سياسة

أردوغان المضحك


شر البلية ما يضحك، هذا المثل ينطبق على أردوغان وقراره المضحك بعد 17 عاما من الخراب المتواصل.

بعد 17 عاماً من الخراب المتواصل، يريد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن يبدأ جولة جديدة من الإصلاحات في “الاقتصاد والقانون والديمقراطية”.

هذا ما أخبر به مؤتمر حزبه، ولكنه وضعه على نحو جعل الإصلاحات تبدو وكأنها من لزوم ما لا يلزم، فكل ما حققه هو “نجاحات” تنطح نجاحات أخرى في كل المجالات. حتى ليجوز السؤال: إذا كان ذلك كذلك فلماذا الإصلاحات أصلاً؟

الليرة التركية، كمؤشر على تلك “النجاحات” خرقت السقف، ولكن ليس بارتفاع قيمتها، وإنما بانخفاضها، حتى إن الاقتصاديين لا يعلمون ما هو القاع الذي سوف تصل إليه. وهذا المؤشر إنما يتعلق بسياساته هو، وبقرارات ظل يفرضها على المصرف المركزي من أجل إبقاء أسعار الفائدة منخفضة، بينما التضخم يتصاعد، وبينما تعجز البلاد، تحت إدارته، عن ردم الهوة بين هذا وذاك، لاسيما مع تراجع الاحتياطات النقدية، وارتفاع العجز التجاري، وبلوغ معدلات الدين العام حدودا غير مسبوقة.

فإذا كان كل ذلك “نجاحات”، فلا أحد يعرف ما هو الفشل، أو ما الذي يدفع أردوغان إلى تحقيق “نجاحات” إضافية، تضيف خراباً جديداً فوق الخراب القائم.

أما القانون، فأردوغان آخر من يحترمه، ليس لأن نظامه يعتقل الناس على أساس الشبهات، وليس لأنه يمارس ضدهم انتهاكات غير مسبوقة، طالت حتى الأطفال والمصابين بعجز فحسب، بل لأن محاكمه عشوائية وارتجالية ولا تحترم القيم الإنسانية أيضا. وهناك الآن أكثر من 800 طفل تتراوح أعمارهم بين أيام وست سنوات معتقلون مع أمهاتهم، في دلالة على أن قانون الغاب هو السائد تحت سلطة أردوغان؛ إذ تكفي أي انتقادات قد توجه إليه، أو سخرية من سياساته، أن تقود “مرتكبها” إلى السجن لسنوات. وبلغ رعبه من الانقلاب عليه حدًّا دفعه إلى إقالة مئات الآلاف من موظفي الدولة، وسجن الآلاف من ضباط الجيش، وعشرات الآلاف من المواطنين العاديين، لمجرد أنهم يستخدمون وسائل تواصل أو تطبيقات هواتف صارت هي بحد ذاتها تهمة تقود إلى السجن.

وأما الديمقراطية، فيكفي أن تسأل عنها معارضيه داخل البرلمان وخارجه، ذلك أن السيف المسلط على رقابهم يعني أنهم مُعرضون للمحاكمة بكل التهم الخارجة عن المنطق، بما فيها دعم الإرهاب.

تغريدات من شخصية معارضة مثل جنان كفتانجي رئيسة حزب الشعب الجمهوري في إسطنبول، على سبيل المثال، كانت تكفي لصدور حكم بسجنها تسع سنوات. أما حزب الشعوب الديمقراطي فقد ظل قادته وأنصاره يدفعون الثمن تلو الآخر لمجرد الشبهات بأنهم يدعمون حقوق مواطنيهم الأكراد. والأكراد شعب مضطهد عن بكرة أبيه في تركيا، ولا يتمتعون بأي حقوق، وكل من يدافع عن مطالبهم بالحياة الكريمة هو إرهابي بعرف المحاكم القراقوشية الأردوغانية.

أما الصحفيون فحدِّث ولا حرج، حتى النكتة أصبحت جريمة من جرائم الإرهاب. بينما الواقع يقول إنها جريمة مضادة غايتها الترهيب وكم الأفواه.

ولئن قال الأتراك، المرة تلو الأخرى، قولهم في سياسات حزبه الانتهازية، عندما هزموه في الانتخابات البلدية في أنقرة وإسطنبول وديار بكر وغيرها من مدن البلاد الكبرى، فإن أردوغان لم يصغَ لإرادة شعبه، ولم يعمد إلى تعديل مساره الأعوج، بل زادته الهزائم تمسكاً بالمسار ذاته، حتى لكأنه يريد أن يعاقب البلاد برمتها على نكرانها وسخريتها من “نجاحاته”.

يقول المثل الإنجليزي: “إذا كنت في حفرة، فأول ما يجب أن تفعله للخروج منها، هو أن تتوقف عن الحفر”، ولكن أردوغان لا يدخل في حفرة إلا ويحفر في جوارها حفرة أخرى، وكأنه يريد أن يعمل شبكة أنفاق من المشاكل.

فما إن برزت معالم الانهيار الاقتصادي في أزمة العلاقة مع الولايات المتحدة بشأن شراء صواريخ إس 400 من روسيا، حتى بدأ غزواً في ليبيا، وما إن لاحت هزيمة مرتزقته هناك، حتى أثار أزمة في شرق المتوسط، وما إن ظهر أن هذه الأزمة سوف تدفع الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات اقتصادية على تركيا، حتى اندفع ليشارك في المعركة بين أرمينيا وأذربيجان. وهناك سلسلة أخرى من المشاكل مع سوريا والعراق، فضلاً عن السجال المرير مع فرنسا. ولكي يزيد الطين بلة، فإنه لم يكف عن تهديد الاتحاد الأوروبي بفتح الأبواب لتدفق اللاجئين.

وبطبيعة الحال، فإنه يخوض كل هذه المشكلات، بينما يريد أن تصبح تركيا عضواً في الاتحاد الأوروبي، وهو شيء بات مضحكاً ومستحيلاً في آن.

السؤال الآن هو: ماذا سوف يضيف أردوغان فوق هذه “النجاحات”؟ وكم سيبقى من الأتراك خارج السجون؟ وكم معارض سوف يواجه التهمة بالإرهاب، لأنه أزعج أردوغان بتغريدة؟ وكم سيبلغ سعر الليرة؟ وكم مدير للمصرف المركزي سيطرد؟ وكم سيبقى في خزائن البلاد من الاحتياطيات؟

يخطط أردوغان لكي يراكم هذا النمط المخزي من “النجاحات”، حتى العام 2023، من أجل إعادة انتخابه.. إذا بقيت تركيا على قيد الحياة.

نقلا عن العين الإخبارية

تابعونا على
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى