سياسة

صحيفة فايننشال تايمز توضح السبب وراء خوف أردوغان من خسارة اسطنبول


سادت حالة من الارتياح بين العديد من صناع السياسة والمستثمرين والمحللين، عقب إجراء الانتخابات البلدية بتركيا، والتي شهدت منافسة حامية في 31 مارس، حيث تخيلوا أنهم أخيراً وصلوا إلى مرحلة راحة من الدورة الانتخابية التركية، التي يبدو أن لا نهاية لها، وقد كان الموعد المرتقب لأول تصويت انتخابي قادم هو عام 2023، وذلك حسب مقال ديفيد غاردنر، الذي نشرته صحيفة فايننشال تايمز.

وقد تم إلغاء نتائج الانتخابات في اسطنبول، بعد ضغوط من الرئيس رجب طيب أردوغان،  الذي ارتكز نجاحه عبر مسيرته المهنية، التي تدخل عامها السابع عشر في السلطة، على النمو الاقتصادي وعلى توزيع الأرباح، بشكل أكبر من الاعتماد على حزبه الحاكم العدالة والتنمية، الذي يتبنى أيديولوجية إسلامية.

ويمكن القول بأن أردوغان يمكنه حالياً إعادة تركيز وتوجيه جهوده للإصلاح الاقتصادي، وربما بدا ذلك دائمًا، وكأنه من أحلام اليقظة، أو قراءة خاطئة لسياسي موهوب ولكنه زئبقي، لا يعرف إلا أن يعمل في خضم حرب يخوضها.

ومن المؤكد، وفي غضون أسابيع عاد أردوغان إلى عنصره البهلواني. بعد أن خسر أنقرة واسطنبول أمام حزب الشعب الجمهوري العلماني المعارض، ليستخدم نفوذه، الذي كان جامحاً منذ أن انتقل بتركيا إلى رئاسة تنفيذية على الطراز الروسي في عام 2018، ليضغط من أجل إلغاء نتائج انتخابات اسطنبول، والدعوة إلى إعادة التصويت المقرر له يونيو المقبل. وبصفته شغل منصب عمدة اسطنبول لمرة واحدة، يعتقد أردوغان أن البلاد لا يمكن أن تُحكم بدون سيطرة على العاصمة العثمانية السابقة، والتي انطلقت مسيرته المهنية منها في عام 1994.

وحسب ما قاله أردوغان في عام 2017: إذا تعثرنا في اسطنبول، فسوف نخسر موضع أقدامنا في تركيا. إن تهديدا أكثر مداهمة لأردوغان يلوح في الأفق، بسبب الخلاف الذي نشب بين تركيا والولايات المتحدة، بشأن شراء صفقة صواريخ دفاعية روسية الصنع. إن هذا الخلاف المستمر منذ فترة طويلة يمكن أن يؤدي إلى فرض عقوبات أميركية، وربما يثير تساؤلات حول عضوية تركيا في الناتو.

 

ويرجع أصل المشكلة إلى قرار أردوغان بشراء نظام الدفاع الصاروخي طراز S-400 من روسيا، المقرر تسليمه في الأشهر القليلة المقبلة. وفي الوقت نفسه، تتوقع تركيا استلام مقاتلة طراز F-35، وهي أحدث طائرة شبح تنتجها الولايات المتحدة وحلفاؤها. وتعد تركيا جزءا من مجموعة الشركات، التي تقوم بالإنتاج المشترك المقاتلة F-35 بالتعاون مع شركة لوكهيد مارتن. لكن بينما يتدرب الطيارون الأتراك بالفعل على المقاتلة الجديدة، قامت الولايات المتحدة بوقف تسليم أول 4 طائرات من بين 100 طائرة كان من المتوقع أن تشتريها أنقرة، بسبب صواريخ S-400. وترى واشنطن أن وجود تلك الصواريخ على أرض الناتو سيضر بأمن الحلفاء، بمعنى أنه إذا تم نشر بطاريات الصواريخ داخل تركيا، فإن الحجة تقول، يمكن لروسيا الحصول على معلومات حول المقاتلة F-35، والتي من المقرر أن تصبح المقاتلة الهجومية الرئيسية للناتو.

