سياسة
نحن من هزمنا الحوثي و دحرناه من باب المندب إلى السويد
الحديدة استوكهلم والعودة..!
ان تفاوت تقديم تفسيرات النصر وحقائق الانتصار، وواقع هزيمة العدو تظل محل جدل وتجاذب بين مختلف الأطراف والمحللين السياسيين الكُثر، وفي معظمهم يكونون بعيدين عن تقديم قراءة استراتيجية منهجية تستوفي تقدير موقف الحرب بمختلف الأسلحة في ميدان المعركة وفي ميدان السياسية والتفاوض أيضاً.
لا يستطيع عاقل متجرد فصل تأثيرات ذلك، وهي حقيقة ملموسه، فان ما تحققه على ارض الميدان بالروح والدم وتضحيات الرجال والتخطيط العسكري الاستراتيجي وتحالفات قوى السياسة وتقاطع المصالح المشتركة، هي دلالات قدرة عالية ومهنية تكتيكية محترفة في التخطيط والتنفيذ، واللعب بالأوراق المتاحة وبتسخير تلك غير المتاحة في ميدان المعركة الكبير والشامل، وهي أيضا قدرة غاية في الدهاء عبر تحريك بيادق وقطع رقعة الشطرنج الذهنية، وعكس ذلك في الميدان، من خلال الأدوات العسكرية والسياسية.
كل ذلك عبر خلاصة قراءات الضغوط الدولية وواقع المعارك العسكرية المتاح من التحالفات التي تمكنك من تحقيق النصر والتمكين. تتجاوز بها أي عوائق وتحقق عبرها القوة والنصر، بل وتمكنك من إعادة ترتيب ميدان السياسة وإدارة مشهد الاعلام والتأثير في بيانات الساسة وخارجيات الدول.
إن هذا التمهيد في الواقع هو رغبة لتقديم رؤية تفسيرية لتأثيرات “حرب الحزم والعزم” التي تداخلت وتقاطعت فيها مستجدات ومتغيرات حاسمه وخطيرة، منها ما كان ضمن أولويات التخطيط ومنها ما تجاوز ذلك، وبات مفاجئة تطلبت حكمة في ترتيب صفوف معركة السلاح والسياسة والاعلام على حداً سواء.
بات التحول الحاصل والنتائج المحققة في أسبوع تشاورات الوفد الحكومي للشرعية اليمنية ووفد الحوثي في السويد حول المشهد اليمني بأبعاده المختلفة، متغيراً جديداً واعترافاً بواقع مختلف، يتجاوز المزايدات الفجة والضغوط الدولية التي خلطت مصالحها البرجماتية بأزمات إنسانية حقيقة خلقت لدينا مسرح سياسة تفوقت فيها بجلاء واضح وكبير تلك القوى التي خلقت واقعاً مختلفاً في الميدان، صنعت بأيدي رجال المقاومة نصراً ملموساً وحقيقياً، وتقدم لا تغفله العين، اعترف به العدو قبل الصديق في معركة تم اختيارها بدقة كبيرة، وتم إدارة تخطيطها وأدواتها باستراتيجية غاية في الاحتراف تجلت في مهنية الحرب والسياسة.
ان حرب الساحل الغربي على امتداد محافظة الحديدة اليمنية على مدى أكثر من عام، مثلت المتغير الحاسم الذي حقق تقدم مدروس ونصر لا تراجع ولا استسلام فيه او هدنه تشوبه، كان السيف الأول والقاطع على رقبة مليشيا الحوثي والذي أدركت ان ما بعده سيختلف عما قبله، أخضعها وأذلها، وفرض عليها بشكل أو بأخر إعلان عدم شريعتها، وانسحابها، والقبول بما كانت تصفه ترفضه وتعتبره خيانة، وهو مضمون حقيقي لاستسلامها بالحرب والسياسة. ودلالات خسارة بينه، حتى في ظل تفاوت هذا او تفسيره برؤى مختلفة منحازة او مضلله.
وهنا تتجلى القراءة المتقدمة لقوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية وإدارة ميدانية بمتابعة واشراف لدولة الامارات العربية المتحدة لكل التفاصيل، وفي مقدمة ذلك الاختيار الذكي والاستراتيجي للقوات التي أدارة حرب المقاومة على امتداد الساحل الغربي، بإدارة استراتيجية للمواقع التي تم تحريرها على امتداد السهل التهامي بين الساحل الطويل والمديريات الممتدة شرقاً وشمالاً، وبين المواقع الاستراتيجية والنقاط غير القابلة للتراجع، بين التحرير وإعادة تهيئة المناطق وتقديم المساعدات والخدمات والامدادات الطبية والغذائية والإنسانية، وهي منظومة للإدارة النوعية، التي من الطبيعي ان يشوبها قصور او ملاحظات. وهذا يضيق لها ولا ينقصها.
الشاهد الأهم والذي بات حقيقة، انه ما كان لأحد ان يصل الى “رنبو” المقاطعة السويدية القريبة من “ستوكهولم” العاصمة، لولا الواقع الجديد الذي فرضته المقاومة اليمنية الشرعية من قوات العمالقة وحراس الجمهورية والنخبة التهامية، الحقيقة انه ما كان للأمم المتحدة ومؤسساتها الدولية المختلفة ان تدرك حجم الكارثة الإنسانية والمدنية والبشرية لولا نصر المقاومة الملموس والحقيقي، الواقع انه ما كان لوزارات الخارجية الغربية ان تصدح بالتصريحات الرنانة لوضع الحديدة والأوضاع الإنسانية بشكل عام لولا النصر الذي تحقق على الأرض والهزيمة التي تجرعتها مليشيا الحوثي، وبات يعيشها اليمنيين من أبناء تهامة والحديدة وغيرهم. بل وشعر بخطورتها الأطراف المستفيدة.
ولنتأمل فقط ! أليست هذه الحديدة التي تستنزف مليشيا الحوثي مواردها واموالها وبشرها منذ أربعة أعوام، أليست هذه الحديدة التي عاثت مليشيا الحوثي بفسادها السلالي وعبثها المالي وأرهابها الإنساني منذ 2014، أليس ميناء الحديدة هذا الذي تسخر مليشيا الحوثي إيراداته وموارده لصالح مجهودها الحربي وتفرض أتاواها المجحفة، وضرائبها الخانقة على التجار والشركات، أليست هذه المناطق التي تُنهب وتُسرق فيها ومنها المساعدات الإنسانية لبيعها وتسخيرها لعناصرها، بل تستخدمه لتهديد الملاحة الدولية في منطقة باب المندب والبحر الأحمر.
وهنا يكمن السؤال الكبير لماذا هذا التعاطف المتأخر لإنقاذ الحديدة واليمن وخصوصا المناطق الخاضعة لسيطرة المليشيا، الإجابة بكل تأكيد هي المقاومة التي أضجعت استقرار الحوثي وعناصره، والرجال الاشاوس الذين عاهدوا الله بنوايا مخلصه، هذا السبب الرئيس وراء هرولة عناصر مليشيا الحوثي للقبول بالذهاب للسويد والتوقيع، وادعاء نصر زائف، وهم يخسرون كل يوم من الأرض التي تحتهم او يفقدون ويحرقون عناصرهم الموالية في محاقر متعمده يزجون بهم بخنوع كبير ليس له تفسير سوى تداعيات الجهل والفقر.
ان ما تمخض عنه مشاورات السويد من نتائج بات فرضاً على الأمم المتحدة تنفيذها، ومتابعة انسحاب الحوثي من المواقع التي مازال يسيطر عليها ويسخرها لصالحه، ان فرض الممرات الآمنة لإيصال المساعدات هو الاختبار الحقيقي لإدارة الأمم المتحدة لشؤون ما تم الاتفاق عليه لإشرافها، وهو ما ستبته الأيام ان الحوثي مليشيا لا تلتزم باتفاقاتها.
مالم فالمقاومة التي فرضت الواقع الجديد، قادرة على فرض وقائع أخرى أكثر حسماً وابلغ في العزم والنصر وتغيير المعادلات بالاتجاهات المخطط لها في طريق تأمين النصر وهزيمة المشروع الإيراني في اليمن. والله المستعان.