أين “حزب الله” والورقة اللبنانية وإيران من كل ما حصل خلال اليومين الماضيين؟
السؤال يجوز شرعا، ذلك أن زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الخليجية أثمرت من جدة إتصالا ثلاثيا جمعه وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان من جهة ورئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، من جهة أخرى، وليس مع حليف الحزب ورئيس الجمهورية ميشال عون الذي لا يزال ينتظر اتصال الرئيس الفرنسي لوضعه في أجواء اجتماعات جدة وليطلع منه على مزيد من التفاصيل.
بالتالي، لهذا الإتصال الثلاثي أبعاده التي تبرر السؤال، والتي تستدعي النظر بإمعان إلى ما توفره طاولة الأحداث وما يمكن أن تُسفر عنه.
بداية، لدينا بيان سعودي/فرنسي، أقل ما يقال فيه أنه يوصِّف حالة “حزب الله” وأفعاله ويعلن رفضها ويشترط العمل على مواجهتها لتستوي العلاقات بين لبنان والمملكة العربية السعودية ومعها الدول الخليجية، وتحديدا في الجزء الذي يتحدث عن “ضرورة حصر السلاح بمؤسسات الدولة الشرعية، وألا يكون لبنان منطلقاً لأي أعمال إرهابية تزعزع أمن واستقرار المنطقة، ومصدراً لتجارة المخدرات”.
كما يشترط جملة عناوين حول مساعدة الشعب اللبناني والتخفيف من معاناته، مقابل إلزام الدولة اللبنانية بإجراء إصلاحات شاملة في مختلف المجالات المالية والسياسية والإقتصادية ومراقبة الحدود.
وذلك يعني أن لا مساعدات تُخْرِج لبنان من الجحيم وتضعه على سكة الخلاص من دون إصلاحات. والمعروف أن لا إصلاحات من دون معجزات في بلد ممسوك بالكامل من درة التاج في المحور الإيراني، ومصادرة سيادته لحساب هذا المحور يقابلها إطلاق يد حلفائه من داخل المنظومة السياسية في الفساد والإستئثار بالسلطة.
بالتالي، يصعب أن يصطلح حال لبنان ببيان. كذلك يستحيل تطبيق البنود التي شدد عليها الجانبان الفرنسي والسعودي والتي تضرب أساس سياسات “حزب الله” وحليفه رئيس الجمهورية ميشال عون، لا سيما لجهة “الالتزام بإتفاق الطائف المؤتمن على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي في لبنان”.
فوظيفة درة تاج المحور الإيراني هي قلب الصيغة الحالية ونسف إتفاق الطائف الذي لا يزال يقف عائقا دون تنفيذ باقي بنود الأجندة الإيرانية بعد مصادرة السيادة.
لكن ما لدينا على طاولة الأحداث لا يمكن تجاهله. فنأخذ سعي إيران لطلب الود الخليجي، لجهة العمل على تعزيز العلاقة مع الإمارات، وذلك من خلال استغلال أي فرصة ممكنة لتوطيد أواصر هذه العلاقات، كما حصل عقب فتح القنوات الإماراتية/السورية.
كذلك يبرز تصريحٌ للمتحدث بإسم الخارجية الإيرانية عن رغبة بلاده بـ”الانخراط بأسرع وقت ممكن في حوار إقليمي منظم”.
وكأن الهدف من هذا التصريح فتح قنوات آفاق جديدة يمكن أن يسهلها نجاح تحرك ماكرون الخليجي، الذي أوضح بما لا يقبل الجدال أنه “لا يمكن معالجة ملف إيران النووي دون معالجة ملف استقرار المنطقة”، وأضافته من جدة إقتراحا بـ”إشراك الحلفاء ومنهم السعودية في محادثات إقليمية”.
ولا ننسى الأساس القائم على التنسيق الإيراني/الفرنسي الذي أفرج عن التشكيلة الحكومية لنجيب ميقاتي بعد استعصاء لسنة ونيف، أدى إلى إعتذار سلفين حاولا التشكيل وفشلا، هما السفير مصطفى أديب والرئيس سعد الحريري.
وبالتأكيد، لن يفسد في ود هذا التنسيق تحرك ماكرون الخليجي، والآتي من الأيام قد يظهر أنه يكمله ولا يتضارب معه. ومع غياب أي تعليق سلبي إيراني بما يتعلق يتصريحات ماكرون الذي كرس معادلات واضحة تتعلق بلجم ذراع إيران اللبناني، بما يحمي لبنان أولا ويعيد إلى الدولة سيادتها، وبما يفتح باب علاقة سوية مع دول الخليج، لا مكان لانتهاكات “حزب الله” فيها.
لذا يطرح السؤال نفسه عن “حزب الله” والورقة اللبنانية وإيران.
هل يبقى الحزب وحيدا مستفردا في معركته الدونكيشوتية “في مواجهة الشيطان الأكبر والشياطين الأصغر” كما يطيب له أن يصنِّف الغرب وحلفائه، في حين تنصرف إيران إلى مصالحها التي تسعى إليها تحديدا مع هذا الغرب وحلفائه في محاولتها رفع العقوبات عنها والحد من انهيار اقتصادها؟
التحركات الدولية والإقليمية المتعلقة بإيران ومفاوضاتها تعكس هذا الإتجاه.. في المقابل، لا يزال الوضع اللبناني متأرجحا بين محاولات فصل العلاقات الخارجية للدولة عن العلاقات الداخلية بين الحزب الحاكم بأمره والمنظومة السياسية التي دجنها لفرض ما يناسب أجندة مشغِّله الإيراني.
التحركات وإن حملت مؤشرات تتراوح بين بقاء لبنان على هاوية إبواب الجحيم، أو وضعه على سكة الخلاص، لا تزال محكومة بقطبة مخفية.
ربما تكون إحتمال إقدام إيران على تقديم “كبش محرقة” أكبر بكثير في الحجم والحيثية من وزير إستقال بعدما تجاوز حده.
سكاي نيوز