سياسة

قوة الموت النازية.. قصة لواء الجماجم الأكثر ولاءً لهتلر


تعد الفرقة الثالثة المدرعة التابعة لقوات النخبة النازية، المعروفة باسم لواء الجماجم، واحدة من أكثر التشكيلات العسكرية إثارةً للجدل في تاريخ الحرب العالمية الثانية.

وبحسب موقع ذا هيستوري، فقد “جمع هذا اللواء المرعب بين الصلابة القتالية والانضباط الحديدي من جهة، والوحشية المفرطة وارتكاب جرائم حرب مروّعة من جهة أخرى”.

كان اسم اللواء وحده كفيلًا ببثّ الرعب في قلوب الخصوم، أما الانضمام إلى صفوفها فكان امتيازًا محفوفًا بالرهبة، إذ لم يكن يُسمح به إلا لمن يثبت ولاؤه المطلق وعقيدته الصارمة للنظام النازي.

التأسيس والانتقاء الصارم

تأسس لواء الجماجم في أكتوبر/تشرين الأول عام 1939 بقرار من قيادة قوات الأمن الخاصة، وتكوّن من عناصر انتُدبت في الأساس من حراس معسكرات الاعتقال، إلى جانب وحدة مسلحة شاركت في احتلال دانتسيغ. أما ضباطه فجاء معظمهم من وحدات النخبة القتالية التي خاضت حرب بولندا.

لم يكن القبول في صفوف اللواء أمرًا ميسورًا؛ إذ خضع المرشحون لاختبارات قاسية جسديًا ونفسيًا، شملت تحمّل الإجهاد البدني الطويل دون انهيار، وتنفيذ الأوامر في ظروف ضاغطة دون تردد، وإظهار انضباط ذهني واستعداد مطلق للتضحية.

كما جرى التدقيق في خلفياتهم الفكرية والأمنية لضمان “نقاء الولاء”. ونتيجة لذلك، اكتسب اللواء تركيبة بشرية نادرة الانضباط، جعلته من أكثر وحدات قوات النخبة تماسُكًا وقدرةً على القتال المتواصل في أقسى الظروف.

أدولف هتلر

البدايات في أوروبا الغربية

لم يشارك اللواء في غزو بولندا، بل بقي في الاحتياط حتى انطلاق الغزو الألماني لفرنسا وبلجيكا عام 1940. وفي منتصف مايو/أيار من ذلك العام، أُقحم في القتال داخل الأراضي البلجيكية، حيث أظهر شراسة لافتة رغم تكبّده خسائر فادحة.

غير أن تلك المشاركة الأولى وُصمت بعارٍ لا يُمحى من تاريخه، عندما أعدمت إحدى كتائبه نحو مئة جندي بريطاني بعد استسلامهم في قرية فرنسية صغيرة. وبعد الحرب، أُعدم القائد المسؤول عن المجزرة شنقًا بعد إدانته بارتكاب جرائم حرب.

معارك الشرق

في يونيو/حزيران 1941، تحرك لواء الجماجم شرقًا للمشاركة في عملية غزو الاتحاد السوفياتي ضمن مجموعة الجيوش الشمالية. وشارك في المعارك التي جرت في ليتوانيا ولاتفيا، وتمكن من اختراق “خط ستالين” الدفاعي، قبل أن يصل إلى مشارف لينينغراد ويخوض معارك طاحنة خلال صيف العام نفسه.

لكن سرعان ما وجد نفسه محاصَرًا فيما عُرف لاحقًا بـ”جيب دميانسك”، حيث تكبّد خسائر هائلة أجبرته على تقليص تشكيلاته القتالية.

وبعد فك الحصار في أبريل/نيسان 1942، نُقل إلى فرنسا لإعادة التنظيم والمشاركة لاحقًا في عملية احتلال الأراضي التابعة لحكومة فيشي الفرنسية، وحصل هناك على كتيبة دبابات جديدة، ليُعاد تصنيفه كلواء ميكانيكي مدرع.

ذروة القوة

مع مطلع عام 1943، عاد اللواء إلى الجبهة الشرقية ضمن الفيلق المدرع الثاني لقوات النخبة، وشارك في معركة خاركيف الثالثة إلى جانب مجموعة الجيوش الجنوبية. وخلال المعركة، قُتل قائده عندما أُسقطت طائرته أثناء طلعة استطلاع، فشنّ رجاله هجومًا خاصًا لاستعادة جثمانه ودفنه بمراسم عسكرية مهيبة، قبل أن يتولى القيادة ضابط آخر من المخضرمين.

وفي صيف العام نفسه، شارك اللواء في الهجوم الألماني الكبير على كورسك، حيث خاض واحدة من أضخم معارك الدبابات في التاريخ قرب بلدة بروخوروفكا.

تكبّد الطرفان خسائر فادحة، وتمكنت سرية دبابات ثقيلة من إنقاذ الفرقة من هزيمة مؤكدة. ومع فشل العملية، تحوّل اللواء إلى الدفاع، ثم تمركز على نهر الميوس في معارك شرسة أوقعت به أكثر من 1500 قتيل وخسائر كبيرة في العتاد.

الصمود حتى النهاية

مع مطلع عام 1945 كانت الفرقة منهكة تمامًا، لكنّها ظلّت متماسكة تقاتل بانضباط حتى اللحظة الأخيرة. ورغم تحقيقها اختراقات محدودة، فإنها لم تتمكن من إنقاذ عشرات الآلاف من الجنود الألمان المحاصَرين في بودابست الذين استسلموا في فبراير/شباط.

وفي الأشهر الأخيرة من الحرب، انسحب لواء الجماجم تدريجيًا من المجر إلى النمسا، حيث واصل القتال حتى استسلامه في التاسع من مايو/أيار 1945 للقوات الأمريكية. غير أن نهايته كانت قاسية، إذ سلّم الأمريكيون عناصره إلى السوفيات، فلقى كثيرون منهم حتفهم في معسكرات الاعتقال.

نهاية مثيرة للجدل

رغم سجلّه الملطّخ بالدماء، يُجمع المؤرخون العسكريون على أن لواء الجماجم مثّل نموذجًا فريدًا للانضباط والقدرة على الصمود تحت أقسى الظروف. فعندما تهاوت أركان الرايخ الثالث عام 1945، لم تُسجَّل عليه حالات تمرد أو تفكك داخلي، بل ظل يقاتل دفاعًا عن مواقعه ويغطي انسحاب المدنيين والجنود نحو الغرب.

كما جسّد في نهايته نفس روحه التي تأسس بها “الولاء حتى الفناء، والانضباط حتى الموت”. وهكذا يبقى لواء الجماجم في ذاكرة الحرب العالمية الثانية وجهًا مركّبًا من التناقضات – مزيجًا من الصلابة المذهلة والانضباط الفولاذي من جهة، والوحشية المطلقة من جهة أخرى – ودليلًا على كيف يمكن للولاء المجرّد من الخوف أن يصنع مجدًا لا يخلو من الجدل، وفق ذا هيستوري.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى