قطر وتركيا…تستغلان قضية الرسوم المسيئة للرسول (ص)
استغلت قطر وتركيا قضية الرسوم المسيئة للرسول صلي الله عليه وسلم، حيث سارعت جماعات الإسلام السياسي المتطرفة باستغلال قضية الرسوم المسيئة للرسول (ص) بفرنسا، عبر المتاجرة بالدين، وتوظيفها لصالح أهدافها.
وظهر ذلك جليا في خطاباتهم وفعالياتهم المليئة بالتناقضات، فعلى سبيل المثال آثرت جماعة الإخوان الإرهابية والإعلاميون الداعمون لها، لاستغلال تلك القضية في محاولة لتحويل دفة المقاطعة العربية لتركيا بسبب سياساتها العدائية وتدخلاتها في شؤون دول المنطقة إلى مقاطعة لفرنسا.
كما قاموا في الوقت ذاته بالهجوم على فرنسا على خلفية هجومها على جماعات الإسلام السياسي المتطرفة وعلى رأسها الإخوان، ووقوفها في وجه سياسات أردوغان وتدخلاتها في ليبيا وأطماعه بشرق المتوسط.
أما قطر الداعمة لأردوغان والإخوان، فسخرت إعلامها لتحقيق الهدف نفسه، وإلى جانب ذلك سخرت القضية لشن حملة افتراءات وأكاذيب كعادتها على الدول المقاطعة لها، وعلى رأسها الإمارات، قبل أن يصعقها موقفها الحضاري في التعامل مع تلك الإساءة.
أما الجماعات الأكثر تطرفا مثل “داعش” و”النصرة”، فحاولت استغلال القضية لاستقطاب وتجنيد أشخاص جدد للجماعة في ظل الحرب الدولية التي تواجهها تلك الجماعات، والهزائم المتلاحقة التي تتعرض لها، وظهر ذلك في تنظيم مظاهرات منددة بالإساءة الفرنسية للرسول صلى الله عليه وسلم، تم خلالها رفع أعلام “داعش” والنصرة”.
على النقيض من تلك السلوكيات، ظهر الموقف الحضاري في الدفاع عن الرسول، فيما قام به مجلس حكماء المسلمين، الذي يتخذ من أبوظبي مقرا له، حيث قرر تشكيل لجنة خبراء قانونية دولية لرفع دعوى قضائية على “تشارلي إيبدو” لإساءتها لنبي الرحمة.
كعادته في المتاجرة بكل شيء لصالح مصالح الخاصة، استغل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تعهد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بدعم رسوم كاريكاتور مسيئة للرسول نشرتها مجلة ” تشارلي إيبدو” ، وشن هجوما شرسا عليه.
السبب المعلن للهجوم كان “نصرة الرسول” أما الهدف الحقيقي، فكان بسبب مناهضة ماكرون للسياسات العدائية لأردوغان في المنطقة وخصوصا تدخله في ليبيا وشرق البحر المتوسط.
السبب الثاني هو محاولة أردوغان توظيف الحدث لتوجيه دفة المقاطعة العربية لبلاده إلى مقاطعة لفرنسا، ودعا أردوغان إلى مقاطعة المنتجات الفرنسية، متّهماً نظيره الفرنسي بشنّ “حملة كراهية” ضد المسلمين.
أكاذيب أردوغان ومتاجرته بالقضية، كشفتها المعارضة التركية، وغرد النائب المعارض مراد أمير متهكما على تصريحات أردوغان، قائلا: “يطالبنا الرئيس أردوغان بعدم شراء المنتجات الفرنسية؛ إما أنه لا يعرف أن الشركة الوحيدة التي ترسل لنا لقاح الإنفلونزا هي فرنسية، أو أنه هادئ لأنه تم تطعيمه من قبل”.
أرقام التبادل التجاري بين البلدين فضحت أيضا أكاذيب أردوغان وأهدافه الحقيقية، فقد بلغت نحو 14.7 مليار دولار خلال 2019 فقط، بحسب أرقام تركية رسمية، وصرح وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، أن أنقرة تخطط لرفع هذا التبادل إلى 20 مليار دولار في 2020.
وتركيا وفرنسا حليفتان في حلف شمال الأطلسي، لكنهما على خلاف حول مجموعة من القضايا تتعلق بسياسات أردوغان العدائية في سوريا وليبيا، والتنقيب عن النفط والغاز وترسيم الحدود البحرية في شرق المتوسط، فضلا عن إذكاء أنقرة لنار الصراع في ناغورنو قرة باغ.
بدوره، أكد محمد موسوي، رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، أن المسلمين “ليسوا مضطهدين” في فرنسا، كما زعم أردوغان.
وقال موسوي لوكالة الأنباء الفرنسية إن “فرنسا دولة كبيرة والمواطنين المسلمين ليسوا مضطهدين، يبنون مساجدهم بحريّة ويمارسون ديانتهم بحريّة”.
وأضاف: “ندرك أن مروّجي هذه الحملات يقولون إنهم يدافعون عن الإسلام ومسلمي فرنسا، ندعوهم إلى التحلي بالحكمة (…) كل حملات التشهير بحق فرنسا تأتي بنتائج عكسية وتتسبب بالانقسام”.
إذن حملة أردوغان ليست في صالح مسلمي فرنسا كما يزعم، بل بهدف تحقيق مصالح خاصة به.
وهذا ما ظهر بشكل واضح في تغريدات إعلاميي تنظيم الحمدين الحاكم في قطر الداعمين لأردوغان، والذين دعوا بشكل صريح إلى وقف مقاطعة منتجات تركيا بوصفها مدافعة عن الإسلام، ومقاطعة المنتجات الفرنسية.
كما ظهرت في تغريدات الإخواني الهارب إلى تركيا حاكم المطيري والإعلامي الإخواني في قناة “الجزيرة” أحمد منصور.
وإضافة إلى دعم أردوغان، كان الحدث فرصة لجماعة الإخوان، لمهاجمة ماكرون في ظل حربه على جماعات الإسلام السياسي المتطرفة وعلى رأسها الإخوان.
ولعبت الإخوان على دغدغة المشاعر واللعب على العاطفة الدينية لتأجيج مشاعر الغضب ضد فرنسا وتحويلها إلى دعوة لقبول المنتجات التركية كبديل “مسلم” للمنتجات الفرنسية.
كما استغلت جماعة الإخوان الإرهابية القضية للترويج لأفكارهم المتطرفة بوصف أن المسيء للرسول هو نفسه من يحارب الجماعات التي تدافع عن الإسلام، من باب سعيهم للتضليل، واستدرار التعاطف في مواجهة الهجمة التي يتعرضون لها.
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد فتح مطلع الشهر الجاري الباب واسعاً أمام تنفيذ خطة تقف بالمرصاد لتحركات التنظيمات المتطرفة بالبلاد، وتحديداً الإخوان، فيما بدا كاستجابة سريعة لتحذيرات سابقة من مجلس الشيوخ بشأن التنظيم الإرهابي.
خطة ماكرون، التي عرضها من داخل بلدة “ليه موروه” بباريس، تتبنى مواجهة شاملة لما أسماه “المجتمع المضاد في فرنسا”، بداية من إجراءات خاصة في مجال التعليم وصولا لمسألة تنظيم عمل أئمة المساجد.
وكان تقرير مجلس الشيوخ الفرنسي، الصادر في يوليو/تموز الماضي، سبق وطالب برصد أماكن تكتل الإخوان في الأقاليم ومواجهة الجماعات المقربة من التنظيم الإرهابي أيضاً.
أيضا كانت تلك الإساءة فرصة لجماعة الإسلام السياسي لإعادة خطاباتهم المبررة لأسباب وجودهم، والتي يأتي على رأسها المزاعم بوجود هجمة غربية شرسة على الإسلام والمسلمين، وهي مزاعم من شأنها تغذية خطابات التطرف والإرهاب، في موجهة خطابات التسامح والاعتدال.
وفي هذا السياق، رفع متظاهرون محسوبون على فصائل المعارضة السورية المسلحة في مدينة رأس العين شرقي الفرات خلال الأيام الماضية، علمي تنظيمي “داعش” و”النصرة” أثناء مسيرة منددة بتصريحات ماكرون الأخيرة حول الإسلام والرسول.
