مكرسين وقتهم لمتابعتهم عبر منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، ومتابعة أخبارهم في غرف نومهم وفي الشارع وفي المطاعم والمقاهي وفي البلدان التي يسافرون إليها.
وقد أدت الظاهرة إلى فتح سوق الاستهلاك على مصراعيها لتقليد هؤلاء والجهات التي يقومون بالدعاية والترويج لها، من دور أزياء وأكسسورارات ومطاعم ومنتجعات وغيرها، ما حمّل الجيل الجديد أعباء مادية باهظة لمحاكاة حياة هؤلاء.
وقد جنى هؤلاء، بفضل شهرتهم وعلى حساب الأسر العربية، أموالا طائلة، أوصلتهم إلى درجة الأثرياء، الظاهرة التي انتبهت لها بعض الدول وبدأت في وضع قواعد وقوانين للحد من استغلال هؤلاء لشهرتهم والترويج لما من شأنه الزيادة في ثرائهم، والإضرار بالمجتمع، وقد بدأت هذه القوانين والرقابة تحد من الظاهرة واستغلالها للمجتمع.
وفيما كان المجتمع يطرح تساؤلات عن الظاهرة، ومعنى كلمة “مؤثر”، أخذت السجالات تتسع في محاولة التفريق بين كلمة “مؤثر” وكلمة “مشهور”، فهل كل مشهور مؤثر؟ وإن كان الأمر كذلك، فهل عتاة المجرمين المشهورين عبر التاريخ ينطبق عليهم لقب مؤثر لمجرد الشهرة؟
وقد أخرست الأقلام والمداخلات بعض من حاولوا التنبيه للتفريق بين مشهور ومؤثر، فالتأثير يتجاوز الشهرة كثيرا، بسبب الدور الإيجابي للمؤثر في تغيير المجتمع نحو الأفضل، فيما لا يرى البعض أنه ينطبق على شخص بمجرد الشهرة، فمعظم المشاهير لم يشاركوا الناس ثمار نجاحهم، بل ظل قاصرا عليهم، يجنون الثروات والمكانة دون مشاركة المجتمع فيها إلا ما ندر.
ومناسبة الحديث هنا تأتي بعد أن شاهدنا عدة نماذج عربية، انتقلت من خانة الشهرة إلى خانة التأثير الحقيقي في المجتمع، مثل الممثل السعودي فايز المالكي، الذي تجاوز دوره الاجتماعي بمراحل ضوئية دوره كممثل ونجم تليفزيوني، فلا يأتي يوم إلا ويلهج له المجتمع بالدعاء والثناء كونه جسر خير بين الأثرياء وبين ذوي الحاجة الملحة في مجتمعه.
وأمس شاهدنا نوعا آخر ونموذجا فريدا في المنطقة، يتمثل في شاب عشريني اشتهر بلقب “أبو فلة”، والذي أطلق حملة بالتعاون مع الأمم المتحدة لجمع مليون دولار لتدفئة اللاجيئن الرازحين تحت زمهرير الشتاء.
كنت قد سمعت لأول مرة عن أبو فلة منذ فترة طويلة من أبنائي، الذين أعيش معهم معركة يومية لحمايتهم، مثل كل الآباء، من خطر وسائل التواصل، لكنني بعد حملة أبو فلة، سعدت جدا أن أبنائي يتابعونه للتأثير الإيجابي الذي أطمح بأن ينعكس عليهم، وليفهموا معنى مؤثر بالشكل الصحيح، وليفرقوا بين التأثير والشهرة الفجة التي قد ينعكس أثرها السلبي عليهم.
ظاهرة أبو فلة، وقبلها فايز المالكي وغيرهم، هي ظاهرة تحملنا على إعادة التفكير، إنْ على صعيد الحكومات التي تسن القوانين، أو على صعيد المجتمع والأسرة في عدم الانجرار، والتفريق في التسميات والمصطلحات لإعطاء الأشياء أسماءها، وعدم الخلط بين “مؤثر” و”مشهور”.
فمن حق الناس أن تشتهر وتجني الأموال وتسعد بها في الحياة، لكن لا يحق لهم مزاحمة المؤثرين من مفكرين وعلماء وصانعي الحياة في لقب “مؤثر” الذي لا تجب مزاحمتهم فيه بمجرد الشهرة والثراء.