مونديال قطر ..مونديال استعراض للتوترات السياسية
انسلخ المونديال الذي يقام لأول مرة في الشرق الأوسط إلى استعراض للتوترات السياسية
انسلخت بطولة لكأس العالم لكرة القدم التي تقام لأول مرة في الشرق الأوسط إلى استعراض للتوترات السياسية التي تجتاح واحدة من أكثر مناطق العالم تقلبا.
إضافة للدور الغامض الذي غالبا ما تلعبه الدولة المضيفة، قطر، في أزمات الشرق الأوسط.
وأكثر هذه الفعاليات المشحونة سياسيا هي المباريات التي تنافس فيها إيران، إذ يعبر المشجعون عن دعمهم للمتظاهرين الذين يتحدون بجرأة القيادة الدينية في الجمهورية الإسلامية. في الوقت الذي يبدون فيه حساسية تجاه قطر التي تربطها علاقات جيدة بطهران.
وقد امتدت مشاعر التعاطف مع الفلسطينيين بين المشجعين لتصل إلى الملاعب مع منافسة أربعة فرق عربية في البطولة. وارتدى اللاعبون القطريون شارات ذراع مؤيدة للفلسطينيين، حتى مع سماح قطر للمشجعين الإسرائيليين بالقدوم في رحلات جوية مباشرة لأول مرة.
وقد شارك أمير قطر بنفسه في التصرفات ذات الدلالات السياسية، إذ اتشح بالعلم السعودي خلال المباراة التي حقق فيها الفريق السعودي فوزا تاريخيا على نظيره الأرجنتيني. في تشجيع ملحوظ لبلد يتعاون معه لإصلاح العلاقات التي تضررت بسبب التوترات الإقليمية.
وزادت مثل هذه الإيماءات من الأبعاد السياسية لبطولة غارقة في الجدل حتى من قبل انطلاقها بسبب قضايا معاملة العمال المهاجرين وحقوق مجتمع الميم في الدولة المضيفة المحافظة التي تجرم المثلية.
وتزداد الرهانات بالنسبة لقطر، إذ تأمل في أن يؤدي مرور البطولة بسلاسة إلى تعزيز دورها على الساحة العالمية وفي منطقة الشرق الأوسط. التي حافظت على وضعها بها كدولة مستقلة منذ عام 1971 على الرغم من الاضطرابات الإقليمية الكثيرة.
وبدت قطر في كثير من الأحيان وكأنها دولة مختلفة عن باقي المنطقة، إذ تستضيف حركة المقاومة الإسلامية ‘حماس’. رغم أنها أقامت في السابق أيضا بعض العلاقات التجارية مع إسرائيل.
ووفرت الدوحة منصة للمعارضين الإسلاميين الذين اعتبرتهم السعودية وحلفاؤها تهديدا، في الوقت الذي تمد فيه علاقات الصداقة مع إيران عدو الرياض وتستضيف أكبر قاعدة عسكرية أميركية في المنطقة.
انعكست التوترات في إيران التي تجتاحها احتجاجات منذ أكثر من شهرين إثر وفاة مهسا أميني (22 عاما) في الحجز لدى شرطة الأخلاق، داخل الملاعب وخارجها. وكانت الشرطة احتجزت أميني بتهمة ارتداء ملابس غير لائقة.
وقال المشجع الإيراني الذي يحمل الجنسية الامريكية شايان خسرواني (30 عاما) والذي كان ينوي زيارة العائلة في إيران بعد حضور كأس العالم في قطر ولكنه ألغى الخطة بسبب الاحتجاجات “أردنا حضور كأس العالم لدعم الشعب الإيراني لأننا نعلم أنها فرصة رائعة للتحدث نيابة عنهم”.
ومع ذلك يقول البعض إن أمن الملاعب منعهم من إظهار دعمهم للاحتجاجات. وفي مباراة إيران في 25 نوفمبر أمام ويلز، منع الأمن دخول جماهير تحمل علم إيران السابق للثورة الإسلامية وترتدي قمصانا مكتوب عليها شعار الاحتجاجات “المرأة، الحياة، الحرية” واسم “مهسا أميني”.
وساد توتر خارج الملعب بعد المباراة، بين معارضي الحكومة الإيرانية وأنصارها. وقال اثنان من المشجعين دخلا في جدال كل على حده مع أمن الاستاد بسبب المنع من الدخول في تعليقات لرويترز إنهما يعتقدان أن هذه السياسة سببها علاقات قطر مع إيران.
وقال مسؤول قطري إنه تم فرض إجراءات أمنية إضافية للمباريات التي تشارك فيها إيران في أعقاب التوترات السياسية الأخيرة في البلاد.
وردا على سؤال حول المواد التي تمت مصادرتها أو المشجعين الذين تم احتجازهم، طلب متحدث باسم اللجنة المنظمة للبطولة من رويترز الرجوع إلى قواعد الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) وقائمة المواد المحظورة التي وضعتها قطر. وتشمل العناصر المحظورة المواد التي تحتوي على “رسائل سياسية أو مسيئة أو تمييزية”.
كما دار جدل حول الفريق الإيراني الذي أظهر الدعم للاحتجاجات في مباراته الأولى بالامتناع عن ترديد النشيد الوطني، ليعود ويردده في مباراته الثانية حتى ولو بهدوء.
وقال كمرس أحمد (30 عاما) وهو محام من لوس أنجلس، إن المشجعين الإيرانيين يعانون من “صراع داخلي … هل تشجع إيران؟ هل تدعم النظام والطريقة التي يتم إسكات الاحتجاجات بها؟”.
وقبل مباراة حاسمة بين الولايات المتحدة وإيران غدا الثلاثاء، عرض الاتحاد الأميركي لكرة القدم مؤقتا العلم الوطني الإيراني عبر مواقع التواصل الاجتماعي بدون شعار الجمهورية الإسلامية تضامنا مع المحتجين في إيران.
وزادت المباراة من أهمية البطولة بالنسبة لطهران، إذ أن الحكومة الدينية طالما اعتبرت واشنطن “الشيطان الأكبر” واتهمتها بإثارة الاضطرابات الحالية.
وفي غضون ذلك، ظهرت الأعلام الفلسطينية بانتظام في الملاعب ومناطق المشجعين ونفدت في المتاجر على الرغم من أن المنتخب الفلسطيني لكرة القدم لم يتأهل.
ورفع المشجعون التونسيون في مباراة بلادهم يوم 26 نوفمبر أمام أستراليا لافتة ضخمة تحمل عبارة “فلسطين حرة”. في خطوة لم يبد أنها استدعت تحرك المنظمين. وتجنب المشجعون العرب الصحفيين الإسرائيليين الذين يغطون البطولة في قطر.
وقال عمر بركات وهو مدرب لكرة القدم في المنتخب الفلسطيني جاء إلى الدوحة لحضور كأس العالم، إنه لم يتم توقيفه عندما حمل علمه في المباريات، مضيفا أن هذا “بيان سياسي نحن فخورون به”.
وبينما ظهرت التوترات في بعض المباريات، أتاحت البطولة أيضا فرصة لبعض المساعي التصالحية الواضحة، إذ وضع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني العلم السعودي حول رقبته في مباراة الأرجنتين في 22 نوفمبر.
وظلت علاقات قطر مع السعودية والإمارات والبحرين ومصر مجمدة لسنوات بسبب سياسات الدوحة الإقليمية. بما في ذلك دعم الجماعات الإسلامية خلال انتفاضات الربيع العربي التي بدأت عام 2011.
وفي مسعى آخر للمصالحة بين الدول التي هز الربيع العربي علاقاتها، صافح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نظيره المصري عبدالفتاح السيسي في حفل الافتتاح في الدوحة يوم 20 نوفمبر.
وقال كريستيان كوتس أولريشن أستاذ العلوم السياسية في معهد بيكر بجامعة رايس في الولايات المتحدة، إن الفترة التي سبقت البطولة كانت “معقدة بسبب التنافسات الجيوسياسية على مدى عقد في أعقاب الربيع العربي”.
وأضاف أنه يتعين على السلطات القطرية أن “تمضى في توازن دقيق” في ما يتعلق بالشؤون الإيرانية والفلسطينية. موضحا مع ذلك أن البطولة “تضع قطر مرة أخرى في قلب الدبلوماسية الإقليمية”.