سياسة

لماذا تجدد الحديث عن وثيقة أوباما والإخوان المسلمين PSD11؟


بالتزامن مع التطورات الأخيرة في ليبيا وتونس وتركيا، تجدّد الحديث عن وثيقة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما المودعة بالرمز: PSD11، والتي تتحدّث عن إعادة تشكيل الشرق الأوسط والعالم العربي باستخدام جماعة الإخوان المسلمين وحزب “العدالة والتنمية” الحاكم في تركيا، وما يجري اليوم في ليبيا وميليشيات الإخوان المسيطرة على المنطقة الغربية وعلى ثروات الشعب الليبي، وتونس وحركة النهضة، يمثل انعكاساً فعلياً لتلك الوثيقة، ويثبت أنه ما تزال دول كثيرة تعيش تبعات مرحلة استراتيجية أوباما وقراراته، وما زال أصحاب الأدوار المرسومة في تلك الاستراتيجية يحاولون تكملة المشوار.

بموجب هذه الوثيقة السرّية، التي فشلت بعد تنبؤ الأنظمة العربية بها، تتسلم جماعة الإخوان المسلمين وأحزابها السياسية الخاضعة لسيطرة حزب العدالة والتنمية التركي السلطة في كلٍّ من تونس وليبيا ومصر والجزائر والمغرب والسودان. يتمّ دمج كلّ الأحزاب السياسية للإخوان المسلمين تحت حزب العدالة والتنمية التركي.

تركيا تكون هي الدولة المهيمنة على دول شمال أفريقيا والسودان، وتصبح هذه الدول تدار من إسطنبول وأنقرة، كما نراه الآن في ليبيا.

تهيمن إيران على دول شمال الجزيرة العربية كالعراق وسوريا ولبنان، لعمل توازن سنّي شيعي. بعد هذا يصبح من السهل على أمريكا التعامل مع دولتين فقط، وهما تركيا وإيران.

  تمّ الحديث لأول مرّة عن وثيقة القرار التنفيذي أو الدراسي السرّي للرئيس الأمريكي باراك أوباما، المودعة بالرمز  PSD11 (Presidential Study Directive 11)، في صحيفة “نيويورك تايمز” بتاريخ 16 شباط (فبراير) 2011م؛ أي بعد 6 أشهر من توقيع تلك الوثيقة بتاريخ 12 آب (أغسطس) 2010م، حيث إنّ عدداً من المشاركين في إعداد هذه الوثيقة والمطلعين عليها من مستشاري الرئيس وأعضاء في الكونغرس تحدثوا لاحقاً عن فحواها بموجب قانون “حرّية المعلومات”.

وقد حصلت في الكونغرس استجوابات بخصوصها، كانت خلاصة ذلك هي القرار بتسليم السلطات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للجماعات الإسلامية “المعتدلة” -حسب رأيهم- خصوصاً تنظيم الإخوان المسلمين، ليكون الإشراف العام عليهم بيد تركيا الممثلة بحزب العدالة والتنمية، الذي كان أوباما واليسار الأمريكي ينظرون إليه كنموذج مثالي للحزب الإسلامي الحاكم لدولة مدنية علمانية، وصديق لأمريكا وإسرائيل.

وبعض الباحثين ذكروا معلومات إضافية، مثل السيدة “كلير لوبيز” نائبة رئيس المركز الأمريكي للدراسات والأبحاث للسياسات الأمنية (Research and Analysis center for Security Policy)، التي قالت إنّ الوثيقة تضمّنت أيضاً ترك بعض المناطق مثل العراق ولبنان وسوريا لجماعات تحكم تحت الإشراف الإيراني، من أجل خلق توازن سنّي شيعي في المنطقة.

أعتقد أنّ أوباما بنى قراره هذا على أساسين رئيسيين: الأساس الأول هو الرؤية التي جاءت بها إدارة بوش الابن حول الشرق الأوسط الكبير أو الجديد، والتي انطلقت بعد أحداث 11 سبتمبر عندما بدأت مراكز التفكير (Think Tanks) والبحوث والدراسات الأمريكية تطرح سؤالاً: لماذا يكرهوننا؟ وكانت الإجابة هي أنّ ذلك جاء بالتبعية لكره الأنظمة القمعية المدعومة من أمريكا لأجل مصالحها على حساب الشعوب، (وهذا ما دعمته الدراسة المذكورة سابقاً في عهد أوباما). كذلك اعتماد إدارة بوش على تقريري التنمية الإنسانية العربية لعامي 2002 و 2003م اللذين شخّصا مشاكل المنطقة كالاضطرابات السياسية والنزاعات العسكرية كمخرجات للانغلاق السياسي وغياب المعايير الحديثة للشرعية كالديمقراطية ومؤسسات المجتمع المدني وغيرها.

وأشار تقرير آخر من مركز بترسبورغ لدراسات الشرق الأدنى المعاصر في آذار (مارس) 2011م إلى 350 برنامجاً درّب آلاف الناشطين العرب على استخدام وسائل التواصل الحديثة والتعبئة السياسية للجماهير، إضافة إلى أكاديمية التغيير في قطر التي درّبت العديد من الشباب على تكتيكات “حرب اللاعنف” أو “حرب الصدور العارية” وإسقاط النظم، وكان لهم دور حاسم في حشد المظاهرات. ونشر مركز راند للأبحاث التابع للبنتاغون دراسة عام 2007م بعنوان: “بناء شبكات إسلامية معتدلة”، افترضت أنّ دحر الإرهاب والتطرّف في المنطقة بحاجة إلى إسلاميين معتدلين يطبقون الديمقراطية بالمواصفات الغربية، وكذلك احترام حقوق المرأة والأقليات.

كما قام فرع مركز بروكينغز في الدوحة بدراسات ومؤتمرات روّجت بشكل مباشر للإخوان، إضافة إلى تأسيس الدوحة مراكز معارضة للحكومات العربية تحت عناوين براقة، ودعمت مراكز قائمة سابقاً وشخصيات معارضة معروفة، وأنشأت مؤسسات إعلامية وقنوات فضائية، وكذلك حسابات إلكترونية ممنهجة على وسائل التواصل الاجتماعي استقطبت مئات الآلاف من المتابعين.

وعلى الرغم من الإمكانيات المهولة للدفع باستراتيجية أوباما، إلا أنها أثبتت فشلها، بل كارثيتها، لعدّة عوامل أهمها، وفق مراقبين: أولاً الإسلام السياسي متلوّن ومخادع للوصول إلى السلطة، فأساساته الفكرية مختلفة عمّا يعلنه، وهذا ثبت عملياً عند وصولهم إلى السلطة في مصر وتونس وليبيا، حيث وقعوا فيما يُسمّى “فخّ السلطة”، في ظلّ خبرتهم شبه المعدومة في الحكم إذا ما قورنت بخبرتهم الطويلة في المعارضة.

نقلا عن حفريات

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى