سياسة

لندن بين المساعدات الإنسانية والمساءلة القانونية في سوريا


أصدرت بريطانيا اليوم الجمعة حزمة عقوبات استهدفت أفراداً وكيانات متورطة في أعمال عنف وانتهاكات لحقوق الإنسان في سوريا، فيما يأتي هذا التحرك في سياق سياسي حساس، حيث تسعى لندن لموازنة دعمها لإعادة الإعمار مع ضرورة تحقيق المساءلة والعدالة.

وأكدت الخارجية البريطانية أن التسوية السياسية المستدامة لا يمكن أن تقوم دون عدالة، ما يضع ضغوطاً على أي سلطة حالية أو قادمة لضمان تسليم أو محاكمة المتورطين في الجرائم، مما يمنع إعادة تدوير الشخصيات المرتبطة بالانتهاكات في المشهد السوري الجديد.

ويأتي هذا القرار بعد يومين فقط من قيام لندن بشطب 4 أسماء أخرى من قوائم العقوبات، مما يعكس سياسة “العصا والجزرة”، حيث ترفع لندن القرارت العقابية عن المؤسسات الخدمية والكيانات التي لم تعد مرتبطة بالقمع لتسهيل دخول المساعدات وإعادة بناء البنية التحتية من جهة، وتلاحق الأفراد (Individual Accountability)، من جهة أخرى، لضمان أن الأموال المخصصة للإعمار لن تذهب لجيوب المتورطين في جرائم حرب.

واستهدفت العقوبات الجديدة أفراداً تورطوا في أعمال عنف طالت المدنيين في منطقتي اللاذقية وطرطوس في وقت سابق من هذا العام، مما يشير إلى أن لندن تراقب التحديات الأمنية التي تلت سقوط النظام السابق.

وشملت القائمة أفراداً ومنظمات متورطين في “فظائع تاريخية” ارتكبت إبان ذروة الصراع السوري لضمان عدم إفلاتهم من العقاب، كما تم استهداف شخصين قدما دعماً مالياً حيوياً لنظام بشار الأسد، مما ساهم في إطالة أمد القمع، وفق المصدر نفسه.

وبفرض عقوبات على المتورطين في أعمال العنف التي شهدها الساحل السوري في مارس/آذار الماضي، تبعث بريطانيا برسالة حازمة مفادها أن الاستقرار لا يعني السماح للفوضى أو الميليشيات المحلية بارتكاب انتهاكات جديدة، ما يشكل ضغوطا على إدارة الشرع لضبط الأمن وفق معايير حقوق الإنسان.

ورغم أن بريطانيا خففت عقوبات سابقة عن مؤسسات الدولة (مثل البنك المركزي وشركات الطاقة) لدعم الشعب السوري، إلا أن هذه القرارات الجديدة تؤكد أن رفع العقوبات ليس شاملاً أو أعمى.

وسيظل رجال الأعمال والمستثمرون حذرين جداً، حيث تثبت هذه الإجراءات أن أي تعاون مالي مع شخصيات مشبوهة أو تورط في قمع المدنيين سيؤدي فوراً إلى تجميد الأصول وحظر السفر، مما يخلق بيئة استثمارية تتطلب “تدقيقاً عالياً”.

ولا تزال أحداث الساحل السوري تشكل “اختباراً وجودياً” لشرعية السلطة السورية الانتقالية بقيادة أحمد الشرع، بالنظر إلى أنها لم تكن مجرد اضطرابات أمنية، بل شكلت مرآة كشفت قدرة النظام الجديد على التحول من “فصيل عسكري” إلى “دولة مؤسسات” تحمي جميع مواطنيها.

كما أظهرات أن إسقاط النظام كان الجزء الأسهل، بينما بناء “شرعية القبول” وحماية الأقليات هو التحدي الأكبر، ما يشير إلى أن العقوبات البريطانية الجديدة تعد تذكيرا للحكومة الانتقالية بأن “المساءلة” لا تسقط بالتقادم، وأن العنف ضد المدنيين في الساحل يوازي في خطورته السياسية انتهاكات النظام السابق.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى