أردوغان: تزوير “الحدود” و”الوجود”!


جريمتان اقترفهما فخامة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأسبوع الماضي بامتياز، كلتاهما اعتمدت على الكذب البواح وتزوير الحقائق، وخلق واقع افتراضي مصنوع من خياله وضلالاته وأوهام مشروع “تركيا الكبرى”.

الجريمة الأولى هي جريمة تزوير واحتلال حدود وخطوط سيادة بحرية لا علاقة لها بقواعد اتفاقية معاهدة الحدود البحرية التابعة للأمم المتحدة عام 1981.

هذا هو “الاختراع” الأول الذي اختلقه عقل فخامته.

الاختراع الثاني أو الكذبة الثانية هي ادعاؤه على السعودية أنها هي التي منعت باكستان من حضور تلك القمة المشبوهة التي عُقدت في كوالالمبور بين ماليزيا وإندونيسيا وإيران وتركيا وقطر بناء على مشروع وفكرة كان رئيس وزراء ماليزيا قد طرحهما على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي.

تعالوا نناقش أحدث اختلاقات أو اختراعات فخامة الرئيس التركي.. الأول اختلاق وتزوير “حدود” والثاني اختلاق وتزوير “دور ووجود”!

قرر فخامته أن يعدّل “على كيفه” الحدود الدولية لسواحل البحر المتوسط.

وقرر ألا يعترف قانونياً بدولة قبرص، وأن يختلف سياسياً مع دولة اليونان، ويتصادم سياسياً مع مصر، ويخشى التصادم مع دولة إسرائيل، لذلك قرر -منفرداً- أن يعتبر أن امتداد الجرف البحري لبلاده لا يبدأ من واقع المساحة الجغرافية الفعلية على حدود دول المنطقة، ولكن قرر أن تبدأ من عنده وتتصل فقط بمدينة طرابلس، متجاهلاً كل الدول الأخرى التي خلقها الله على هذه البحار، وتم ترسيم حدودها ومساحتها البحرية دولياً منذ مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية باتفاقيات دولية ملزمة موقع عليها من دول العالم.

وفي هذا المجال يقول مركز “آي. إتش. إتس ماركت”: تخشى تركيا من أن تكون محاصرة من الجهة الجنوبية في ظل خطط لخط أنابيب غاز مستقبلي يربط حقول الغاز القبرصية بالأسواق الأوروبية. وجاء أيضاً في تقرير المركز أن الحدود البحرية التي رسمت بموجب الاتفاق التركي مع حكومة السرّاج تغطي مساحة من جنوب غرب تركيا إلى شمال شرق ليبيا عبوراً بالطريق المقرر لهذا “الأنبوب”.

سياسة القرصنة التركية تسعى إلى فرض سياسة قوة تجبر دول المتوسط (اليونان، قبرص، مصر، إسرائيل، لبنان، سوريا) على أن يكون نقل الغاز عبر المنطقة التجارية الخاصة بتركيا بدلاً من استبعادها.

من أجل الغاز يريد أن يمارس سياسة قرصنة بحرية على ثروات خزان الغاز الراقد تحت شرق البحر المتوسط.

سياسة فخامته تقوم على استخدام القوة العسكرية لتغيير الأمر الواقع، وتعديل الحدود، والاستيلاء الكامل على الثروات أو المشاركة في جزء منها.

سياسة فخامته “سوف أقيم الدنيا ولا أقعدها، وسوف أدمر المعبد على رؤوس الجميع، لو لم تتم الاستجابة لشروطي المستحيلة”.

يعتمد فخامته على مشروع أحمق غير قانوني وغير أخلاقي يسعى لفرضه بالقوة غير عابئ بأي قوى محلية في الداخل أو إقليمية في المنطقة أو دولية مؤثرة.

يعتمد فخامته في هذا المشروع على عدم وجود مشروع لدى خصومه!

يعتمد فخامته في مشروعه على ارتباك النظام الدولي، والتوازنات العالمية، وانكفاء أهم لاعبين على همومهم الداخلية، فها هو ترامب مشغول بعملية العزل، وبوتين بالعقوبات، وأوروبا بإمكانيات ومخاطر الانقسام، والصين بالحرب التجارية، وفرنسا بالأزمة الاقتصادية الداخلية.

يعتمد فخامته على بنك تمويل مفتوح اسمه الصندوق السيادي القطري لتحقيق مغامراته وغزواته الكبرى.

