كيف عزلت قطر الصومال عن محيطه العربي؟
بعد أكثر من أربعين شهراً من حكمه، تبدو الصومال برئاسة محمد عبد الله فرماجو في حالة أسوأ: أمناً واقتصاداً وسياسة خارجية وتعاملاً مع الهجمات الإرهابية أو جائحة كورونا. وبناءً على طلب دولة قطر، خفّض فرماجو علاقات الصومال التاريخية والإستراتيجية والتاريخية العميقة مع دول الخليج ومصر. جعلت هذه الخطوة الصومال أكثر اعتماداً على قطر التي، ومن المفارقات، فشلت في تحقيق المشاريع التي وعدت بها للصومال. هذه الخلاصة التي نقلتها مجلة “ناشونال إنترست” الأمريكية، تكتسب مزيداً من الأهمية؛ بالنظر إلى التحولات والديناميات التي تحيط بأرض الصومال “صومالي لاند” المجاورة.
وحسب تحليل نشره أخيراً “معهد الشرق الأوسط” في العاصمة الأمريكية، واشنطن، تحت عنوان “موانئ صومالي لاند” فإنّ هذه الموانئ ما تزال موضوع اهتمام وتنافس دوليين حتى اليوم، على الرغم من أنّ القوى الأجنبية المعنية قد تغيرت. في الأول من تموز (يوليو) 2020، وفقاً لبيان رسمي، قال وزير الخارجية التايواني جوزيف وو، إنّ تايوان وافقت على إقامة علاقات مع أرض الصومال على أساس “الصداقة والالتزام المشترك بالقيم المشتركة للحرية والديمقراطية والعدالة وسيادة القانون”. ولكن بعد أقل من أسبوع، انضمت الحكومة الفيدرالية الصومالية، بقيادة الرئيس محمد عبد الله محمد، إلى الصين لمنع وجود علاقة بين تايوان وصومالي لاند سيكون لها نتائج جيوسياسية واضحة للقرن الأفريقي. في حين رفضت الصين والصومال وأدانتا العلاقات الثنائية الاستراتيجية الجديدة بين أرض الصومال وتايوان، بارك مجلس الأمن القومي الأمريكي مشروع تايوان في شرق إفريقيا، مرسلاً رسالة واضحة إلى الصين مفادها أنّ الولايات المتحدة تقف مع تايوان. روسيا من جانبها، حريصة على علاقات قوية مع صومالي لاند، ولديها رغبة في إقامة قاعدة عسكرية هناك. ربما تضيّق هذه التفاعلات الخناق على الدعم القطري لجمهورية الصومال، وهو دعم من الواضح-من خلال التمعن في الديناميات والتفاعلات المذكورة آنفاً وغيرها بالطبع- أنه همّش العلاقات العربية والدولية للصومال في ظل فرماجو وتحالفه مع قطر وتركيا. وثمة أنباء وتقارير إعلامية تتحدث عن تجنيد قطر وتركيا لآلاف الصوماليين؛ من أجل إرسالهم إلى المشاركة في الحرب في ليبيا، إلى جانب ميليشيات “الوفاق” في طرابلس، وتحت إشراف تركي ودعم مالي قطري.
تأثير قطر السلبي على الصومال
في التحليل الذي نشرته مجلة “ناشونال إنترست” يقول عبد الله محمد علي، وهو مدير سابق لوكالة الاستخبارات والأمن الوطنية الصومالية وسفير صومالي سابق لدى تركيا والمملكة المتحدة، إنّ “مشاكل الصومال تنبع إلى حد كبير من التحالف غير المقدس الذي صنعه فرماجو مع دولة قطر، والتأثير الخبيث الذي تمارسه هذه الدولة الخليجية على كل جانب من جوانب السياسة والدبلوماسية الصومالية” منذ رئاسته.
ويضيف السفير الصومالي عبد الله محمد علي: “لقد أبدى الصوماليون، في الداخل والخارج، تفاؤلاً عندما انتُخب محمد عبد الله فرماجو رئيساً للصومال في شباط (فبراير) 2017. وقد شارك الدبلوماسيون والمجتمع الدولي هذا التفاؤل، معتقدين أنّ فرماجو صادق ونشط وإصلاحي. لكن تظهر أربعون شهراً من حكم فرماجو أنّ التفاؤل الأولي كان في غير محله إن لم يكن ساذجاً. فاليوم، الصومال في حالة أسوأ بكثير مما كانت عليه قبل تولّيه الرئاسة. الأمن في حالة رهيبة. لقد انهار الاقتصاد. الولايات الفدرالية في حالة تنافر مع الحكومة المركزية؛ والسياسة الخارجية تائهة ومضطربة. بالإضافة إلى ذلك، أصيبت المؤسسات الوطنية بالشلل بينما كان فيروس كورونا يدمر السكان ببطء. في هذه المرحلة، مقديشو في حالة إغلاق بسبب التهديدات الإرهابية المتزايدة أكثر من الصحة العامة”.
يذكر أنّ دور قطر وتركيا كان معرقلاً للمحادثات التي استضافتها جيبوتي في حزيران (يونيو) الماضي بين الصومال وأرض الصومال. لم تصل المحادثات إلى نتائج حقيقية، ولم تُحدِث أي خرق بخصوص الحقوق السياسية لأرض الصومال.
اقرأ أيضاً: هل يسير الرئيس الصومالي على خطى أردوغان للانفراد بالسلطة؟
وعن دور قطر في عزل الصومال عن محيطه العربي، يشرح المدير الصومالي السابق لوكالة الاستخبارات والأمن الوطنية الصومالية بقوله: “يتحدث الصوماليون الآن عن كيف تشكّل رغبة قطر في شن حرب بالوكالة ضد القوى الإقليمية الأخرى السياسة الخارجية الصومالية. ومع خروج معظم الدول من الصراع الصومالي، فإنّ قطر تسعى إلى إقامة علاقات واسعة النطاق (داخل المؤسسات الصومالية). وبناءً على طلب قطر، خفّض فرماجو علاقات الصومال التاريخية والإستراتيجية والتاريخية العميقة مع دول الخليج ومصر. جعلت هذه الخطوة الصومال أكثر اعتماداً على قطر التي، ومن المفارقات، فشلت في تحقيق المشاريع التي وعدت بها للصومال“، بحسب قوله.
واجهة لعمليات قطر في القرن الأفريقي
ويقول المسؤول الصومالي السابق في مداخلته في مجلة “ناشونال إنترست” إنّ أكبر مأساة للشعب الصومالي هي كيف أثّر النفوذ القطري وتعويل فرماجو المفرط على الدوحة على عكس وعرقلة سنوات من التقدم الأمني ضد هجمات حركة الشباب. واستطرد يضيف “بناء على اقتراح قطر، قام فرماجو بتعيين فهد ياسين لرئاسة وكالة المخابرات والأمن الوطنية الصومالية (NISA) على الرغم من أن ياسين، صحفي قناة الجزيرة القطرية السابق، ليس لديه خلفية أمنية أو استخباراتية. وتحت الوصاية القطرية، قام ياسين بتفكيك الركائز الأساسية للوكالة، ووضع بشكل منهجي-بدلاَ من النشطاء المحترفين وذوي الخبرة-مجموعة من المتملقين الهواة ممن عملوا بفعالية كواجهة لعمليات المخابرات القطرية في القرن الأفريقي. لم تعد عمليات NISA تركز على المعركة ضد حركة الشباب، وبدلاً من ذلك فهي موجهة لإسكات المعارضة السياسية والأصوات الناقدة في المجتمع المدني.
ويختم المسؤول الصومالي السابق حديثه بالإشارة إلى أنه “تاريخياً، الصوماليون معتدلون إلى حد ما. في غضون ذلك، تسعى قطر لأسباب أيديولوجية إلى تعزيز التطرف داخل المجتمع الصومالي. وفي حين أنّ الموارد القطرية كان بإمكانها تمكين الصومال من إعادة البناء وأن يكون مجدداً مركزاً إقليمياً للتجارة ومحركاً للاستقرار، فقد قررت الحكومة القطرية أن تفعل العكس، (ما قد) يحكم على القرن الأفريقي بالفوضى لأجيال قادمة”، بحسب قوله
نقلا عن حفريات