قطر والناتج الإجمالي للإرهاب
لو حدث وأن عادت قطر من دعمها لمنظمات الإرهاب وجماعات الإسلام السياسي بخفي حُنين، لكان الأمر هينا، ولجاز للقطريين القول، إنها تجربة تعلمنا منها بعض الدروس. ولكن الوضع الحقيقي ليس كذلك. ذلك أن هذه البلاد صارت تبيع من استثماراتها، وتستدين، لتعويض ما تبدد من أموال مضت كلها في الاتجاه الخطأ، وهو ما يكفي ليبرهن على أن “الناتج الإجمالي” لدعم الإرهاب، بات يستهلك “الأصول الثابتة”، عدا عن باقي “الأصول” الأخرى.
قطر لن تُواجه الإفلاسَ، ولكنها في الطريق إليه. دعمُ المليشياتِ وتنظيماتِ الإرهاب كلفها ما لا يقل عن 100 مليار دولار خلال العشر سنوات الماضية. كما كلفها دعم الخيبات الاقتصادية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان ما لا يقل عن 20 مليار دولار أخرى.
وعلى الرغم من ثرواتِها الطائلة، وحزمة استثماراتها الواسعة، فقد اضطرت إلى الاستدانة لسد الفجوة بين المدفوعات والمداخيل.
وعندما ضاقت السبل، فتحت الأبواب للاستثمارات الخارجية لشراء أصول محلية بنسبة تصل إلى 49% في شركة الكهرباء والماء القطرية، وشركة قطر للوقود، وشركة الخليج الدولية للخدمات، وشركة مسيعيد للبتروكيماويات القابضة. وقررت أخيرا أن تفتح أبواب الاستثمارات أمام الأجانب في العقارات، لكي تُنعشَ قطاعا يعاني من الركود.
ولتسديد العجوزِات المتراكمة، اضطر الصندوق السيادي القطري إلى بيع حصص مختلفة من الأسهم التي يملكها في عدة شركات خارجية كبرى مثل “كريدي سويس” و”روسنفت” و”تيفاني أند كو” و”بورش” وغيرها.
وبحسب وكالة “موديز”، فقد قام الصندوق بضخ ما يقارب 40 مليار دولار من احتياطياته البالغة 340 مليار دولار، لدعم اقتصاد البلاد خلال الستين يوما الأولى لبدء الأزمة مع دول مكافحة الإرهاب العربية.
وفي مايو الماضي قالت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني إن هناك تدهورا كبيرا في الركائز الاقتصادية القطرية خلال العام الراهن، لتسجل عجزا قدره 5.9% من الناتج المحلي الإجمالي البالغ نحو 200 مليار دولار.
وخفضت “فيتش” تصنيفها لقطر إلى -AA مع نظرة مستقبلية سلبية. كما خسر الناتج الإجمالي حوالي 9 مليارات دولار من قيمته، وأدت موجات الهبوط التي طالت سوقها المالي، الى أن خسر نحو 33.5 مليار دولار من قيمة رأسماله. وبلغت ديون قطر الخارجية 53.8 مليار دولار بنهاية 2019، بزيادة بلغت نحو 71.8 في المئة خلال 3 سنوات.
الديون ليست مشكلة بحد ذاتها، فهي جزء طبيعي من العملية الاقتصادية، وكل دول العالم تستدين، إنما لكي تستثمر في ما يمكن أن يوفر لها عوائد. ولكن عندما تستثمر قطر في منظمات الإرهاب، فما هي الإضافة التي تنتظرها على ناتجها الإجمالي؟ ما تم إنفاقه حتى الآن على هذه المنظمات يفوق بثلاثة أضعاف إجمالي الديون القطرية. ولو أضيف إلى هذا العبء، ما ضاع من قيمة “الأصول الثابتة”، فإن أقل ما يمكن قوله في هذه النتيجة إنها مروعة، وإنها دليل على سوء تدبير لا مبرر له.
خذ المليشيات التي تشكل حكومة “الوفاق” في طرابلس، مثلا. فهي استهلكت أكثر من 30 مليار دولار، حسب أدنى التقديرات. وها هو الوقت قد حان لكي يُصبح حلها واحدا من أهم شروط الحل السياسي. ولقد مولت قطر قيام تركيا باستقدام آلاف المرتزقة من أجل أن يشاركوا في عملية لتوسيع مناطق سيطرة المليشيات، ولكن هذه العملية أحبطت، وأصبح من اللازم للمرتزقة أن يرحلوا، لترحل في بالوعة سوء التدبير عدة مليارات أخرى.
الأصول المعنوية ضاع الكثير منها أيضا بالعزلة عن الأشقاء الخليجيين والعرب، وأسهم “ركوب الرأس” في توسيع الصدوع بدلا من رأبها. وظل السؤال معلقا: من أجل ماذا كان ذلك كله؟ فحتى لو كانت صناعة الخراب تبدو هدفا قائما بذاته، فإن المنطق يقتضي ألا يصل، ولا تصل “عائداته” إلى قطر نفسها.
ما يراه الجميع الآن، هو أنه مع تراجع قيمة الموجودات، وتقلص الاستثمارات، فإن الناتج الإجمالي القطري من عائداتِ دعمِ الإرهاب، هو الوحيدُ الذي ظل يرتفع ليقدم لقطر العزلةَ السياسيةَ والاختلالِ الاقتصادي.
وبينما تبيعُ قطر شركاتِها وعقاراتِها لكي تشتري جماعات مسلحة، فإن دعمَ الإرهاب يبدو وكأنه مسألة مبدأ بالنسبة للدوحة، كما يُثبت العناد المتواصل لعدة سنوات.
قطر قد لا تُواجه الإفلاس، على أي حال، إلا أنها تعرف الآن الطريق إليه.
نقلا عن العين الإخبارية