وذلك في محاولة من تلك الجماعات استغلال القضية لاستقطاب وتجنيد أشخاص جدد للجماعة في ظل الحرب الدولية التي تواجهها تلك التنظيمات المتطرفة، والهزائم المتلاحقة التي تتعرض لها.
أما قطر الداعمة لأردوغان والإخوان، فسخّرت إعلامها لتحقيق الهدف نفسه للإخوان وأردوغان، وإلى جانب ذلك سخّرت الحدث لشن حملة افتراءات وأكاذيب كعادتها على الدول المقاطعة لها، وموقفها الحضاري في التعامل مع تلك الإساءة.
وفي إطار أساليبها المعروفة بخلط الحابل بالنابل، والحق بالباطل، حاولت الترويج لمقاطعة تركيا على خلفية سياساتها العدائية وتدخلاتها في شؤون دول المنطقة، بأنهم يقفون في وجه دفاع أردوغان المزعوم عن الإسلام.
أيضا في الإطار نفسه، حاولت إعادة تأويل دعوات البعض لعدم استغلال الجماعات المتطرفة الحدث للإساءة للإسلام، بأنها دعوات مناصرة لفرنسا.
ولكن الرد الحضاري لنصرة الرسول الذي انطلق من الإمارات جاء كالصاعقة عليها ، حيث قرر ” مجلس حكماء المسلمين” تشكيل لجنة خبراء قانونية دولية لرفع دعوى قضائية على “تشارلي إيبدو” لإساءتها لنبي الرحمة.
جاء ذلك في الاجتماع الذي ترأسه الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف عبر تقنية الفيديو كونفرنس، مساء الإثنين.
وندد المجلس خلال الاجتماع بالحملة الممنهجة التي تسعى للنيل من نبي الإسلام والاستهزاء بالمقدسات الإسلامية تحت شعار “حرية التعبير” وقرر تشكيل لجنة خبراء قانونية دولية لرفع دعوى قضائية على “تشارلي إيبدو”.
وأكد المجلس استنكاره الشديد لحادث مقتل المدرس الفرنسي وكذلك الاعتداء بالطعن والشروع في قتل سيدتين مسلمتين قرب برج إيفل، وشدد على أن كل هذه الحوادث هي إرهاب بغيض أيا كان مرتكبها وكيفما كانت دوافعها.
وقدم المجلس خارطة طريقة للتعامل بشكل حضاري ومنطقي وواقعي مع تلك الإساءات.
وفي هذا الصدد، أعرب مجلس حكماء المسلمين عن رفضه الشديد لاستخدام لافتة حرية التعبير في الإساءة لنبي الإسلام محمد – صلى الله عليه وسلم- ومقدسات الدين الاسلامي.
وشدد على أن حرية التعبير لابد أن تأتي في إطار من المسؤولية الاجتماعية التي تحفظ حقوق الآخرين ولا تسمح بالمتاجرة بالأديان في أسواق السياسة والدعاية الانتخابية.
وجدد المجلس دعوته للمواطنين المسلمين في الغرب إلى التمسك بقيم التعايش والسلام والمواطنة مع كل المكونات الاجتماعية في بلدانهم، والاندماج الإيجابي في تلك المجتمعات، بما يعزز مساهماتهم في البناء والتنمية مع الحفاظ على ثوابتهم وخصوصياتهم الدينية والثقافية، وعدم الانسياق وراء استفزازات الخطاب اليميني الذي يستهدف تشويه الإسلام وترسيخ فكرة إلصاقه بالإرهاب والانعزالية، ويروج للعداء ضد المسلمين.
وأوضح المجلس أن مواجهة هذه الإساءات ستكون من خلال ساحات القضاء وبالطرق القانونية، إيمانا من المجلس بأهمية مقاومة خطاب الكراهية والفتنة بالطرق السلمية والعقلانية والقانونية، مشيرا إلى أن زمن الأقوال ولى وحان الوقت للفعل والعمل على الأرض.
وقد طالب المجلس، المسلمين بمواجهة خطاب الكراهية عبر سن تشريعات دولية تجرم الإساءة للأديان ورموزها، مطالبا عقلاء الغرب ومفكريه بالتصدي للحملة الممنهجة على الإسلام ومعاداته والزج به في ساحات الصراعات الانتخابية والسياسية وتهيئة البيئة الصحية للتعايش والأخوة الإنسانية.