إلى آلات عمياء لظاهرة الخوف من الإسلام “الإسلاموفوبيا”؟.. ألا يقدم أردوغان لهؤلاء العنصريين المجرمين المبرر الأقوى لاستهداف المساجد، والمصلين في المجتمعات المسلمة في الدول الغربية؟.. ألا يعتبر هذا الأحمق المطاع مسؤولا عن قتل المسلمين في المساجد؛ لأنه اعترف أن المساجد ليست دورا للعبادة وإنما ثكنات عسكرية؟

Exit mobile version