يعتمد فخامته على مليشيات الإرهاب التكفيري من الإخوان إلى داعش إلى النصرة إلى كتائب طرابلس الإرهابية.

نأتي إلى جريمة التزوير الثانية، وهي تصريحاته الغاضبة التي ادعى فيها على السعودية بالآتي:

أن “الرياض استخدمت ملفي ترحيل العمالة الباكستانية في المملكة، وسحب ودائعها من البنك المركزي الباكستاني، من أجل منع باكستان من المشاركة في قمة كوالالمبور”، على حد ما نقلته وكالة “الأناضول” حرفياً.

هذا الكلام العجيب ردت عليه كل من السعودية وباكستان بقوة، وتم اعتباره فصلاً جديداً من فصول حماقات الرجل السياسية.

هذه القمة هي مشروع يبدو من ظاهره وشعاراته محاولة لخلق كيان إسلامي متطور وعصري يواكب متغيرات العالم، ولكن باطنه هو مشروع التقت مصالح كل من تركيا وإيران وقطر على التحالف لتنفيذه يعتمد على:

1- تحويل مركز قيادة العالم الإسلامي من الرياض العربية إلى وسط آسيا.

2- خلق محور مضاد لمشروع التحالف الإسلامي الذي دعت إليه المملكة العربية السعودية والذي شاركت فيه 41 دولة برعاية خادم الحرمين الشريفين، وقام بتفعيله ولي العهد السعودي.

3- شق المعسكر الإسلامي بين الدول ذات قوة المكانة الروحية والمعنوية مثل: السعودية، مصر، باكستان.. مقابل الدول التي تسعى لفرض سياسات خاصة عبر الاعتداء والقوة والسطوة والابتزاز، وعلى رأسها تركيا وقطر وإيران.

اللعب كله على استدراج ماليزيا وإندونيسيا وباكستان.

ماليزيا وإندونيسيا فهمتا اللعبة متأخراً، لذلك أجرتا اتصالات مع القيادة السعودية لتفسير مواقفهما وأسباب مشاركتهما ورفضهما المشاركة في أي محور مضاد لمصالح السعودية ودورها.

أما باكستان، وهي دولة عريقة في السياسات الإقليمية، فهي كدولة ترتبط بعلاقات “شديدة القوة” تاريخياً وبمصالح متشابكة منذ أكثر من نصف قرن مع الرياض، تبدأ بالاقتصاد، وتمر بالعمالة الباكستانية وتنتهي بالتعاون العسكري الضخم.

رئيس الوزراء عمران خان، مثله مثل 8 من رؤساء حكومات بلاده السابقين، يعرف المعلن والسري في العلاقات بين باكستان والسعودية، ويعلم أن الرياض كانت دائماً هي الملاذ الآمن لهم، وخط الدفاع الأخير للاقتصاد الباكستاني.

رئيس الوزراء الباكستاني يعلم أن أخلاقيات الممارسة السياسية في الرياض لا تعمل بمنطق الابتزاز السياسي الذي يُستخدم في طهران وأنقرة والدوحة.

تصريحات أردوغان الكاذبة الغاضبة القائمة على الادعاءات قطعت آخر خيط رفيع محتمل بينه وبين الملك سلمان بن عبدالعزيز.

تصريحات أردوغان الحمقاء هي خطأ سياسي لا مبرر له سوى خدمة المشروع القطري في الإساءة للمملكة.

سوف يدفع رجب طيب أردوغان ثمن هذا الجنون قريباً في مصالحه بالمنطقة من السعودية وصولاً إلى ليبيا التي تتهيأ لحرب مقبلة.

لو قرأ أردوغان بعضاً من التاريخ الإسلامي لعلم أن الدور الروحي لحكم الدولة التي ترعى الحرمين الشريفين هو دور “روحي أبي” لا يمكن نزعه أو المنازعة عليه.

لو قرأ أردوغان قصة عبدالرحمن بن معاوية بن هشام بن عبدالملك المعروف بعبدالرحمن الداخل، الذي كان في حالة عداء شديد مع الخلافة العباسية، ورغم أن العباسيين قتلوا أخاه ونبشوا قبر جده هشام، رغم ذلك لم يطلب أو يلمح ذات يوم بأنه خليفة للمسلمين، لمعرفته بأنه لا يمكن أن يطلق هذا اللقب إلا على من كان حامياً للحرمين الشريفين قائماً على خدمتهما.

نقلاً عن “الوطن المصرية”

Exit mobile version