سياسة

أردوغان.. الغطرسة والفاشية ثنائية السقوط


لطالما قادت النظم الفاشية دولها وشعوبها إلى المهالك كما يروي لنا التاريخ عبر صفحاته منذ الأزل، تلتقي جميع الروايات عند حقيقة ساطعة تمثل القاسم المشترك الذي يجمع بين الغطرسة والعنجهية اللتان تطبعان سلوك نظام سياسي بعينه بعد أن يتسلل الوهم إلى قرارة نفسه؛ شخصاً كان أو مجموعة، بأنه بات يملك جميع مقومات تفرده في التطاول والعدوان على كل من لايسير في ركب قافلته أو حتى من يعترض على سلوكياته وجبروته المُتَوَّهَّم.

خروج وزير دفاع أردوغان خلوصي أكار بمجموعة التخرّصات والأباطيل التي ساقها ضد عدد من الدول العربية التي ترفض منطق الاستعلاء وسياسة العدوان التركية تعكس حقيقتين تقضّان مضاجع سيده وزبانيّته على حد سواء؛ الحقيقة الأولى تتلخص في هذا الكم الهائل من الحقد والضغينة المتراكمة في قاع نظام أردوغان ضد دولة عربية تعانق الفضاء وتقتحم ميدان الطاقة النووية السلمية بجدارة ويشار إليها بالبنان في جميع تقويمات التقدم والتطور والرفاه ومعانقة المستقبل والاعتداد بانتمائها العربي الإسلامي، وتصون سيادتها واستقلالها وتدافع عن أشقائها بكل ما أوتيت من إمكانات ووسائل . والحقيقة الثانية تتمحور حول يقين نظام أردوغان بأن التهديدات التي يمكن إطلاقها من خلال عسكره يمكن أن تحقق له مأربه وتمنحه مساحة للمناورة باتجاهين : الداخل التركي حيث تتنامى الأصوات السياسية والحزبية والشعبية المعارضة لسياسته وتوجهاته العدوانية التوسعية في الخارج وانعكاس هذا النهج المتهور على الأوضاع الاقتصادية في الداخل، حيث يعتقد أن دوران ماكينة وحداته العسكرية وأبواقه خارج الحدود من شأنها إغلاق الأفواه وقمع الأصوات الداخلية المناوئة له ولنهجه، والاتجاه الثاني هو الخارج خاصة بعد المأزق الذي وجد نفسه فيه في الساحة الليبية وتحول الموقف الدولي بغالبيته العظمى إلى الخندق المواجه له ولمشروعه الاحتلالي الذي يتستر خلفه ويوظفه للوصول إلى تحقيق أطماعه في شرق المتوسط حيث النفط والغاز.

لقد ارتبطت الغطرسة على الدوام بإحساس خادع ناجم عن الانفصال عن الواقع أحياناً، وفي أحيان كثيرة تكون الغطرسة نتيجةً حتميةً لتضخّم الذات وتورّمها المَرَضي . ولعل حديث أكار عن دولة الإمارات إنما أراد منه الإساءة، لكن قراءة متأنية للواقع كفيلة بتعريته ورد التهم إليه وإلى سيده وإلى دولته ونظامها، فالإمارات تقوم بواجبها تجاه شعبها وهويتها العربية الإسلامية وتجاه محيطها الإقليمي وصداقاتها على مستوى العالم وهي لاتتلطى خلف إصبعها مثل ما يقوم به أردوغان ونظامه تارة باسم الدين والمذهب وتارة باسم أمنه القومي، وفي جميع الأحوال ينتهك سيادات دول ويقتل أبرياءها ويحتل أراضيها ويسهم بشكل مباشر في نشر الفوضى على غير صعيد، وعلى الجانب الآخر ألم يكن أردوغان ونظامه سدَنةً لمشاريع خارجية مناقضة للسلم والأمن في أكثر من مكان ؟، أليس أردوغان هو الذي يوظف مقرات في بلاده خدمة لأحلاف عسكرية وقواعد عسكرية تنطلق منها حمم النار باتجاه جواره وأبعد من ذلك ؟. وإذا كانت تخرّصات أكار انعكاساً مباشراً لأوهام سيده الذي لايزال مسكوناً بهوس أمجاد عفا عليها الزمن وباتت صلاحيتها ومكانها فقط في المتاحف التاريخية كما قال وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش ردا على أكار، فإن فشل جيش أردوغان واستخباراته وعدته وعتاده التي يتغنى بها في مواجهة حزب العمال الكردستاني وإخفاقه في إلحاق الهزيمة به بعد ما يقارب العقود الأربعة من الحرب التي يشنها ضدهم، يؤكد أن نزعة الغطرسة التي باتت تطبع مواقفه ونهجه تعكس ميوله الفاشية المتنامية والتي من شأنها أن تدفعه إلى الانزلاق أكثر إلى أتون صراعات ومواجهات لاطاقة له على تحمّلها أو تحمّل نتائجها أو الخروج منها .

خزائن التاريخ مليئة بل ومتخمة بقصص ومواعظ الأولين في الحكم والسلطان، لكن يبدو أن العثماني الجديد ومجموعته الحاكمة لايرون في تلك الخزائن إلا ما يحاكي أوهامهم وأطماعهم، ويغيب عنهم حقائق ومواعظ راسخة؛ منها أن العدوان والغطرسة يقودان إلى الطغيان الذي يعتبر السبيل الوحيد المؤدي إلى النهايات البائسة.

نقلا عن العين الإخبارية

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى