سياسة

عودة سفير الإمارات إلى إيران.. لماذا؟

محمد خلفان الصوافي


قررت دولة الإمارات يوم الأحد الماضي، الموافق 21 أغسطس، عودة سفيرها لدى إيران، وذلك بعد أكثر من 6 سنوات على استدعائه في 4 يناير 2016.

وقبل الخوض في أبعاد هذه الخطوة وما تعنيه من دلالات سياسية، لا بد من الإشارة إلى أن هذا القرار حظي بترحيب رسمي وإعلامي كبيرين في العديد من الدول.. ما يؤكد أنها خطوة في محلّها وفي الاتجاه الصحيح على المستوى الثنائي الخاص بالعلاقات بين البلدين، والمستوى الإقليمي الذي تسعى الإمارات فيه إلى إرساء مبدأ التعاون والتفاهم لتحقيق الاستقرار الإقليمي في المنطقة، وفق دبلوماسيتها الداعمة للسلام.

وبنظرة أكثر عمقًا إلى هذه الخطوة المهمة، يمكن استنتاج أن القبول الواسع والاستحسان الذي حظيت به، يؤكد أن العلاقات بين دولة الإمارات وإيران تتطور بوتيرة متوازنة ووفق معطيات ومحددات موضوعية.. وبالتالي لم تكن خطوة رفع التمثيل الدبلوماسي إلى مستوى السفراء وعودة السفير الإماراتي إلى طهران مفاجئة ولا بعيدة عن السياق الطبيعي لاتجاه العلاقات.

وليس المقصود سياق العلاقات الثنائية فقط، وإنما أيضا العلاقات بين دول المنطقة في إطارها الإقليمي.

لا بد هنا من العودة إلى ظروف سحب الإمارات لسفيرها من طهران، فقد جاءت الخطوة تضامنا من الإمارات مع المملكة العربية السعودية على خلفية تعرض السفارة السعودية في طهران والقنصلية في مدينة “مشهد” لاعتداءات وشغب.

ولما كانت الدول مسؤولة عن حماية البعثات الدبلوماسية وتأمين منشآتها وأفرادها، كان من الضروري اتخاذ موقف قوي من جانب المملكة والدول الشقيقة، وعلى رأسها دولة الإمارات.

ولدعم أي إشارات إيجابية والرغبة في إقامة علاقات مستقرة إقليميا، خصوصا تجاه دول مجلس التعاون الخليجي.. اتخذت دولة الإمارات خطوتها بعودة سفيرها إلى طهران، لمباشرة مهام عمله من باب الدبلوماسية الإماراتية الباعثة على الاستقرار والسلام والتشارُك.

وقد تجسدت الرغبة المتبادلة في تطوير العلاقات بين الإمارات وإيران عبر مؤشرات إيجابية على أكثر من صعيد، أبرز تلك المؤشرات: الاتصالات واللقاءات المباشرة بين المسؤولين من الدولتين لفتح قنوات التواصل وآفاق الحوار والتفاعل المباشر بما يخدم المصالح الثنائية والاستقرار الإقليمي.

ويمكن بسهولة ملاحظة ارتفاع وتيرة الاتصالات بين المسؤولين رفيعي المستوى خلال العامين الماضيين بصفة خاصة.. سواء بلقاءات مباشرة، كان من أهمها زيارة سمو الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، مستشار الأمن الوطني الإماراتي، إلى طهران، في ديسمبر الماضي.. فضلا عن الاتصالات الهاتفية بين كبار المسؤولين في البلدين، والتي كان من أحدثها وأهمها الاتصال الهاتفي الذي تلقّاه الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية الإماراتي، من نظيره الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، في 26 يوليو الماضي.

وفي ذلك الاتصال جرى الاتفاق على استئناف التمثيل الدبلوماسي على مستوى السفراء بين البلدين. 

ومن المهم في هذا الصدد، التذكير بأن التضامن سياسيا ودبلوماسيا مع السعودية في مواجهة التعدي على منشآتها الدبلوماسية في إيران، كان تأكيدًا عمليًّا بأن حسابات وتقديرات دولة الإمارات للعلاقة مع إيران وكيفية إدارتها لا تنطلق فقط من أبعادها الثنائية، وإنما تأخذ في حسبانها البُعدين الإقليمي والعالمي. بما يعنيه ذلك من إيلاء مصالح وأمن الدول العربية الشقيقة ما تستحقه من اعتبار.. وهو ما ينطبق أيضا على مراعاة دولة الإمارات دائمًا في سياساتها ومواقفها الاستقرار الإقليمي والسلام والأمن بالنسبة لدول المنطقة كافة.

بالتالي، فإن تنامي الرغبة لدى دول المنطقة في تحسين وتصفية الأجواء الإقليمية بشكل عام يتوافق مع جوهر السياسة الإماراتية. ومن أهم التطورات ذات الصلة في هذا الخصوص، الإشارات الإيجابية المتبادلة بين إيران والمملكة العربية السعودية، والتي تطورت إلى مباحثات وجولات حوار متعددة جرت في العراق خلال العامين الماضيين.

التوجه الإماراتي والإيراني نحو تحسين العلاقات بينهما، ليس منفصلا عن سياق التطورات الإيجابية على صعيد العلاقات الإقليمية بين دول المنطقة بشكل عام، خصوصا بين إيران والدول الخليجية والعربية الشقيقة.

من ناحية أخرى، فإن ما يمكن اعتباره خطوة على طريق التقارب بين الإمارات وإيران لا يعني بالمرة غض الطرف أو اعتبار الخلافات والقضايا العالقة بين البلدين كأن لم تكن. بل على العكس، فالمعنى الكامن هو أن كل الملفات يمكن تناولها والتعاطي معها بحياد وموضوعية وفي إطار من الحوار والنهج السلمي الدبلوماسي.

وبالمنطق السابق، لم تمنع الخلافات دولة الإمارات من المسارعة إلى الوقوف مع الجار الإيراني في أوقات الشدة.. فخلال الأعوام القليلة الماضية قامت دولة الإمارات بمبادرات إنسانية عدة تجاه إيران، شملت مساعدات غذائية وإنسانية ومواقف مساندة في أزمات وكوارث طبيعية. وذلك من منطلق الإنسانية والأخوة البشرية وعلاقات الجوار، التي لا تحدها الخلافات والتباينات.. فالسياسة الإماراتية لا تخلط الأوراق ولا تربط المواقف الإنسانية بالسياسية. 

قرار إعادة السفير الإماراتي إلى إيران تجسيد لكفاءة دولة الإمارات في إدارة علاقاتها الخارجية وبراعتها في اختيار مضمون وأسلوب وتوقيت قراراتها وتحركاتها الإقليمية بشكل عام، خصوصا مع دولة جارة كإيران.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى