سياسة

عشوائيات العراق… أسئلة مطروحة


نشرت وزارة التخطيط العراقية، الأسبوع الماضي، نتائج دراسة ميدانية مفادها أن نحو 3.5 مليون عراقي يسكنون العشوائيات. وأضافت الوزارة أن هذا العدد يبلغ تقريباً نحو 10 في المائة من مجمل عدد سكان العراق البالغ قرابة 40 مليون نسمة. وقد استثنت الوزارة في دراستها سكان إقليم كردستان البالغ عددهم 5 ملايين نسمة تقريباً، مما يرفع نسبة العشوائيات في المناطق العراقية إلى أكثر من 10 في المائة من عدد السكان. وتنتشر هذه العشوائيات بشكل خاص في بغداد والبصرة ونينوى.
ومن اللافت للنظر نشر نتائج هذه الدراسة التي كشفت عن التردي الاجتماعي الهائل في أحوال العراق الاجتماعية في الوقت نفسه الذي أصدر فيه مجلس القضاء الأعلى مذكرة إلقاء قبض بحق المدعو رعد الحارس، مستشار رئيس الوزراء الوكيل الأقدم السابق لوزارة الكهرباء، بتهم تتعلق بسوء الإدارة والفساد. وقد اعتقل الحارس بناء على مذكرة مجلس القضاء، وهو يعد أول مستشار لرئيس الوزراء يتم اعتقاله بسبب الفساد. وكان رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي قد أصدر أمراً في أوائل شهر سبتمبر (أيلول) الماضي بتشكيل لجنة دائمة للتحقيق في قضايا الفساد والجرائم المهمة.
وبحسب الإحصاءات الرسمية للوزارة، فقد أنفق نحو 60 مليار دولار لمشاريع الكهرباء منذ الاحتلال في عام 2003. هذا، ويعد توفير إمدادات الكهرباء في العراق اليوم واحدة من أسوأ التجارب على صعيد الدول العربية، فالإمدادات تنقطع في مختلف أنحاء البلاد عدة ساعات يومياً، وكثير من الأحياء تعتمد على المولدات التي يملكها أعضاء في البرلمان.
ويشكل فساد الكهرباء في العراق خسائر متعددة، فهو يزيد من معاناة المستهلكين الذين يضطرون لاستعمال المبردات لتلطيف الجو، خصوصاً في فصل الصيف، حيث ترتفع درجة الحرارة فوق الخمسين درجة مئوية، كما يعتمدون على الثلاجات لحفظ المأكولات من الفساد، ناهيك من التأثير السلبي للانقطاعات الكهربائية على المصانع والمحلات التجارية والمصارف.
لكن في الحقيقة إن ما تعيشه الكهرباء من إشكاليات هو كذلك في وزارات الصحة والنفط والتجارة ودوائر أخرى، حيث الإهمال غير المسبوق في تاريخ العراق الحديث هو السبب الأساسي وراء سكن نحو 10 في المائة من السكان في العشوائيات.
والسؤال المطروح هنا: يشكل الريع النفطي السنوي للبلاد عشرات مليارات الدولارات، كما أن معدلات التصدير قد ارتفعت إلى مستويات قياسية، فكيف سيدبر العراق نفسه مستقبلاً، حيث بحلول منتصف القرن تقريباً، ستنخفض الصادرات نتيجة هيمنة الطاقات المستدامة، وستنخفض الأسعار مع انخفاض الطلب العالمي. هذه الظاهرة نرى ملامحها قد بدأت مع الآثار المترتبة على الإغلاقات المترتبة لـ«كوفيد-19»، فما الحلول عندئذ؟!
إن مواجهة مباشرة صارمة مع المسؤولين عن الفساد والإهمال هي خطوة يجب التعامل معها بصرامة منذ الآن، قبل أن نواجه عصر ما بعد النفط وخزينة الدولة خالية من الاحتياطي الوافي. ومع الأسف الشديد، فقد صرح أكثر من رئيس وزراء بأنه قد تسلم الحكم والميزانية فارغة.
وتكمن إحدى مشكلات العراق في الأعوام الأخيرة، بالإضافة إلى الفساد والإهمال القياسيين، في طريقة رسم موازنة الدولة السنوية، فالدخل المالي الأساسي هو الريع النفطي، دون أي محاولة تذكر لتنويع الموارد الاقتصادية. كما أن الفرضيات المعتمدة لأسعار النفط عالية جداً، لا تأخذ بنظر الاعتبار التقلبات في الأسواق. وهناك التهريب عبر الحدود العراقية مع الدول المجاورة الذي يعد مشكلة أخرى.
إن المأساة الكبرى في عدم تمكن العراق من توفير المشاريع والفرص الاقتصادية والاجتماعية اللازمة لمواطنيه، وتوسع العشوائيات السكنية لهذه النسبة العالية لمواطنيه، ما هي إلا مؤشر آخر ضمن العشرات من مؤشرات الفشل والإخفاق بسب الفساد والهدر وغياب الأمن والاستقرار.

* نقلا عن “الشرق الأوسط”

تابعونا على

Related Articles

Back to top button