هل تمنع واشنطن الحرب في اليمن «بالخضوع للابتزاز الحوثي»؟
تغامر الأمم المتحدة على ما يرى مراقبون بالخضوع للابتزاز الحوثي في مسعاها لتجنب انزلاق الوضع الهش في اليمن لهاوية الحرب.
فمشهد وقف الأمم المتحدة لمعركة الحديدة، الذي استغله الحوثيون لخدمة أجندتهم، يعود مجددا، وهذه المرة من بوابة وقف سياسة الحزم الاقتصادي الرامية لاستعادة النظام المصرفي وعزل الحوثي وتجفيف مصادر تمويلاته.
حوار اقتصادي
ووجهت الأمم المتحدة عبر مبعوثها إلى اليمن، هانس غروندبرغ، رسالة إلى رئيس مجلس القيادة الرئاسي، ومحافظ البنك المركزي اليمني في عدن، لثنيه عن المضي في تنفيذ قرارات نقل البنوك التجارية من صنعاء إلى عدن خشية من تفجير مليشيات الحوثي للحرب.
الرسالة الأممية الذي فسرها ناشطون ومسؤولون يمنيون إنها “ضغط لمنع الحوثي من جر البلاد للحرب”، حثت المجلس الرئاسي على تأجيل تنفيذ قرارات البنك المركزي ضد البنوك الستة المخالفة إلى نهاية شهر أغسطس/ آب 2024، داعيا لحوار بين الحكومة والحوثي في الملف الاقتصادي.
وجاء في الخطاب “أكتب إليك خطابي هذا بأعلى درجات الاستعجال والقلق بشأن القرار الذي اتخذه البنك المركزي اليمني مؤخراً رقم 30 لعام 2024 الذي يقضي بتعليق تراخيص 6 بنوك وما تبعه من تواصل مع البنوك المراسلة ونظام سويفت، والذي سيفضي إلى وقف وصول تلك البنوك إلى البنوك المراسلة ونظام سويفت”.
وفيما اعترف المبعوث بما سماه “المظالم الاقتصادية التي تحملتها الحكومة الشرعية منذ وقت طويل أكثرها ظهوراً وقف صادرات النفط الخام”، اعتبر أن “القرارات الصادرة مؤخراً بشأن البنوك قد تؤدي إلى خطر التصعيد الذي قد يتسع مداه إلى المجال العسكري” مشيرا إلى التداعيات الإنسانية المترتبة عن هذه القرارات.
وطالب المبعوث البنك المركزي في عدن والمجلس الرئاسي، بتأجيل تنفيذ القرارات وإبلاغ “جميع البنوك المرسلة ونظام سويفت وتوجيهها بتأجيل أي إجراءات قد يكون لها تأثير سلبي في هذه البنوك الستة”.
ودعا المبعوث، الأطراف اليمنية إلى “البدء بحوار تحت رعاية الأمم المتحدة لمناقشة التطورات الاقتصادية بهدف حلها بما يصب في مصلحة جميع اليمنيين”، مؤكدا أن مكتبه سوف يرسل للمتحاورين المعنيين تفاصيل أكثر حول هذا الحوار بما فيها جدول الأعمال.
وجاء تدخل المبعوث بعد بدء استجابة جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك “سويفت SWIFT” لقرارات البنك المركزي اليمني في عدن، وإبلاغ البنوك في مناطق الحوثي بقطع النظام عنها استجابة لطلب عدن.
وأكدت مصادر مصرفية أن “عددا من البنوك بما فيها بنك اليمن الدولي بصنعاء تلقى أخطارا عبر البريد الإلكتروني من الجمعية العالمية تبلغها بسحب نظام سويفت عنها لمخالفته تعليمات مركزي عدن”.
اشتراطات رئاسية
وللوقوف أمام هذه التطورات، عقد مجلس القيادة الرئاسي اجتماعاً طارئاً، اليوم الجمعة، لبحث الدعوة الأممية والإصلاحات الاقتصادية، والمصرفية، والتهديدات الحوثية الإرهابية بإعادة المشهد إلى مربع الحرب الشاملة.
وذكرت وكالة سبأ الرسمية، أن اجتماع رئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي اطلع على الرسالة الأممية التي تضمنت طلب دعم “إطلاق حوار برعاية الأمم المتحدة لمناقشة التطورات الاقتصادية الأخيرة، وسبل حلها بما يخدم المصلحة العليا للشعب اليمني”.
ووضع المجلس الرئاسي، اشتراطات للمشاركة في أي حوار حول الملف الاقتصادي، منها التمسك بجدول أعمال واضح يتضمن “استئناف تصدير النفط، وتوحيد العملة الوطنية، وإلغاء الحوثي لكافة الإجراءات التعسفية بحق القطاع المصرفي، ومجتمع المال والأعمال”.
وأشار المجلس الرئاسي في هذا السياق إلى “الإصلاحات التي تقودها الحكومة اليمنية والبنك المركزي في عدن من أجل تحسين الظروف المعيشية، واحتواء تدهور العملة الوطنية، وحماية النظام المصرفي، وتعزيز الرقابة على البنوك وتعاملاتها الخارجية، والاستجابة المثلى لمعايير الإفصاح والامتثال لمتطلبات مكافحة غسل الأموال، وتمويل الإرهاب”.
وأكد أن المجلس الرئاسي ماضٍ في “ردع الممارسات التعسفية للمليشيات الحوثية، مع انتهاج أقصى درجات المرونة، والانفتاح على مناقشة أي مقترحات من شأنها تعزيز استقلالية القطاع المصرفي، والمركز القانوني للدولة في العاصمة المؤقتة عدن”.
كما وقف مجلس القيادة الرئاسي أمام “التهديدات الإرهابية للمليشيات الحوثية (…)، باستئناف التصعيد العسكري وإعادة الأوضاع إلى مربع الحرب الشاملة، دون اكتراث للمعاناة الإنسانية التي تسبب بها وطال أمدها”.
ودعا المجلس الرئاسي، المليشيات الحوثية إلى “عدم الهروب من الضغوط الداخلية والشعبية، وألوياتها المعيشية، نحو التلويح بمغامرات كارثية، واستمرار المزايدة بأوجاع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، بعد أن أثبت هذا النهج الدعائي زيفه، وفشله على مدار السنوات الماضية، في تغيير قناعات الشعب اليمني، والمواقف الإقليمية، والدولية”.
وحذر المجلس الرئاسي، مليشيات الحوثي من العودة إلى خيار التصعيد الشامل، الذي من شأنه مضاعفة المعاناة وتدمير ما تبقى من مقومات الحياة، ومصادر العيش الشحيحة للشعب اليمني، والتفريط بالمساعي الحميدة التي يقودها الأشقاء في السعودية، وعمان لإنهاء الحرب واستعادة مسار السلام، والاستقرار والتنمية”.
وأكد المجلس الرئاسي في الوقت نفسه، جاهزية القوات المسلحة بكافة تشكيلاتها العسكرية لردع أي مغامرة عدائية لمليشيات الحوثي على كافة المستويات.
غضب يمني
وأشعلت الضغوط الأممية على مجلس القيادة الرئاسي والبنك المركزي اليمني في عدن غضبا واسعا لدى الأوساط اليمنية، واعتبرها ناشطون يمنيون، خطوة جديدة لـ”خضوع المؤسسة الدولية لابتزاز الحوثيين”.
وقال نشطاء، إن الدعوة تعيد إلى المشهد ضغط الأمم المتحدة أواخر 2018 لوقف معركة الحديدة والدعوة لحوار بين الحكومة والحوثيين وهو ما أفضى لتوقيع اتفاق ستوكهولم الذي رفض الانقلابيون تنفيذه لاحقا واستغلوه لشرعنة سيطرتهم على ساحل البحر الأحمر وهو ما ترتب عليه هجمات ضد السفن مؤخرا.
كما انتقد الناشطون عدم تحرك المبعوث الأممي عند قصف الحوثي موانئ تصدير النفط وحرمان الحكومة من أهم مواردها فضلا عن عدم ممارسة أي ضغوط على المليشيات بعد فرضها انقسام نقدي واقتصادي خطير، وتداول عملة مزورة، ونهب المساعدات والموارد ورفضها دفع المرتبات بموجب اتفاق ستوكهولم.
كذلك انتقد النشطاء تخلي غروندبرغ عن موظفي الأمم المتحدة والبعثات الدبلوماسية الذين اعتقلتهم مليشيات الحوثي مؤخرا كورقة ضغط لمساومة العالم وفرض اشتراطاتها بما في ذلك في الملف الاقتصادي.
وأشار النشطاء إلى أن الاستجابة الأممية لتهديدات الحوثي تكشف “جهلا فاضحا بأساليب ومراوغات هذه المليشيات التي تلجأ للتهديدات عند شعورها بالضعف أمام الخطوات الجادة لاستعادة مؤسسات الدولة من قبضتها مع إدراكها قدرة المجلس الرئاسي لردعها”.
وحث النشطاء، “الحكومة اليمنية والمجلس الرئاسي والبنك المركزي في عدن على المضي في سياسة الحزم الاقتصادي وأن أي تراجع عن هذه الخطوات المدعومة شعبيا ودوليا يعد ضربة كبيرة للإرادة الجماعية محليا ودوليا وتفويت فرصة ذهبية من شأنها عزل هذه المليشيات وتجفيف مصادر تمويلاتها على خطى إنهاء انقلابها الدموي”.
وكان البنك المركزي اليمني قد وجه البنوك في مناطق الحوثي بما فيه البنوك الكبرى الستة وطالبها بالانتقال إلى عدن أو ستكون عرضة للعقوبات بعد انتهاء مهلة الشهرين، وذلك ضمن مساعيه لانتشال القطاع المصرفي ومواجهة ممارسات المليشيات بحق الاقتصاد الوطني.
ورفض الحوثيون السماح للبنوك خلال تلك المدة بالانتقال بما فيه بنك التضامن، بنك اليمن، والكويت، وبنك اليمن والبحرين الشامل، وبنك الأمل للتمويل الأصغر، وبنك الكريمي للتمويل الأصغر الإسلامي.