كما أضاف مقال ديفيد غاردنر، الذي نشرته فايننشال تايمز أن إبرام صفقة S-400 ينطوي على مخاطر كبيرة، حيث إنه سيكون بمثابة انتصار دبلوماسي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وهذا من شأنه أن يحفر حفرة في تضامن حلف الناتو، وربما يقوض أمنه. وفي كل الأحوال فإنه بحلول نهاية العام، سيكون لدى تركيا إما طائرة مقاتلة متطورة من طراز F-35 على أراضيها، أو نظام دفاع صاروخي روسي من طراز S-400، ووفقا لما كتبه قادة الحزبين الجمهوريين بمجلس الشيوخ الأميركي، أعضاء لجان الخدمات المسلحة والعلاقات الخارجية، في مقال بصحيفة نيويورك تايمز الشهر الماضي، حيث أكدوا أن أردوغان لن يحصل على الصفقتين معا.

كما تفيد بعض التقارير بأن إدارة الرئيس دونالد ترمب أعطت أردوغان مهلة حتى الشهر المقبل لاختيار ما سيكون عليه الأمر.

ومن جانبهم، يقول المسؤولون الأتراك بأنه لن يكون هناك تراجع عن صفقة صواريخ S-400، ولكنهم يعترفون بأنهم يستعدون للتعرض لعقوبات بموجب قانون مجابهة خصوم أميركا من خلال العقوبات. وهذا ما يرسم ملامح أزمة حقيقية. وعلى الرغم من أن طريقة توقيع أردوغان تبدو وكأنها مستقطبة، إلا أن هذا أمر صعب وخادع عند التعامل مع القوى العظمى، خاصة عندما يقودها رجال لا يرحمون مثل بوتين، ومثل ترمب، وكليهما يتسم بالمعاملات المتشددة على حد سواء. لقد أصبح أردوغان مدينًا لبوتين في السنوات القليلة الماضية، ويعود السبب في معظمه إلى سياسة تركيا الممزقة تجاه سوريا. ربما دعمت موسكو نظام بشار الأسد وأفلحته، بينما دعمت أنقرة مجموعة متنوعة من الجماعات الإسلامية في محاولة للإطاحة به. ومنذ عام 2016، كان الهدف الرئيسي لتركيا هو خنق كيان سوري-كردى يتمتع بالحكم الذاتي على حدوده، تديره القوات الكردية التي كانت تدعمها الولايات المتحدة في الحرب ضد داعش.

إن هذا هو التظلم الرئيسي الذي تدفع به أنقرة أمام واشنطن. ولكن تشكل تركيا الآن جزءًا من كيان ثلاثي هش للقوة في سوريا مع روسيا وإيران. إذا قام أردوغان بإهانة الروس في صفقة الصواريخ S-400، فيمكن لبوتين أن يكثف من هجوم القوات الجوية الروسية ضد آخر جيب للمتمردين السوريين، في إدلب، شمال غربي سوريا، حيث تتناثر عشرات المواقع العسكرية التركية. وتلقي موسكو باللوم على أنقرة لفشلها في السيطرة على جيش جهادي مرتبط بالقاعدة هناك، حتى إن بعض الصحافيين الأتراك يصيغون الأمر كخيار بين الصواريخ S-400s أو إدلب. إن احتلال تركيا لجيبين سوريين حول إدلب، كجزء من حملتها ضد وحدات حماية الشعب الكردي، لا يمكن تحقيقه إلا بموافقة روسيا بناء على تحقيق مصالح قوية في الصفقات. لكن تركيا تريد أن تضغط لتصل إلى الأراضي الشاسعة، التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب YPG في شمال شرقي سوريا، والتي تخضع لغطاء سلاح الجو الأميركي. وكانت واشنطن تحاول تحكيم نوع من منطقة عازلة هناك، تشمل تركيا، قبل ما يعلن ترمب انسحاب القوات الأميركية.

وفي حال كان أردوغان يعادي الولايات المتحدة حقًا، فلن تكون المسألة مجرد عضوية تركيا في حلف الناتو فحسب، أو الشراكة في المقاتلات طراز F-35 المعنية.

ويمكن أن يكون أردوغان عملياً، إذ إنه قام بتكوين صداقات مع بوتين في عام 2016، بعد أن أسقطت تركيا طائرة حربية روسية عبر حدودها مع سوريا. كما قام بإصلاح الأمور مع ترمب في العام الماضي، عندما أطلق سراح قس إنجيلي أميركي كان متهما بالتواطؤ في الانقلاب الفاشل في تركيا عام 2016. لكنه واقع بين نارين بشكل تام حيث توقف النمو المدفوع بالائتمان في تركيا، مما يفسح المجال أمام التضخم الجامح، وارتفاع معدلات البطالة والعملة المنهارة، التي تنخفض على نحو خطير أمام العملات الأجنبية. إذا اصطدمت كل هذه الأمور، فسيواجه الرئيس التركي فوضى عارمة.

تابعونا على

Related Articles

Back to top button