هل سيزيد قرار إعادة الانتخابات البلدية في إسطنبول من الدعم الشعبي لمرشح المعارضة؟


نظرا لعدم تقبله النتائج الرسمية للانتخابات البلدية في إسطنبول، سعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عبر الطعون والضغوط إلى اصدار قرار بإعادة الانتخابات وحصل في الأخير على ما يطمح إليه، لكنه في الحقيقة قد بدأ بخسارة الجولة الثانية سياسيا.

وقد استمرت الضغوط شهرا حيث تضمنت تقديم طعون شتى لدفع اللجنة العليا للانتخابات إلى إعادة العملية الانتخابية في إسطنبول، كما اعتبر الرئيس التركي أن سكان إسطنبول صوتوا للحزب الخطأ، عندما أعطوا ثقتهم لمرشح حزب الشعب المعارض أكرم إمام أوغلو، وقال بأن لديه خطة جديدة لتعزيز ديمقراطيتنا.

وتوقع المحلل السياسي إيلي ليك في مقال له بوكالة بلومبيرغ أن تشمل الخطة الجديدة لأردوغان السعي إلى مزيد من المخالفات والتزوير من أجل استعادة المدينة التي تعد خزانا انتخابيا وماليا كبيرا لحزب العدالة والتنمية.

وذكر بأن إجراء انتخابات جديدة أمر لا يمكن الدفاع عنه في معظم أنحاء البلاد، التي استشاطت غضبا بعد قرار إعادة الانتخابات.

كما أشار ليك إلى أن العديد من الأتراك الذين لم ينتقدوا أردوغان من قبل (بما في ذلك العديد من المشاهير) سيأخذون جانب المعارضة، ما يعني أن هناك كتل تصويتية جديدة ستجلس في الجانب الآخر من الملعب لمؤازرة فريق المعارضة.

بدأ صدع كبير يأخذ طريقه في جدار الحزب الحاكم، في الوقت الذي عارض الرئيس التركي السابق والمؤسس المشارك لحزب العدالة والتنمية، عبد الله غول، ورئيس الوزراء السابق أحمد داوود أوغلو قرار إعادة التصويت.

وذكر غول بأن قرار إعادة الانتخابات يظهر أن الحزب لم يحقق أي تقدم منذ الخلافات الدستورية السابقة. وكان كل من داوود أوغلو وغول قد اختلفا مع أردوغان خلال وجودهما في منصبيهما وسرت شائعات متكررة خلال السنوات بأنهما قاما على الأرجح بتأسيس حزبيهما.

وقد قام غول الذي نأى بنفسه مؤخرا عن السياسة اليومية، بتشبيه الوضع بقرار للمحكمة العليا عام 2007 منعه من أن يكون رئيسا للبلاد من دون غالبية الثلثين في البرلمان.

وقال في تغريدة على تويتر، الذي شعرت به في 2007 (…) هو ما شعرت به أمس عندما قامت محكمة عليا أخرى، هي المجلس الأعلى للانتخابات، باتخاذ قرارها. من المؤسف أننا لم نحقق تقدما.

ومن جانبه، قال داوود أوغلو  إن قرار إبطال نتائج انتخابات 31 مارس التي فازت فيها المعارضة أساء إلى إحدى قيمنا الجوهرية.

وقد غرد على تويتر أن الخسارة الكبرى للحركات السياسية ليست خسارة انتخابات فحسب بل خسارة تفوَق الأخلاق وضمير المجتمع.

وتتناقل وسائل إعلام تركية عزم غول إلى جانب وزير المالية السابق علي باباجان الانفصال عن أردوغان وتشكيل حزب جديد.

وبالرغم من مساعي أردوغان لالتقاط فرصة ثانية لاستعادة المدينة التي عبرت عن غضبها من سياسات الحزب الحاكم في صناديق الاقتراع، يظهر بأن المعارضة عازمة على تلقين الرئيس التركي الدرس مرة أخرى، عبر حشد واسع من الأحزاب وحافز أقوى للتصويت من جانب المواطنين المستفزين من الممارسات غير الديمقراطية.

كما اعتبرت زعيمة حزب الخير، ميرال أكشينار، قرار إعادة الانتخابات انقلابا مدنيا ضد الديمقراطية، بينما أعلنت عدة أحزاب تركية معارضة دعمها لإمام أوغلوا في الجولة الثانية، ليشهد بذلك أردوغان تشكيل حلف أوسع مناوئ له قد يتعدى الصندوق الانتخابي ويستفيد من الشارع الغاضب لخلق حركة شعبية ضد سياساته.

وتعتبر المرة الأولى التي يطلب فيها حزب العدالة والتنمية إلغاء نتيجة اقتراع منذ وصوله إلى الحكم في 2002. وغالبا ما يؤكد إردوغان المعروف بأنه لا يهزم في الانتخابات، أن شرعيته من الشعب.

وقد نقلت صحيفة أحوال التركية عن بيرك إسين الأستاذ في جامعة بيلكنت في أنقرة ما قاله عن إلغاء نتائج انتخابات بلدية إسطنبول قضت على ما تبقى من شرعية النظام الانتخابي التركي.

كما أشار إلى أن مصداقية الانتخابات قد تزعزعت بعد إبعاد العشرات من رؤساء البلديات الأكراد في جنوب شرق البلاد بعد الانقلاب الفاشل عام 2016.

ومن جانبه، اعتبر المحلل في صحيفة هآرتس لويس فيشمان بأن إلغاء انتخابات إسطنبول هو في الواقع سيناريو أسوأ حالة لأردوغان وحزب العدالة والتنمية.

وقال أيضا بأن أردوغان وحزب العدالة والتنمية هم الذين استدعوا هذه المعركة المشؤومة الشاقة إلى أنفسهم.

وبدلا من أن يصرف العفريت الاقتصادي الذي أسدل الستار في عام 2018 على المعجزة الاقتصادية لتتحول إلى لعنة لا تزال تطارد الحزب الحاكم جراء سياسات اقتصادية أودت بالعملة المحلية في غياهب المجهول، أدى قرار اللجنة إلى تدهور جديد في سعر الليرة.

حيث بلغ سعر الليرة 6.1467 أمام الدولار، وشهدت السندات والأسهم أيضا موجة بيع كبيرة مع تشكك مستثمرين في التزام تركيا بسيادة القانون والإصلاحات الاقتصادية خلال فترة ركود.

بينما تجاهل أردوغان مخاوف المستثمرين وقال لنواب حزب العدالة والتنمية يوم الثلاثاء إن قرار لجنة الانتخابات خطوة مهمة لتعزيز ديمقراطيتنا.

ويعلم كل من أردوغان وأعضاء حكومته بأن الاقتصاد كان المحرك الرئيسي في تغيير قناعة الناخبين في إسطنبول، إضافة إلى السياسات القمعية التي لا يمكن فصل تأثيرها عن الأسواق، لكن ذلك لم يكن كافيا لردع الرئيس عن التدخل في المسار الديمقراطي.

وإلى جانب النقاط الخاسرة التي بدأت تتسرب من بين يدي الرئيس التركي، رفض الموقف الدولي إعادة الانتخابات.

وقد ذكر متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نتوقع عندما تجرى عملية انتخابية حرة ونزيهة وشفافة، أن يتم احترامها من قبل جميع الأطراف، حتى يتم الاعتراف بإرادة الناخبين عبر النتائج.

وقال مفوض الاتحاد الأوروبي لشؤون الدول المرشحة لعضوية التكتل، يوهانس هان، بأنه يتعين على المجلس الأعلى للانتخابات في تركيا عرض حيثيات قراره أمام الرأي العام.

كما أعلن هان في بيان مشترك مع فيديريكا موغريني، الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، بأن القرار قد اُتخذ في سياق مسيس للغاية.

ومن جانبه، اعتبر وزير الخارجية الألماني هايكو ماس يوم الثلاثاء بأن قرار إعادة إجراء انتخابات غير شفاف وغير مفهوم، وقد ندد بـجريمة منظمة ترتكب حاليا بحق الديمقراطية.

وتبين هذه الردود الدولية بجانب رأي الليرة والأسهم الحمراء في البورصة، والغضب الشعبي أن الالتفاف على قواعد اللعبة الديمقراطية لن يعيد ما فقده في مارس.

Exit mobile version