“نبع الدم”.. آن أوان حل معادلة أردوغان الإجرامية
أعتقد جازماً أن شركات الأسلحة العالمية، التي تزداد مبيعاتها ومن ثم أرباحها، لها دورها كذلك في إحداث الفوضى بمنطقة الشرق الأوسط، من خلال السيطرة على واحدة من أكثر الأماكن غنىً بالبترول والأراضي الزراعية الخصبة، عبر الاستفادة من حقد نظام أعماه البكاء على أطلاله الغابرة، مفرغاً هذا الحقد على شعب قدم آلاف الضحايا لتخليص العالم أجمع من أبشع التنظيمات الإرهابية، وحافظ بذلك على الأمن الدولي.
لا أتحدث هنا بالألغاز، فالقاصي والداني يعلم أن تركيا برئاسة رجب طيب أردوغان تمتلك حقداً دفيناً على كل من يحمل القومية الكردية في العالم، والذين يتجاوز عددهم 45 مليون نسمة، وهو الذي يخوض حرباً ضدهم منذ أن كان رئيساً للوزراء في عهدي الرئيسين أحمد نجدت سيزار وعبدالله غول، على الرغم من أنه حاول استرضاء أكراد تركيا ببعض الحقوق الثقافية الخجولة، إلا أنه سرعان ما اعتقل أبرز القادة الأكراد رغم حصانتهم البرلمانية، كصلاح الدين دميرتاش زعيم حزب الشعوب الديمقراطي الكردي.
اليوم يدخل جيش أردوغان منطقة شمال شرق سوريا، التي تديرها الإدارة الذاتية المكونة من كافة الفصائل السورية، كرد وعرب وأرمن وشركس وسريان وتركمان وغيرهم، في نموذج فريد من الإدارات قلّ نظيرها في سوريا غير المستقرة، ولكن من العبث البحث عن أسباب هذا الغزو العسكري لهذه المنطقة، سواء أكان بحجة حماية الأمن القومي التركي عبر محاربة قوات سوريا الديمقراطية، التي يشكل الأكراد عمودها الفقري ما يزعج أردوغان، أم بحجة إقامة منطقة آمنة بطول 500 كم وعمق 30 كم، عبر اقتطاع كل المساحة الشاسعة الغنية وضمها إلى دولته مثلما فعل في عفرين مؤخراً بعملية أطلق عليها “غصن الزيتون”، وبذلك أسكن النازحين السوريين من مناطق أخرى كالغوطة الشرقية وحرستا وإدلب في منازل مواطنيهم من أهالي عفرين عنوة، ما شكل شرخاً بين شرائح المجتمع السوري.
الآن.. يطلق السلطان العثماني على عمليته اسم “نبع السلام”، في خطوة ستتحول إلى نبع الدم، باستهداف كافة الشرائح السورية، في ظل صمت مريب للنظام السوري، وكأن هذه الأرض ليست له، وفي وقت وقف العالم أجمع في وجه هذا الاحتلال الغاشم، ولكن دون قرارات جدية إلى الآن، رغم نزوح أكثر من 200 ألف شخص من منازلهم في مدينتي سري كانيه “رأس العين” وكري سبي “تل أبيض” وغيرهما، فضلاً عن عشرات القتلى والجرحى.
قبل نحو 4 أشهر كنتُ في مهمة صحفية إلى منطقة شمال شرق سوريا لإعداد تقارير عن الوضع الأمني والتدخل التركي في المنطقة وكشف علاقة داعش بالنظام التركي.. والآن بالعودة إلى هذا الملف الذي أطلقنا عليه سلسلة “الرقة.. أرض الرعب”، وبعد لقاء الأهالي ولا سيما في القرى الكائنة على الحدود السورية التركية تشكلت قناعة لديّ بأن حزب العدالة والتنمية كان له الدور الأبرز في دخول عناصر تنظيم داعش الإرهابي إلى سوريا، من خلال شهادات “أمراء” من التنظيم لـ”العين الإخبارية”، الذين قدموا وثائق عن الدور التركي في إنماء التنظيم، فضلاً عن شهادات الأهالي وواقعهم المرّ جراء اعتداء الجندرما التركية عليهم.
والآن بعد كل هذه المدة كشّر هذا العدو القديم عن أنيابه التي استعد لها منذ فترة طويلة، ولكن لا حياة لمن تنادي، في ظل كثرة النزوح وبروز المئات من الحالات الإنسانية في المنطقة التي لم تهنأ إلا بالقليل من الراحة.
إن عقدة الكردي لدى أردوغان تتسع يوماً بعد يوم، وهو يعبر عن فزعه منهم بحربه الشرسة مستخدماً الطائرات الحربية وكافة الأسلحة المتطورة، بعدما استغل انسحاب الجنود الأمريكيين من مواقعهم لإفساح المجال لأردوغان للتوغل برياً، لكن ما يُحسب لقوات “قسد” براعتها في حرب الشوارع ومعنوياتها العالية التي ترصدها وكالات الأنباء العالمية، فلا حل لديهم سوى المقاومة.
خلاصة القول: عملية “نبع السلام” ما هي إلا ورطة جديدة للرئيس التركي، الذي فقد شعبيته من نسبة 38% إلى27% وفقاً لشركة “قوندا” التركية لاستطلاعات الرأي والدراسات، وكارثة وجريمة إنسانية أخرى، لكنها لن تحقق المطامع التوسعية لأردوغان الذي يظن نفسه يقاتل الصليبيين في العصور الوسطى عبر معادلة من الضحك على مواليه وإغرائهم بـ”الجنة الموعودة” التي لن تتحقق إلا بقتل الكردي والعربي والسوري.. إنه الأب الروحي للإرهاب!
نقلا عن العين الإخبارية