سياسة

فصول في تواتر الصراعات العرقية


سبق أن عرض التلفزيون الأمريكي محطة “إيه بي سي” مسلسلاً عن تاريخ الأمريكيين السود.

في الولايات المتحدة ما بين 23 و30 يناير/كانون الثاني من عام 1977م، وذلك من خلال بحث عن الجذور العائلية قام به أحد الكتاب الأمريكيين السود المشهورين -أليكسي هيلي- وقد قام الكاتب بتتبع جذور إحدى العائلات الزنجية وتاريخ استعبادها وانتهى إلى وضع كتاب تحت اسم الجذور، ومن هذا الكتاب أخذ سيناريو لعدة حلقات تلفزيونية مدتها تسع ساعات، عرضت على مدى ست أمسيات، وفي أعقاب عرض هذه الحلقات طرأت عدة ردود فعل داخل المجتمع الأمريكي تتراوح بين إشعال روح القومية والكبرياء في أوساط الشباب السود بأنهم شعب كان ذا حضارة قضى عليها الاستعمار عن طريق استجلابهم إلى أمريكا ومحاولة تحطيم نفسياتهم وجعلهم يكرهون لونهم ومعاملتهم كأنهم أنصاف من البشر.

وبغض النظر عن ردود أفعال مسلسل الجذور، فإن مسلسل التمييز العنصري ضد الأمريكيين السود ما زال قائماً، ولم تنتهِ فصوله في المناطق التي يسكنها الأمريكيون السود، ولكن في حالة العنصريين البيض تنتشر ثقافة الإنترنت خلال الحركة.

وفي مدينة شيكاغو بالولايات المتحدة أشارت الإحصاءات الميدانية إلى أن 72 في المئة من ضحايا فيروس كورونا المستجد حتى مطلع أبريل/نيسان كانوا من ذوي البشرة السمراء، رغم أنهم لا يمثلون إلا ثلث سكان المدينة، وفي ولاية جورجيا، شكّل ذوو البشرة البيضاء 40 في المئة من المصابين، رغم أنهم يمثلون 58 في المئة من سكان الولاية.

ويجري توجيه الأتباع في كل أنحاء العالم للمبادرة والقيام بأي أعمال عنف يستطيعون القيام بها، مستخدمين أسلحة يستطيعون الحصول عليها، وأن يسجلوا على شكل فيديو -إن أمكن- أنهم يقومون بذلك لتنظيم داعش، وكانت استراتيجية داعش الإعلامية متقدمة على المجموعات الإرهابية السابقة، ولكن العنصريين البيض استمروا في دعايتهم واستراتيجيتهم الإبداعية التي تشبه تلك الخاصة بتنظيم داعش، فيديوهات منتجة بشكل احترافي وصور محررة عادة من فيديوهات ألعاب عنف لإصدار تهديدات فظة وجر الأتباع من مواقع التواصل الاجتماعي، وتعتبر مثالية للتجنيد إلى المواقع المشفرة ويتبادلون فيها المعلومات عن كيفية تعليم المتفجرات، وتتم مناقشة الأهداف المحتملة وتجري عملية الحشد الحقيقي.

وضمن هذا السياق يخشى المسؤولون في ألمانيا على وقع ما جرى من عمليات اقتحام البرلمان الأمريكي، وحذر ماركوس زودر، رئيس وزراء ولاية بافاريا جنوب، والخليفة المحتمل للمستشارة أنجيلا ميركل، من خطورة الجماعات اليمينية المتطرفة التي تشكل حالياً الجزء الأكبر من الحركات المناهضة لكورونا، ويراودهم الخوف والقلق من أن تتحول لتنظيمات عنيفة، ومعظمهم من اليمين المتطرف، حاولوا في نهاية أغسطس/آب الماضي اقتحام مقر البرلمان الألماني، ووصلوا لسلم المبنى، لكن الشرطة استطاعت صد المحاولة، وهؤلاء يمثلون تهديداً إرهابياً في جميع أنحاء أوروبا.

وفي المملكة المتحدة، كان 35 في المئة من حالات الإصابات الأولى بفيروس كورونا المستجد ينحدرون من أقليات عرقية، مع أن الأقليات العرقية لا تمثل إلا 14 في المئة فقط من سكان إنجلترا وويلز، غير أن هذا التأثير غير المتناسب للجائحة لم يكن إلا مثالاً على انعكاسات انعدام المساواة والتمييز العنصري على الصحة، ولا تزال فرص الأشخاص الذين ينحدرون من أقليات عرقية في الكثير من البلدان، أقل من فرص نظرائهم البيض في الحصول على الموارد، وتحمل مدينة ليفربول الإنجليزية إرثاً كبيراً فيما يتعلق بتجارة الرقيق، وإن شارعي كانليف وسير توماس في المدينة سميا تيمناً بمالكي أول سفن عبيد مسجلة لمغادرة المدينة في شمال غرب إنجلترا، فضلاً عن شوارع أخرى مرتبطة بعائلات توارثت هذه المهنة. وفي فرنسا وضمن التحركات الشعبية، تتصاعد حدة المظاهرات الحاشدة المناهضة للعنصرية، وتتواصل الاحتجاجات على العنصرية وعنف الشرطة مع السود والأقليات العرقية.

إن جزيرة العبيد السنغالية تغيّر اسمها، وأُطلقت عليها ساحة الحرية وكرامة الإنسان، وشهد العالم تدمير تماثيل أقيمت لتكريم تجار الرقيق، وأزيلت استجابة للرأي العام، وصدّق مجلس بلدية الجزيرة بالإجماع على مشروع القرار الذي يقضي بتغيير اسم الجزيرة، ويأتي القرار إثر احتجاجات حول العالم ضد المظالم التي تعرض لها أصحاب البشرة السمراء، ومطالب بإزالة هياكل وتماثيل الشخصيات التي لها تاريخ استعماري، وتغيير أسماء الشوارع والميادين التي تحمل أسماءهم.

وجون أودونيل في كتابه Trumped الذي نشره عام 1991م تطرق إلى ما قاله دونالد ترامب عن هؤلاء السود: “لدي محاسبون سود في قلعة ترامب وفي ترامب بلازا، ولدي رجال سود يحصون لي أموالي، أكره ذلك النوع الوحيد من الناس، والذين أريدهم أن يحصوا أموالي هم الرجال قصار القامة الذين يرتدون الطاقية اليهودية، هؤلاء فقط هم من أريد منهم إجراء الحسابات على أموالي، لا أحد آخر، بالإضافة إلى ذلك، أقول لك شيئاً آخر أعتقد أن الرجال السود الذين يعملون لدي كسالى وربما هذا ليس من الخطأ، لأن الكسل هو سمة في السود”، واعترف دونالد ترامب في مقابلة له في عام 1997م بأن المعلومات الواردة في الكتاب على الأرجح صحيحة.

ولكن هذا الاندماج المكاني الفاصل ما بين من يؤجج نيران المهاترات العنصرية وما يولده من إحساسات عميقة بإظهار سوءات العنصريين وأحقادهم المترعة غيظاً وحنقاً، وتلك الانتفاضات وسلسلة المشاهد المأساوية المرافقة لأوضاع ذوي البشرة السمراء في فرنسا وبريطانيا وألمانيا والولايات الأمريكية، تشكل تعبيراً في مجملها عن حالات من الحرمان في مجتمع سدد على هؤلاء قمعاً وأحدث في أوضاعهم مواجعَ مؤثرة وصدوعاً أرّقت حياتهم وزادتهم نيراناً مستعرة كلما انطفأت أو همدت أججها بعض الذين يتلذذون في إضرامها لتعذيبهم وتصعيد أوار الفتنة في المجتمعات البشرية.

تابعونا على
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى