سياسة

أردوغان بين الاحتلال والاختلال


بعد ثبوت ورطة أردوغان في سوريا والتي تعمّقت في إدلب بعد مقتل عشرات الجنود الأتراك وبقائه أمام خيارات محدودة في ضوء تهديداته المتواصلة، حيث جعلت نظامه يتخبط في ردود الفعل على تقدم الجيش السوري المدعوم من روسيا، وفي ظل التفوق الجوي الروسي في إدلب، جعله يسارع ويختار إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار مع بوتين يضطر بموجبه إلى التراجع عن تهديده المتكرر بشن هجوم جديد.

لكنه سيحفظ ماء وجهه إلى حد ما، ما يبقيه مؤثرا في الأزمة السورية وفي استغلال والمتاجرة بالمهاجرين، لاسيما وأنه أدخل ورقة اللاجئين السوريين مجدداً على خط الصراع في المنطقة، وكوسيلة ضغط مباشرة على الأوروبيين، هذا الضغط يفتح الطريق أمام اللاجئين للوصول إلى أوروبا والذي يعد تراجعا من جانب تركيا عن تعهداتها التي قطعتها للاتحاد الأوروبي لكي يجذب القوى الغربية سريعا إلى الدخول في المواجهة بخصوص إدلب وفي المفاوضات بين أنقرة وموسكو، بعد أن شكل تقدم الجيش السوري وروسيا صدمة مباشرة لأردوغان داخليا وخارجيا، وجعله يسعى بكل قوة للتوصل لاتفاق مع موسكو يتيح مجالا للخروج من الأزمة ويحفظ ماء وجهه أمام أتباعه ويحمي به الجماعات المتطرفة التي تدين له بالولاء والطاعة. 

هذا الاتفاق عمومًا هو فاشل حتى وإن رُوج له بأنه انتصار لأردوغان عبر أتباعه والمطبلين له، فهو لم يتطرق للخلافات الاستراتيجية، أي أنه مجرد استراحة قصيرة وتأجيل للحرب ووقف مؤقت لإطلاق النار.

وستندلع الاشتباكات في أقرب خلاف قادم؛ لأنه نص فقط على إنشاء ممر آمن، وتسيير دوريات مشتركة، ووقف جميع الأعمال القتالية، ولم يتطرق لمصير الأراضي التي سيطر عليها الجيش السوري بإدلب.

أردوغان أدرك أن عليه الحصول على تأييد الدول الأوروبية، إضافة إلى الولايات المتحدة والناتو، قبل أي مغامرة في مواجهة بوتين داخل سوريا، لذلك لجأ إلى ابتزازها بسلاح اللاجئين ثم بطلب أسلحة ومضادات أمريكية وحين فشل عاد صاغرًا لبوتين ووقع معه اتفاق أقل ما يقال عنه أنه مذل ومُهين لكبرياء أردوغان المعتوه.

لا شك أن أردوغان أصبح خطرا كبيرا على تركيا وعلى شعبه وعلى دول الوطن العربي ووقت رحيله قد حان، بسبب سياساته العدوانية وقراراته الخاطئة التي تدخل بلاده في صدام مع العالم، فهو يعيش بين رغبة التوسع والتمدد وإعادة أمجاد أجداده وبين الاختلال والجنون العقلي الذي يعيشه، والذي حتما سيؤدي إلى اختلال أمني في المنطقة برمتها واختلال أمني داخلي بدأت بوادره داخل قبة البرلمان أمام الملأ وعلى رؤوس الأشهاد.

وفي ظل الانفصال التام من حكومته عن أزمات شعبه وكوارثه، وتعرض جيشه لخسائر فادحة في ليبيا وسوريا، بالإضافة إلى تداعيات الأزمة الاقتصادية ووباء كورونا وأثاره السلبية، ناهيك عن مستنقع سوريا وليبيا الذي زج بجنوده فيه، بالإضافة للسياسة الخارجية التي ينتهجها فقد كسب عداء نصف الكرة الأرضية.

وفِي ظل ارتباطه الشديد بالجماعات الإرهابية من جهة وهوسه بأحلام الخلافة من جهة أخرى، عموما يعيش أردوغان حاليا​ فترة قد تعتبر الأسوأ في تاريخه السياسي، فهو لم يتعلم من تجاربه السابقة، ولم يدرك بعد أن اللعب مع القوى الكبرى ليس مجرد نزهة، إنما يترتب عليه دفع أثمان باهظة قد تنهي ما تبقى من حياته السياسية بسرعة أكبر مما يتوقع ويحسب حسابه، ولن تفلح سياسة الترقيع بعد ذلك، وستذهب به إلى مزابل التاريخ كما ذهبت بغيره.

نقلا عن العين الإخبارية

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى