مجتمع

متلازمة كوتار.. اضطراب نادر يدفعك للاعتقاد بأنك لم تعد حياً


تخيل أن تستيقظ ذات صباح وأنت مقتنع بأن جسدك لم يعد حيا، وأن قلبك قد توقف، ودمك لم يعد يتدفق، وأنك لست سوى جثة تجوب العالم.

 بالنسبة لمن يعانون من متلازمة الجثة السائرة، والمعروفة أيضًا باسم وهم كوتارد، فهذه الأعراض هي واقعهم اليومي المرعب.
وسميت متلازمة الجثة السائرة على اسم طبيب الأعصاب الفرنسي جول كوتارد في القرن التاسع عشر، وهو أول من وصف هذه المتلازمة، وهي حالة عصبية نفسية نادرة وخطيرة، حيث يعتقد الأفراد وهميا أنهم أموات، أو غير موجودين، أو فقدوا أعضاءهم الداخلية أو دمهم، وقد يبدو الأمر أشبه بفيلم رعب، إلا أن هذه الحالة معروفة طبيا ومُنهكة للغاية.
متلازمة الجثة السائرة حالة عصبية نادرة يتوهم معها الشخص أنه صار ميتا
وتشرح كاتالينا ووكر، الباحثة في الطب النفسي بكلية الطب بجامعة ييل الأعراض قائلة “لا يقتصر الأمر على الشعور بالاكتئاب أو الانفصال عن الواقع فحسب، وغالبا ما يرفض مرضى وهم كوتارد الطعام والنظافة الشخصية، بل وحتى الرعاية الطبية، لأنهم يعتقدون أن أجسادهم لم تعد تعمل أو أن إنقاذهم مستحيل، ويصبح عقلهم سجنا، يعزلهم عن الواقع”.

عندما يفشل الدماغ

وعلى الرغم من أن السبب الدقيق له لا يزال غير مفهوم تماما، إلا أن وهم كوتارد غالبا ما يرتبط بالاكتئاب الحاد، أو الفصام، أو التلف العصبي مثل الذي تسببه إصابات الرأس، أو الصرع، أو السكتة الدماغية. تشير دراسات تصوير الدماغ إلى أنه قد ينتج عن اضطرابات في مناطق الدماغ المسؤولة عن التعرف على الذات والمعالجة العاطفية.
وفي بعض الحالات الموثقة، وصل الأمر بالمرضى إلى طلب دفنهم أو نقلهم إلى المشرحة، وحاول بعضهم الانتحار معتقدين أنهم ماتوا بالفعل، وغالبا ما تصاحب هذه الحالة مشاعر شديدة من العدمية واليأس.
متلازمة الجثة السائرة حالة عصبية نادرة يتوهم معها الشخص أنه صار ميتا

نادر ولكنه قابل للعلاج

على الرغم من مظهره المرعب، فإن وهم كوتارد قابل للعلاج، وقد أثبت مزيج من الأدوية المضادة للذهان ومضادات الاكتئاب والعلاج بالصدمات الكهربائية نجاحا في مساعدة المرضى على استعادة إحساسهم بذواتهم وواقعهم.
ونقلت ووكر عن أحد المرضى المتعافين، وصفه لتجربة الإصابة بالمرض التجربة قائلة “لقد أخبرني أنه كان محاصرا في نسخة شبحية من نفسه، ولم يكن يشعر بأي شيء حتى إحساس الجوع، وكان يعتقد أنه مات بالفعل”.
متلازمة الجثة السائرة حالة عصبية نادرة يتوهم معها الشخص أنه صار ميتا

التوعية والتعاطف

ونظرا لندرته، فإن العديد من حالات وهم كوتارد تُشخص خطأً أو تمر دون أن تُلاحظ حتى تحدث أزمة، ويؤكد الخبراء على أهمية التعرف على الأعراض النفسية غير العادية مبكرا والدعوة إلى دعم الصحة النفسية.
وتقول ووكر: “تُعلمنا هذه المتلازمة مدى حساسية الإحساس البشري بالذات، وكم هو بالغ الأهمية أن ننصت بصدق عندما يقول أحدهم إنه يشعر وكأنه لم يعد موجودا”.
ومع أن معظم الناس لن يواجهوا وهم كوتارد، إلا أن وجوده يُبرز تعقيد الدماغ البشري، والحاجة المُلحة لإزالة وصمة العار المرتبطة بالمرض النفسي، فبالنسبة لمن يُصارعونه، يُمكن أن يُمثل التشخيص والعلاج المُناسب الفرق بين البقاء في حالة موت نفسي، أو استعادة الحياة.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى