سياسة

قطر والصومال.. «الفضيحة» لسان الحال


غاية قطر تبرر وسيلتها، فالمهم تحقيق مصالحها وفق فكرتها الضيقة مهما كانت الطرق محرمة ومجرمة، ومهما كانت الأثمان باهظة. وفي خلال العقدين الأخيرين عاث النظام القطري في الأرض فساداً، متدخلاً في شؤون الدول، ولم يستثن جيران قطر وشقيقاتها، وصولاً إلى محاولة تخريب علاقاتها مع غيرها سواء بمال الشعب القطري مباشرة، أو بالإرهاب المباشر أو عبر تنظيم القاعدة الإرهابي أو «داعش» وأخواتها. وسعي قطر المدمر في القرن الإفريقي خصوصاً الصومال، مشهود، وهو يجسد ما تمكن تسميته من دون مبالغة ب«الفضيحة»؛ الفضيحة بين قوسين وخارج القوسين، والفضيحة المدوية التي هزت اسم قطر في العالم، وتسابقت كبريات الصحف العالمية الرصينة إلى نشر أخبارها والتعليق عليها، وسط تجاهل قطري كعادة الدولة، إلى حين اضطرت إلى الإدلاء ببيان مقتضب خجول كعادة خفافيش الظلام، مؤداه طلب تسجيلات بحوزة «نيويورك تايمز» طرفاها سفير قطر في مقديشو، ورجل أعمال قطري متعاون يدعى خليفة المهندي.
يبرر المهندي تفجيرات في الصومال بأن العنف هو الذي سيرغم «الإماراتيين» على الخروج الاقتصادي من الصومال، معترفاً بأن قطر «الإرهابية» تقف وراء تلك التفجيرات. هذا الاعتراف الذي يتسق مع السياق القطري منذ منتصف التسعينات، يدل على تورط قطر في ملف الإرهاب بشكل ممنهج.
أما أول الحكاية، فإن الإمارات كانت أول دولة عربية عملت في الصومال وفي أحلك الظروف، وعملت بكل طاقتها من خلال خطة لدعم الازدهار والاستقرار في بيئة غير مؤهلة، وملابسات صعبة جداً، وقد كان ذلك تحدياً حقيقياً وعلى الأرض لمواجهة تنظيم الشباب الإرهابي، وتطويق تأثيره السلبي في حياة المجتمع الصومالي.
دعمت دولة الإمارات الشعب الصومالي في فترة لم تكن في مشهدها إلا بعض الدول الغربية فقط، وصولاً إلى إجراء الانتخابات الرئاسية، إلى أن بدأت قطر وتركيا التدخل في الشأن الصومالي، خصوصاً عبر رجل قطر سعد ياسين، الذي كان عمل سابقاً في قناة «الجزيرة» «الإخوانية» الإرهابية.
من ذلك المنطلق، رأى المتابعون مجموعة من العقبات تعرض لها نشاط الإمارات في الصومال، ربما كانت أبرزها حادثة احتجاز طائرة ومصادرة مبلغ تسعة ملايين دولار، كانت مرسلة للإنفاق على معاشات المتدربين الصوماليين الذين كانت دولة الإمارات تدربهم بعلم الحكومة الصومالية وتشجيعها.
بعد ذلك، اختارت دولة الإمارات تقليص نشاطها في الصومال مع الإبقاء على سفارتها، وقد اتضح للصوماليين أن دعم الإمارات العملي وعلى الأرض، لا يمكن مجاراته بما سمي «الأموال القطرية»؛ لأن قطر ليست لديها إمكانيات حقيقية، وليست لديها غير الدعاية الإعلامية، وقاد ذلك الحكومة في مقديشو إلى طلب التوسط عبر العديد من الجهات لإعادة العمل والنشاط الإماراتيين مع الصومال، والاعتذار عن تصريحات حادث المطار، ذلك الذي أساء للصومال أكثر مما أساء لدولة الإمارات.
بعض سعي قطر إلى السيطرة على مقدرات الصومال والقرن الإفريقي، ولا يعني قطر بعد ذلك أن «تكتشف» على حقيقتها، أو تملأ فضائحها الآفاق، فالفضيحة نتيجة منطقية للتكتيكات الصغيرة. وفي موضوع قطر والصومال، فإن الفضيحة حتماً لسان الحال.
لم تتوقف الإمارات عن العمل وممارسة دورها التنموي الخلاق، فبدأت بالنشاط الاقتصادي في أرض الصومال، بالإضافة إلى الاستثمار ومن ضمنه الاستثمار في الموانئ وفي القطاع اللوجستي، والمثال ذو صلة بأن دولة مثل إثيوبيا يقطنها 100 مليون ساكن تحتاج بالضرورة إلى أكثر من ميناء يخدم اقتصادها.
هذه الخلفية ضرورية لكي يفهم القارئ العزيز سياق التصعيد الإرهابي الخطير الذي أوردته «نيويورك تايمز»، كاشفة عن تورط أحد مرافقي أمير قطر وهو خليفة المهندي، في التفجيرات التي حدثت في بوساسو الصومالية، وبلسانه وفق التسجيلات الموثقة، قال إن من شأن العنف إجبار من يتبع دبي على الفرار من هناك، مضيفاً: «اسمح لهم بطرد الإماراتيين حتى لا يجددوا العقود معهم، وسأحضر العقود هنا إلى الدوحة».
الدوحة لم تنفِ صحة التسجيلات، لكنها تملصت أو تنصلت من أن يكون المهندي معبراً عنها، شأنها في الكذب «الممنهج» أيضاً، والذي بات جزءاً من سياستها الداخلية والخارجية.
الإرهابي القطري المهندي، يشير إلى العقود الحكومية الموقعة مع موانئ دبي العالمية لإدارة الموانئ في كل من بوساسو وصوماليلاند.
إن ذلك يبين وبشكل قاطع التصعيد الخطير الذي اتخذته قطر عبر اللجوء إلى التفجير والإرهاب وقتل المدنيين، نحو الحصول في هذه الحالة على عقود تجارية واستثمارية، كما أن هذا التصعيد الإرهابي المتخذ من دولة التطرف والإرهاب والظلام، يؤكد طريقة إدارة قطر لأزمتها، حيث الركض إلى الأمام قفزاً على كل حقائق وتقاليد وقوانين الواقع، وحيث الغاية تبرر الوسيلة، خصوصاً إذا كانت إحدى الدول الأربع الداعية إلى مكافحة الإرهاب، طرفاً، وخصوصاً دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية الشقيقة.
وقس على ذلك ما شئت، فقطر تلجأ في كل أمورها إلى ذلك، ولا تهتم إلا بتحقيق فكرتها الحزبية الضيقة، مهما كانت النتائج والأثمان الباهظة والدماء.
وذلك هو الفرق، في المختصر الشديد المفيد، بين دولة تنتج وتصدر الأمل والتفاؤل والسلام والتنمية، وتعمل على تكريس الأمن والاستقرار أينما كانت كدولة الإمارات، و«دولة» كقطر تنقصها معظم مقومات الدولة، فتخرب هنا وهناك، وتزرع الفتن والانقسامات؛ بل لا تتورع عن التفجير والإرهاب كوسيلة لتحقيق أغراضها الخبيثة، وما حدث في الصومال مجرد شاهد، فيما سجل قطر مع العنف والتطرف والإرهاب كبير، والتاريخ لا ينسى ولا يرحم.

نقلا عن الخليج

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى