في ظل تهديدات متزايدة.. طهران تعيد هيكلة منظومتها الدفاعية

أعادت إيران تشكيل مجلس الدفاع الوطني في خطوة تعكس الحاجة إلى تعزيز التنسيق بين المؤسسات السياسية والعسكرية في ظل متغيرات إقليمية متسارعة وصراع بين التيارات السياسية والعسكرية بالداخل عقب الاختراقات الأمنية.
ويأتي القرار في أعقاب حرب الاثني عشر يوماً مع إسرائيل، وما كشفت عنه من ثغرات في إدارة القرار الدفاعي. إضافة إلى سياقات داخلية تتعلق بإعادة ترتيب البنية الأمنية وتوزيع الأدوار بين مختلف القوى.
-
رسائل تهدئة إيرانية.. لاريجاني يتسلّم ملف الأمن القومي
-
المعارضة الإيرانية في الخارج تكثف تحركاتها الدولية لإسقاط النظام
ويُنظر إلى المجلس الجديد كإطار مؤسسي يهدف إلى رفع كفاءة الاستجابة للأزمات. وتفعيل آليات صنع القرار بعيداً عن التسييس، مع الحفاظ على الانسجام بين القيادات المدنية والعسكرية.
ويُعد مجلس الدفاع الوطني الذي صدر قرار رسمي بتشكيله مؤخرا في إيران أحد أبرز الهيئات العليا المعنية بتنسيق السياسات الأمنية والعسكرية للبلاد.
ويضم هذا المجلس في عضويته كبار المسؤولين المدنيين والعسكريين ويتولى اتخاذ قرارات استراتيجية في أوقات الأزمات والطوارئ.
-
بعد التصعيد مع إسرائيل.. إيران تُنشئ مجلسًا للدفاع القومي في اعتراف غير مباشر بالفشل
-
«مباحثات الصراحة».. إيران وأوروبا في سباق الزمن لتفادي تفعيل العقوبات
ترقب لهجمات إسرائيلية
وتعقيبا على ذلك، قال الخبير المتخصص في الشؤون الإيرانية الدكتور أحمد لاشين خلال مقابلة مع “العين الإخبارية” إن مجلس الدفاع الوطني ليس بمجلس جديد على الساحة السياسية الإيرانية، حيث كانت بدايته منذ الحرب العراقية الإيرانية .وتم من خلاله قيادة شؤون الحرب في تلك المرحلة. وعاود الظهور حاليا بعد حرب الاثني عشر يوما بين إيران وإسرائيل، في يونيو/حزيران الماضي.
ويتبع مجلس الدفاع الوطني الإيراني دستوريا رئيس الجمهورية لأنه منبثق من المجلس الأعلى للأمن القومي الذي يرأسه رئيس الجمهورية. فيما لفت لاشين إلى أن دلالة تشكيل هذا المجلس في هذه المرحلة تكشف عن عدة أمور على رأسها الاستعداد لأي مواجهة عسكرية محتملة مع إسرائيل. مرجحا في الوقت نفسه احتمالات تجدد المواجهة العسكرية بين الطرفين بسبب التهديدات المتبادلة.
-
في سابقة منذ حرب العراق.. إيران تُعيد تفعيل مجلس الدفاع الوطني
-
واشنطن تضرب اقتصاد طهران مجددًا.. وإيران ترد بمطلب تعويضات
ووفق الخبير المتخصص في الشؤون الإيرانية فإن هناك إعادة هيكلة كاملة للعديد من المؤسسات العسكرية التي بدأت بتغير عدد من القيادات. وإعادة تموضع لأسلحة الدفاع الجوي وغيرها خاصة في مناطق وسط وجنوب إيران. مستطردا أنه كان لزاما أن يتطور الأمر إلى إعادة إحياء لمجلس الدفاع الوطني الذي سوف يقود كل العمليات العسكرية وإعادة الهيكلة بكل أشكالها.
ويري لاشين أن مجلس الدفاع الوطني الإيراني يتشكل من كافة القيادات الأساسية في الحياة العسكرية الإيرانية في محاولة للسيطرة على النفوذ العسكري .والسياسي للحرس الثوري الإيراني، الذي ازداد نفوذه بقوة خاصة بعد حرب الاثني عشر يوم.
-
اتهامات غربية: إيران تدير شبكة اغتيالات دولية
-
إيران تضبط خطوط التهريب: إعادة هيكلة لشبكات تسليح الميليشيات
-
إيران وسلاح نووي: هل ضُرب البرنامج أم استمر في التقدم؟
وقد انعكس هذا النفوذ في العديد من التصريحات السياسية التي كان أبرزها على لسان وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي الذي ألمح إلى أن “وقف إطلاق النار مع إسرائيل. قد مر بأزمة حقيقية بين القيادة السياسية والعسكرية وانتصرت الرؤية العسكرية في الضربة الأخيرة ضد إسرائيل”.
يعكس أزمات قوية
وأكد خبير الشؤون الإيرانية الدكتور أحمد لاشين أنه “لا يوجد تعارض حقيقي بين مجلس الدفاع الوطني وبين القيادات العسكرية على المستوى الدستوري .لكن هناك محاولة للحد من النفوذ السياسي والقدرة على اتخاذ القرار أمام الحرس الثوري، ومن المهم أيضا الإشارة إلى تغير في أمانة المجلس الأعلى للأمن القومي بتعيين على لاريجاني. والذي يعد محاولة من الدولة الإيرانية لتعيين رمز سياسي يميل للتيار المحافظ مع البعد عن التيار المتشدد”.
-
حرب الـ12 يوماً تركت أثرها.. شعور بالأمن المفقود في الشارع الإيراني
-
إشادة أمريكية بعملية نوعية لوقف تهريب أسلحة إيرانية إلى الحوثيين
“ومع الأخذ في الاعتبار تاريخ علي لاريجاني السياسي وقربه من المرشد الإيراني علي خامنئي وعدم خلافه الصريح مع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان. رغم معارضته (لاريجاني) لتيار الإصلاحيين خاصة في ملف المفاوضات مع الغرب. لكنه قد يستطيع أن يقود الأزمة السياسية- العسكرية الراهنة عقب حرب الاثني عشر يوما بطريقة تميل للاعتدال بعيدا عن سيطرة التيار المتشدد أو الميول الغربية الإصلاحية”، بحسب لاشين.
وأشار إلى أن “إيران استطاعت أن تعيد صياغة الأزمة عسكريا سياسيا بشكل ما. لكن مجرد تشكيل مجلس الدفاع الوطني يعكس أزمات قوية في الداخل سواء صراع التيارات أو أزمات الاختراقات الأمنية وصولا إلي الإشكالية العسكرية. فيما يتعلق بتطوير الأسلحة الدفاعية أو تغير توزيعها”.
-
فضيحة تجسس في الجيش الإسرائيلي تكشف تغلغلا إيرانيا
-
النفوذ الإيراني في العراق يتراجع بفعل ضغوط داخلية وخارجية
وأضاف: “ملف المفاوضات أصبح من الملفات المعقدة في الداخل قبل الخارج لأن صراع التيارات ينعكس بقوة على مرونة المفاوض الإيراني بين الرغبة في استكمال المفاوضات خاصة. بعد الحرب وبين الرفض التام لخوض أي عملية تفاوضية سواء مع أمريكا أو دول الترويكا. ولذلك أعتقد أن تأسيس مجلس الدفاع الوطني وتعيين علي لاريجاني على رأس مجلس الأمن القومي ومع علاقاته الدولية قد يصل إلى صيغة وسطية حتى في ملف التفاوض”.
بدوره، سلط الباحث في الشؤون الإيرانية أحمد فاروق الضوء على دستورية إحياء مجلس الدفاع الوطني إنفاذا للمادة ١٧٦ من الدستور الإيراني وبرئاسة رئيس البلاد .بما يعني أنه مجلس فرعي تابع للمجلس الأعلى وقراراته نافذة بعد تصديق المجلس الأشمل عليها.
-
جهود إسرائيلية لعرقلة إعادة بناء الترسانة العسكرية الإيرانية
-
قلق أمريكي متزايد: قدرة إيران النووية ما تزال تشكّل تحدياً عسكرياً معقّداً
وحسبما ذكر المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني. يركز مجلس الدفاع الوطني على دراسة الخطط الدفاعية والارتقاء بقدرات القوات المسلحة. ويُشكل مجلس الدفاع الوطني برئاسة رئيس الجمهورية أو أحد أعضاء المجلس الأعلى بتعيين من الرئيس.
ويضم مجلس الدفاع الوطني الإيراني في عضويته بجانب رؤساء السلطات الثلاثة وقائدا الحرس والجيش وعدد من الوزراء المعنيين (الدفاع والاستخبارات والداخلية) .والجديد قائد قاعدة خاتم الأنبياء المركزية التي تلعب دور غرفة العمليات في الجيوش التقليدية .والذي لم يكن موجودا في تشكيلة المجلس الأعلى للأمن القومي.
ولفت فاروق في تصريحات إلى أن الإعلان عن تشكيل مجلس الدفاع الوطني تزامن مع ما يدور في الأروقة السياسية الإيرانية عن احتمالية إدخال تغييرات على بعض الجهات الأمنية في البلاد. كما أن إحياء المجلس ربما يكون بداية إحياء مجلسين آخرين هما مجلس الاستخبارات .والذي قد يتولاه رئيس السلطة القضائية، ومجلس الأمن الوطني/الداخلي (هناك مجلس بالفعل تحت هذا المسمى يتولاه وزير الداخلية بصفته).
3 سياقات
وبحسب الباحث المتخصص في الشؤون الإيرانية، يأتي تأسيس مجلس الدفاع الوطني في عدّة سياقات؛ السياق الأول، كنتيجة لتداعيات الحرب الإيرانية الإسرائيلية. إذ وبحسب مصادر شُكّل هذا المجلس مؤقتًا خلال الحرب واستلم التوجيه إلى أن أعلن رسميًا عن تشكيله.
وأظهر فراغ الـ ١٥ ساعة تقريبًا من عدم رد إيران على الهجمات الإسرائيلية خلال اليوم الأوّل للحرب عن أزمة في عملية اتخاذ القرار الاستراتيجي العسكري. فضلًا عن التهديدات التي أحاطت بعملية اجتماعات المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران (أعلن عن استهداف أحد الاجتماعات بحضور رؤساء السلطات الثلاثة من بينهم رئيس الجمهورية).
لذلك من أهم الأهداف الاستراتيجية للمجلس الجديد سرعة العمل في اتخاذ القرارات الخاصة بالدفاع، والارتقاء بالتآزر بين الجهات العسكرية والسياسية للرد المؤثر على التهديدات الموجودة.
السياق الثاني، الأزمة التي تعيشها إيران في ظل طغيان التسييس على أبرز التحركات التي يتخذها المجلس الأعلى، وهو ما تجلى في تصريحات أدلى .بها كبار المسؤولين مثل عباس عراقجي وعلي أكبر صالحي. ليكون مجلس الدفاع الوطني مجلس متخصصًا خاليًا من السياسة يصادق على قراراته داخل المجلس الأعلى للأمن القومي.
السياق الثالث، التحوّل الداخلي الذي بدأ منذ وفاة الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي وتتسارع وتيرته بطبيعة الحال بعد الحرب الإيرانية الإسرائيلية وعلى رأسه الاستعداد لمرحلة الانتقال (انتقال قيادة إيران من خامنئي-سواء بالموت أو الاغتيال- إلى خلفه). وبالتالي فالمجلس ضمن ما يهدف إليه إيجاد تغيير في أمانة المجلس الأعلى للأمن القومي وما يطرح .بشأن عودة علي لاريجاني كرمز لعودة الاعتدال وبما يمثله من عودة تحالف رجال الدين والتكنوقراط البيروقراطيين وهو دور لطالما لعبه لاريجاني بين التيارات الإيديولوجية والنخب التكنوقراطية.
واستكمل الباحث في الشؤون الإيرانية أحمد فاروق حديثه قائلا: “لكن غير واضح التنظيم الرسمي لمجلس الدفاع الوطني فضلا عن آليات إدارته وسلطاته في اتخاذ وتنفيذ القرارات وكذلك الشخص الذي سيتولى رئاسة مجلس الدفاع الوطني. وعلى الرغم من أن هذا المجلس يترأسه وفقا للدستور رئيس إيران لكن في ظل الانشغال وعدم وضوح تصور المجلس الهيكلي خاصة. ما يتعلق بأمانته من عدمه وإمكانية أن يتولى أحد آخر غير الرئيس رئاسة المجلس بصفته العسكرية. لذا من المرجح أن تقع مسؤولية إدارة مجلس الدفاع الوطني الإيراني على عاتق علي أكبر أحمديان، الأمين السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني”.