فلسطين.. ماهو الحل؟
سبعون سنة مرت على العرب دون تحريك ساكن في القضية الفلسطينية، بل إنها مرت ونحن غارقون تحت معتقد خاطئ؛ بأن تحرير فلسطين لا يمكن إلا بالتنديد والشجب والاستنكار والصراخ على المنابر وحرق الأعلام وعدم زيارة المسجد الأقصى بدافع أنه تحت الاحتلال الإسرائيلي، سبعون سنة ونحن نعتقد بأن نصرة فلسطين لا يمكن أن تكون إلا من خلال ملايين الدولارات التي نرسلها ظنًا منا بأنها تذهب لإعمار فلسطين وإحياء شعبها، إلا أنها طوال هذه السنين تذهب لحسابات تجار القضية وداعمي الانقسام الفلسطيني وتجارتهم وعقاراتهم خارج فلسطين!! .
المعاهدة الإماراتية الإسرائيلية جاءت لتمحص الجد من الهزل ولتضع النقاط على الحروف، أوليس إيقاف الضم هو الأمر الذي أزعج السلطة الفلسطينية ونددت وشجبت واستنكرت ثم استنفرت العرب للوقوف في وجه هذه الخطة التي يعتزم القيام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي؟ إذًا ما الضير في إبرام هذه المعاهدة بين الإمارات وإسرائيل بضمان أمريكي وبشرط تستند عليه خارطة العلاقات الثنائية بين البلدين، رغم أننا نتفهم سبب غضب البعض من الغارقين في وحل التمني والأمل بأن فلسطين ستعود يومًا بالصمود المسلح بالكلام وذخيرته الصراخ وصواريخه الشجب والتنديد الذي لم ينتج عنه سوى تآكل الأراضي الفلسطينية وانقسام السلطات فيها، وهم (العاطفيون) ممن يعيشون نعيما وسلاما إما في دولة غير دولتهم وجنسية أخرى غير جنسيتهم، دون أن يدركوا بأن هناك أرضا كلما زاد التمنع عن البحث في حلول واقعية حقيقية لها ستبقى في جحيم لا يدركه أحد سوى شعبها الذي يقيم فيما تبقى له منها.
بعض أولئك الممتعضين العاطفيين لا يدرك بأن المعاهدة بين النبي صلى الله عليه وسلم ويهود المدينة بعد هجرته إليها مباشرة وفي أوائل أيامه بها، كانت سببًا في بناء دولة إسلامية قوية استطاعت نشر رسالتها بعد أن كفت نفسها الانشغال بما من شأنه أن يؤثر عليها وهي في بدايتها، وكفت نفسها الشر من عداوة محتملة ومؤامراتها هنا وهناك، وهذا هو حالنا اليوم حيث المشهد في الشرق الأوسط والوطن العربي على صفيح ساخن من المؤامرات والدسائس واستغلال قضية فلسطين التي هي قضية سياسية كما هي قضية دينية (فمن لا يقف مع القضية الفلسطينية لا يعني بأنه قد ترك الإسلام) وهذا ما لا يقبله أي عربي حر، وما لا تقبله دولة الإمارات بتاتًا، فقضية فلسطين وحق شعبها في أراضيه المغتصبة، وفي حرياته المنتهكة ثوابت لا زعزعة فيها ولا انفصام، فقد توحدت الإمارات وفي نواتها هم القضية الفلسطينية كجزء لا يتجزأ من مصير عروبتنا وإسلامنا وأمننا وسلامنا، وهذا ما دأبت عليه الإمارات في عدم التنازل عن القضية الفلسطينية وعن شعبها، ولكن في ذات الوقت فالإمارات دولة سلام وتسامح وتعايش أينما وجدت لذلك سبيلا، ودولة لا تعمل بالخفاء ولا ترتدي الأقنعة في توجهاتها، ولكن للأسف هناك من يستغل هذا التضامن الرصين من الإمارات ومن العرب والمسلمين بشكل عام لتحقيق مصالح بحتة لأشخاص أو دول بعينها، تتاجر باسم فلسطين وقضيتها، ولعل أقرب مثال على ذلك إيران التي تردد في المنابر ومن خلال أذنابها من دول ومنظمات وميليشيات دائمًا الموت لإسرائيل الموت لأمريكا، ولكن في الواقع المحسوس والحقيقي لا موت على يدها ومن يتبعها إلا للعرب والمسلمين على الرغم من اقترابها من حدود إسرائيل في أكثر من موضع.
دولة الإمارات دولة واضحة وشفافة ولا تجيد سوى العمل الصادق والجاد والذي يرتب آثاره على أرض الواقع، وهي تدرك أن استمرار النزاع الفلسطيني الإسرائيلي لا طائل منه سوى المزيد من الفوضى وزعزعة الاستقرار، لأسباب عديدة منها أن هذه القضية أصبحت مسمار جحا في تدمير الوطن العربي فتركيا تعيث فيه فسادًا تحت شعار أنها تمهد للانقضاض على إسرائيل ولست هنا لأبين مدى انبطاح تركيا وخضوعها لتل أبيب، وهناك إيران التي تبث الإرهاب والتطرف في الشرق الأوسط وتهلك الحرث والنسل بدعوى قتالها ضد إسرائيل، وهناك الدويلة الصغيرة جدا قطر التي تستغل قضية فلسطين لتتعامل مع إسرائيل من تحت الطاولة مقدمةً نفسها وسيطًا لتنفيذ أجندة يعتقد العالم الغربي بأنه قادر على تحقيقها في ظل هذا الضعف العربي، وأخيرًا السلطة الفلسطينية المنقسمة والتي لا يمكن لها أن تتوحد إلا ضد كل ما هو في مصلحة فلسطين ووحدة أراضيها وسلامة شعبها، فكيف لمن يريد أن يكون وسيطًا في تحقيق حل الدولتين بين فلسطين وإسرائيل أن يتدخل في ذلك وهو أمام انقسام في السلطات بين الضفة الغربية وغزة؟
إذا ما هو الحل من أجل منطقة شرق أوسط أكثر أمنًا واستقرارا؟ هل الحل في الامتناع عن التفاهم مع إسرائيل والوصول معها لنقطة مشتركة تعيد للمنطقة أنفاسها وتسهم في دفع عجلة التطور والنمو وتحقيق المنجزات وإعادة الأمجاد العربية في العلوم والحضارة؟. إننا بحاجة حقيقية وماسة إلى خلق بيئة هادئة ومستقرة في المنطقة ولو لفترة من الزمن تكون خالية فيها من الاضطرابات والنزاعات والحروب حتى تلتفت الدول العربية لمستقبلها ومستقبل شعوبها، وتركز على العلم والمعرفة والنهضة، وتشد عضدها بسلاح لا يمكن قهره هو سلاح العلم، الذي متى تمكنت منه وأحسنت الاستفادة من نتائجه زادت قوتك وهيبتك وأصبحت في مكانة لا يستهان بها وتملك قدرة عالية في الدفاع عن مصالحك واسترداد حقوقك، أما مسألة أن نستمر في قطع العلاقات تحت أي حجة ونشاهد فلسطين تتآكل يومًا بعد يوم وشعبها يشرد ويعاني ويذوق الأمرين، ونكتفي بنصرتها باتهام الآخرين وحرق الأعلام والصراخ على المنابر فهي من الحماقة بمكان لا يمكن وصفه، فقضايانا العربية تحتاج إلى قوة سياسية واقتصادية وعسكرية واجتماعية تكاد تكون معدومة في زمننا هذا ومتوفرة وبقدر عال لدى إسرائيل لوحدها أو مجتمعةً مع حلفائها.
فلنتوقف عن الضحك على أنفسنا ولننسلخ من شعارات أكل الدهر عليها وشرب، ولنقف وقفةً صادقة مع هذه الخطوة الحكيمة التي أقدم عليها رجل السلام صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، فهي خطوة تستحق الاحترام والتقدير والتأييد، وهي محل ذلك لدى العقلاء والمدركين للخطر الذي تمضي فيه المنطقة دون سلام وأمن وأمان، خطوة جريئة من رجل شجاع سيسطرها التاريخ كما سطرت سيناء للسادات حضنها الدافئ في مصر وجحده من جحد آنذاك ثم عضوا أنامل الندم، ليت من كانوا في زمنه وافقوه لما ذهب إليه، خطوة حاسمة وضعت من يتشدق بالقضية الفلسطينية أمام اختبار صعب جدًا فقد فتحت أنظار العالم إليهم، فها هي أرض فلسطين قد توقف عنها الزحف الإسرائيلي، فماذا أنتم فاعلون؟.
نقلا عن العين الإخبارية