سياسة بايدن الجديدة حيال التعامل مع تركيا
بينما لم تتضح بعد ملامح سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة حيال التعامل مع تركيا، إلا أن مؤشرات سابقة من تصريحات أدلى بها الرئيس الأمريكي جو بايدن حينما كان مرشحا للرئاسة عن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ربما ترجح أن نهج واشنطن حيال أنقرة في عهد بايدن سيكون مختلفا عن الإدارات السابقة.
أردوغان “مستبد”
فكان بايدن وصف أردوغان قبل انتخابات الرئاسة الأمريكية بأنه “مستبد”، واقترح أن تتلقى المعارضة التركية دعما أمريكيا، وفي مقابل ذلك يلوح أردوغان بورقة المصالح المشتركة لتركيا والولايات المتحدة، ويقول إن أنقرة تريد تحسين سبل التعاون مع واشنطن.
وبين هذا وذاك دعا الصحفي التركي البارز “براق بيكديل” في تقرير نشره معهد جيتستون الأمريكي، إدارة بايدن إلى ضرورة التعامل بعناية فائقة مع الملف التركي.
خطأ دونالد ترامب وباراك أوباما
ويقول إن سلفي بايدن، وهما دونالد ترامب وباراك أوباما، ارتكبا نفس الخطأ، وإن كان لأسباب مختلفة، حيث ان كلاهما أساء التعامل مع أردوغان ومع جهوده المتزايدة لـ “أسلمة” أسلوب الحياة العلماني في تركيا ونظام التعليم والسياسة والمؤسسات.
ويضيف أن أوباما على ما يبدو كان يأمل في أن يكون الإسلاميون في تركيا ما بعد الحداثة مثالا للأنظمة الإسلامية الأقل ديمقراطية في الشرق الأوسط. أما ترامب على الجانب الآخر بدا أنه لا يهتم بما إذا كانت مفاتحاته المؤيدة لأردوغان قد شجعت الرجل الإسلامي القوي في تركيا وأضعفت في الوقت نفسه علاقات حليف الناتو مع الغرب والمؤسسات الغربية.
وكان أوباما أشار إلى تركيا في مقابلة مع صحيفة “كورييري ديلا سيرا” الإيطالية في 2010 على أنها “ديمقراطية مسلمة عظيمة”.
وأضاف: “إن الولايات المتحدة أعربت دائما عن رأيها بأنه من الحكمة قبول انضمام تركيا بالاتحاد الأوروبي”.
وفي مقابلة أخرى مع مجلة “تايم” الأمريكية في 2012، اعتبر أوباما أن أردوغان واحد من قادة العالم الخمسة الذين تربطه بهم أقوى العلاقات.
وفي 2011، قال توم دونيلون، مستشار الأمن القومي السابق للرئيس إن أوباما يعتبر أردوغان “رجل مبادئ ورجل أفعال”.
ويقول الكاتب إنه عندما أدرك أوباما خطأه الاستراتيجي، كان الأوان قد فات.
وكتب الصحفي الأمريكي جيفري جولدبيرج في عدد نيسان 2016 من مجلة “ذا أتلانتيك”: “لقد نظر أوباما في وقت مبكر إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على أنه رئيس مسلم معتدل بإمكانه سد الفجوة بين الشرق والغرب، لكن أوباما يعتبره الآن فاشلا وسلطويا”.
تركيا والمصالح الغربية
ويوضح الصحفي التركي براق بيكديل أنه بالرغم من وجود دليل مؤكد أن مساعدة إيران على التملص من العقوبات وشراء النظام الدفاعي الروسي أس400- كأنا أهم لتركيا من المصالح الغربية، فقد أظهر ترامب أيضا حماسته تجاه أردوغان ووصفه بأنه “زعيم محنك ورجل صلب”، وذلك وسط تأزم الموقف بين الولايات المتحدة وتركيا بسبب التوغل العسكري التركي في شمال سورية عام .2019
وأوضح الكاتب أنه مع تعامل بايدن مع أردوغان، يجب أن يضع في اعتباره “الأخطاء السياسية الفادحة” التي ارتكبها أوباما وترامب من قبله.
وقال إن بادين أمامه الآن فرصة لوقف بل والارتداد عن هذا “الفصل المزعج بتاريخ تركيا المعاصر”.
وقبل عام من توليه الرئاسة، وصف بايدن أردوغان بأنه “مستبد” ووعد بتمكين أحزاب المعارضة التركية من خلال العمليات الديمقراطية. ومنذ تنصيب بايدن لم يتصل بأردوغان. ووبوخت إدارته تركيا على الفور عندما دعا المسؤولون الأمريكيون إلى إطلاق سراح الناشط عثمان كافالا، “الذي كان ضحية غضب أردوغان الشخصي”، وفقا للكاتب.
ويرى الكاتب أن أردوغان ينتظر فرصة “لإقناع” بايدن بأن نظامه الإسلامي هو في الواقع حليف قوي للحضارة الغربية. وفي كلمة ألقاها يوم 20 فبراير، قال أردوغان إن المصالح المشتركة لتركيا والولايات المتحدة تفوق خلافاتهما، وأن أنقرة تريد تحسين التعاون مع واشنطن.
المصالح المشتركة
وأوضح أن ما يشير إليه أردوغان دبلوماسيا بـ “المصالح المشتركة” هو في الواقع قائمة من المطالب التركية، وهي: رفع تركيا من قائمة “قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات”، والسماح لتركيا بتفعيل منظومة الدفاع الجوي روسية الصنع ، وتجاهل دور بنوك تركيا العامة في انتهاك العقوبات الأمريكية على إيران، وإنهاء تحالف الولايات المتحدة مع الأكراد السوريين والسماح لتركيا بسحقهم، وذلك بجانب مدح الولايات المتحدة وليس انتقاد سجل أنقرة الديمقراطي.
وبرأي الكاتب، ستبدأ قريبا حملة ضغط تركية علنية وسرية في واشنطن. واستند في ذلك إلى إشارة أولى، وهي أن تركيا استعانت بشركة محاماة مقرها واشنطن وهي “أرنولد آند بورتر”، للضغط من أجل إعادة قبولها في برنامج طائرات “إف – 35″، بموجب عقد مدته ستة أشهر وقيمته 750 ألف دولار.
تركيا باتت معزولة
وبالرغم من ذلك يرى الكاتب أن تحركات أردوغان الجديدة وحملة الضغط التي تستهدف واشنطن ربما يكون قد فات أوانها، مشيرا إلى “المشاعر المعادية لأردوغان في الكونجرس من الحزبين”. وأوضح أن تركيا باتت معزولة للغاية في منطقتها الأوسع، وسط خلاف تلو الآخر مع جيرانها على الأرض والسواحل. ويخشى أردوغان عديم الأصدقاء من أن تؤدي إدارة أمريكية أكثر صرامة مع عقوبات أشد على تركيا إلى تسريع الانهيار الاقتصادي للبلاد.
ويختم الكاتب بالقول بأن “العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة تمر بمفترق طرق حرج، ولا توجد إشارات مرور عند التقاطع ويسير الجانبان كلاهما بسرعة دون أي علامة على التباطؤ”.