سياسة

علاقات تركيا وحماس… كيف عمّت الفائدة إسرائيل؟


بعد إغلاق مكاتبها بدمشق في تشرين الثاني (نوفمبر) 2012، اختارت حركة حماس اتخاذ تركيا مقراً رئيسياً جديداً لها في الخارج. لمَ اختارت الحركة هذه الوجهة تحديداً؟ وما موقعها في حسابات السلطات التركيّة حتى تقبل بالاستضافة؟ وما موقف “إسرائيل” من ذلك، وهي صاحبة العلاقات المتينة بتركيا على شتّى المستويات؟

مقرّ دائم آمن

 

منذ تأسيسها عام 1987 تعتمد حركة حماس في نشاطها على بقاء جزء مهم من كوادرها خارج فلسطين وقطاع غزّة؛ وذلك بسبب الخشية من التعرض لخطر الاستهداف الإسرائيلي، وبسبب الحصار والقيود التي تفرضها “إسرائيل” على الحركة من قطاع غزّة وإليه، ما يعني الحدّ من حركة قادة الحركة وإمكانية تنقلهم بيُسر بين البلدان ولقائهم المسؤولين فيها.

إلى غاية العام 2012، كان المكتب الرئيسيّ لحركة حماس في الخارج يتخذ من العاصمة السورية دمشق مقراً دائماً له، وإثر توتّر العلاقات، بعد موقف عدد من قيادات الحركة من الأحداث المتصاعدة آنذاك في سوريا، قامت السلطات السورية بإغلاق المكتب.

كان أمام الحركة حينها عدة خيارات بديلة، أهمها لبنان، لكنها كانت كذلك تخشى من الخروقات الإسرائيلية المتكررة للسيادة اللبنانية، وبالتالي تبقى هناك خطورة عالية للتعرض للاستهداف. فكانت الدولة التي وقع عليها الاختيار لتكون المقرّ الجديد هي تركيا؛ خصوصاً في ظل وجود علاقات متينة بين تركيا و”إسرائيل”؛ وبالتالي فإنّ “إسرائيل” تكون ملزمة باحترام السيادة التركية وعدم اختراقها، والالتزام بعدم استهداف من تؤويه تركيا وتستضيفه على أرضها، وبذلك اعتبرت تركيا المكان الأكثر أمناً في المنطقة بالنسبة إلى الحركة.

ورقة للمناورة

 

من المنظور التركي، فإنّ تركيا تجد في حماس ورقة للمناورة وأداة للضغط في علاقتها مع كل من “إسرائيل” والولايات المتحدة الأمريكية؛ فتوظّف هذه العلاقة لتحصيل أكبر قدر ممكن من المكاسب حال وقوع الخلافات.

الانفتاح على العلاقات مع الحركة جاء بدايةً مع الترحيب التركي بنتائج الانتخابات التشريعية الفلسطينية في كانون الثاني (يناير) 2006، والتي حصلت حركة حماس فيها على (74) مقعداً من أصل (132)، ما تلا ذلك من استقبال أنقرة زيارة رسمية لوفد من الحركة في حينه، وصولاً إلى استضافة مكتبها بالخارج عام 2012.

وبعد زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في حينه، خالد مشعل، إلى أنقرة، في شباط (فبراير) عام 2006، دافع أردوغان عن استقبال وفد حماس وقال مبيناً الدوافع التركية: “إنّ أنقرة تسعى لدور أكبر في منطقة الشرق الأوسط”. وبالتالي، فإنّ هذا الانفتاح التركي على الحركة يأتي في إطار توجّه تركي إقليمي أكبر يتمثّل في سحب ملف وأوراق التفاوض حول القضية الفلسطينية تدريجياً من الدول العربية، وفي مقدمتها مصر، وإدخاله ضمن مساومات أنقرة مع “إسرائيل”، في حال نشوب خلافات، كما حدث مثلاً أثناء جولة المفاوضات غير الرسمية حول تطبيع العلاقات بين تركيا و”إسرائيل” خلال الفترة ما بين 2013 و2016، التي تمخضت عن إعلان توقيع اتفاق تطبيع العلاقات في حزيران (يونيو) عام 2016، بعد فترة من التوتر على الصعيد الدبلوماسي الرسمي تلت حادثة سفينة مرمرة عام 2010. وكذلك الخلاف الحالي حول غاز شرق المتوسط، والتهديد المتمثل بتصدير غاز من “إسرائيل” باتجاه أوروبا مباشرة وتجاوز تركيا، والخلاف التركيّ – الإسرائيلي فيما يتعلق بالملف الليبيّ.

احتواء للحركة

 

جاءت استضافة تركيا لحماس وفق تفاهمات مع “إسرائيل”، في مقدمتها اشتراط أن يكون نشاط المكتب سلميّاً، وأن لا يشترك في أيّ أنشطة تستهدف الأمن الإسرائيلي، ومقابل ذلك تتعهد “إسرائيل” بعدم استهداف الحركة وأعضائها المتواجدين على الأراضي التركية. من المنظور الإسرائيلي، فإنّ وجود حركة حماس في تركيا يُعتبر مطمئناً، وهو نوع من الاحتواء للحركة؛ إذ إنّ تواجدها هناك يمكّن من إبقاء تحركاتها وأنشطتها تحت أنظار أجهزة الأمن الإسرائيلية، وإبعادها عن الإغراق في علاقة التحالف مع إيران. خصوصاً مع المتانة في العلاقات بين أنقرة وتل أبيب، وارتفاع مستوى التواصل والتنسيق الاستخباري بينهما.

وتستغلّ تل أبيب العلاقة بين الحركة وتركيا في إيصال رسائل للحركة، كما جاء في تعليق أردوغان على استقبال وفد حماس عام 2006، حين أشار – في معرض ردّه على منتقدي استقباله الوفد – إلى أن المسؤولين الأتراك أوضحوا لوفد الحركة موقف المجتمع الدولي بشأن ضرورة التخلي عن العنف والاعتراف بـ “إسرائيل”، وقال: “لقد وجّهنا الرسالة الصحيحة في الوقت المناسب”، متوافقاً في ذلك مع تأكيدات السفير الأمريكي في أنقرة، روس ويلسون، الذي أكدّ حينها على أنّ “أيّ لقاء مع حماس يجب أن يبعث برسالة لها حول نبذ العنف والاعتراف بحق إسرائيل في الوجود، والالتزام بالاتفاقات التي وقعتها السلطة الفلسطينية”. وكانت تسيبي ليفني، وزيرة الخارجية الإسرائيلية في حينها، قد صرحّت بأنّ ”تركيا تؤيّد الشروط الثلاثة التي وضعها المجتمع الدولي، وستوضح هذه الشروط لحماس”. وبذلك تحددت معالم الدور التركي من المنظور الإسرائيلي على هذا المستوى؛ فبالإضافة إلى الاحتواء، فإنّ تركيا تقوم بدور يتمثل في تعزيز توجه حركة حماس نحو الاندماج في العملية السياسية وفق الشروط التي يفرضها الجانب الإسرائيلي.

تجاوزات… وإعادة ضبط الإيقاع

 

في إطار مفاوضات تطبيع العلاقات بين تركيا و”إسرائيل” التي جرت خلال الفترة (2013-2016)، اشترطت “إسرائيل” أن تبعد تركيا من أراضيها بعض قيادات حماس الذين تجد أنهم مرتبطون بـ “كتائب الشهيد عزّ الدين القسّام”، الذراع العسكري لحركة حماس، وفي مقدمتهم القيادي صالح العاروري، وذلك ضماناً لاستمرار سلميّة نشاط مكتب الحركة في إسطنبول. وبناءً عليه أمرت تركيا صالح العاروري عام 2015 بمغادرة أراضيها، واستقرّ إثر ذلك في بيروت. وبذلك أكّدت السلطات التركية مجدداً أنها لن تسمح لمكتب حماس لديها إلا بالنشاط السياسي السلميّ.

على الرغم من ذلك، كشف تحقيق لجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشين بيت) في شباط (فبراير) 2018، عن ضلوع مكتب حماس في تركيا بأنشطة عسكرية، كما كشف التقرير عن نشاط واسع النطاق تقوم به حركة حماس لغسيل الأموال في تركيا، عن طريق شركات مرتبطة بها، منها: “إيميس”، و”سمارت”، و”ريدين”، متهماً السلطات التركية بالتغاضي عنها. وهو ما تكرّر في تقرير استخباري إسرائيلي آخر وصل إلى أنقرة في أيلول (سبتمبر) 2019، جاء فيه أنّ المكتب يقوم بتجنيد طلاب فلسطينيين في تركيا، ويقوم بتحويل أموال إلى نشطاء حماس في الضفة الغربية، وأنه يضم غرفة استماع تراقب عمليات جيش الدفاع الإسرائيلي وتنقل المعلومات إلى إيران وحزب الله. وهو ما تسبب في توتير العلاقات بين تركيا والحركة، ودفع بتركيا إلى التعهد مجدداً بضبط ومراقبة جميع أنشطة المكتب، وضمان اقتصارها على العمل السياسي السلمي.

في النهاية، فإنّ النتيجة للعلاقة بين الحركة وتركيا هي المزيد من الاختراق للملفات والقضايا العربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، من قبل الدول الإقلمية غير العربية، التي تتدخل لتحقق ما يخدم مصالحها القومية الخاصّة بالدرجة الأولى.

نقلا عن حفريات

تابعونا على
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى