سياسة

سوريا وليبيا واليمن.. سياسات تركيا التخريبية وأطماعها التي لا تنتهي


منذ اعتلاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كرسيّ السلطة وتراوده أحلام أكبر من حكم تركيا؛ حيث بدأ العمل على استثمار تنظيم الإخوان، وأحزابه في كل المنطقة من أجل هذا الطموح.

وسعى الرئيس التركي مبكراً للاستثمار في تنظيم الإخوان في جميع الأقطار العربية، مستغلاً التغيرات السياسية التي واكبت ما أطلق عليه “الربيع العربي”، للمشاركة في رسم خريطة المنطقة، على النحو الذي يخدم مصالح بلاده، خاصة في سوريا وليبيا واليمن التي تشهد تفككا أمنياً وعسكرياً منذ أعوام.

وفتح أردوغان، قبل تسعة أعوام، أبواب تركيا للجماعات المتشددة وللميليشيات المسلحة في سوريا وليبيا، بالتوازي مع تقوية شوكة تنظيم الإخوان، وسمح لتلك الجماعات باستخدام الأراضي التركية في الحرب الهادفة للهيمنة على بلادهم؛ ونتيجة لذلك تمكّن الرئيس التركي من التغلغل في ليبيا، البلد الغني بالنفط، عبر بوابة حكومة الوفاق، ليصبح بجنوده وعتاده رقماً في العملية العسكرية، التي دخلت عامها الثاني على أطراف العاصمة طرابلس، وفي سوريا من قبلُ وجد أردوغان له موطئ قدم باستغلال ميليشيات إرهابية وجماعات مسلّحة لتحقيق أهدافه على الأرض، أما في اليمن فيحاول الرئيس التركي إعادة سيناريو سوريا.

تركيا تعزز الاقتتال في ليبيا

 

في ليبيا أثارت انتهاكات أردوغان للقوانين الدولية، وإرساله المرتزقة والأسلحة والطائرات المسيرة لحكومة الوفاق، التي يقودها فايز السراج، الكثير من ردود الفعل المحلية والدولية؛ لأن تلك الانتهاكات تعزز الصراعات والاقتتال بين أبناء الوطن الواحد.

واتهمت العديد من وسائل الإعلام الدولية، تركيا، باستغلال جائحة كورونا لتبادل شحن الأسلحة والمعدات العسكرية مع عدة دول، بحجة إيصال مساعدات طبية طارئة من قبل أنقرة، خاصة بعد تقارير أخيرة كشفت أنّ طائرات شحن تركية لم تكن تحمل مستلزمات طبية وإنما ذهبت لتعود إلى ليبيا محمّلة بالأسلحة من بعض الدول.

وكشف تقرير موسّع لموقع “أحوال” التركي، وتقرير لصحيفة “ديلي مافريك” الجنوب أفريقية، أنّ 6 طائرات شحن عسكرية تركية سافرت من تركيا إلى جنوب أفريقيا؛ حيث كانت كمية صغيرة من الإمدادات الطبية موجودة على إحدى الطائرات، بينما عادت جميعها محمّلة بالمعدات العسكرية التي تم شراؤها من الشركة المنتجة للذخيرة “راينميتال دينل مونيتيون(RDM)”.

وأشارت “ديلي مافريك” إلى أنّ ذلك تم بالرغم من أنّ لوائح الحظر المحلية تسمح فقط بنقل إمدادات الغذاء والدواء.

وتعد جنوب أفريقيا إحدى الدول التي تعارض تدخل تركيا في ليبيا، وسبق أن حذر رئيسها، سيريل رامافوزا، تركيا من إرسال أسلحة وقوات إلى ليبيا.

ورفض السفير التركي في جنوب أفريقيا، إليف تشوموغلو أولجن، التعليق على طبيعة الصادرات العسكرية إلى تركيا، ووصفها بأنّها تتبع القوانين التجارية.

وزعمت أنقرة أنّ المعدات العسكرية من جنوب أفريقيا ستستخدم في التدريبات العسكرية، وهي مخصصة لمؤسسة الآلات والصناعات الكيماوية في البلاد.

ولم تتوقف حملات الاستنكار والاستهجان في الداخل الليبي بل تجاوزتها، بعد محاولة أردوغان زج دولة تونس في الصراع القائم في ليبيا لحسابه بدعم ومساندة حركة النهضة الإخوانية وزعيمها راشد الغنوشي.

وفي السياق، أكد الأمين العام لاتحاد دول المغرب العربي، الطيب البكوش، أمس، أهمية استقرار ليبيا ورفض التدخلات الخارجية، في إشارة للتدخل التركي، مشدداً على مدى أهمية الحوار بين الليبيين، وفق ما أوردت صحيفة “بوابة أفريقيا” الليبية.

وفي اتصال هاتفي مع رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الليبي، يوسف العفوري، قال البكوش إنّ الاتحاد على استعداد للعب دور إيجابي في ذلك، وقد جرت محاولات في السابق بهذا الشأن.

من جانبه، أكد العفوري أهمية دعم الاتحاد لاستقرار ليبيا ورفض التدخل الأجنبي في شؤونها الداخلية، باعتبار أنّ ليبيا دولة مغاربية وعضو في الاتحاد، موضحاً أنّ استقرار ليبيا سينعكس بشكل إيجابي على المنطقة وفي عدة جوانب.

وفي السياق أعلنت، أول من أمس، عدة أحزاب تونسية رفضها المطلق لأي مساعٍ تركية على الأراضي التونسية لدعم الميليشيات والإرهابيين في ليبيا.

وأصدرت أحزاب؛ التيار الشعبي وحزب العمال والحزب الاشتراكي وحركة البعث وحركة تونس إلى الإمام وحزب القطب، بياناً مشتركاً نقلته وكالة “فرانس برس”، حول رفضها المطلق لأيّ نشاط تركي على الأراضي التونسية لدعم “الميليشيات والإرهابيين” وتصدير المرتزقة لليبيا، على خلفية هبوط طائرة تركية قيل إنّها مساعدات طبية لحكومة الوفاق.

ودانت الأحزاب التونسية محاولة الزجّ بتونس في لعبة المحاور الإقليمية، على حساب أمنها القومي وعلى حساب أمن واستقرار الشعب الليبي ودماء أبنائه.

وحذّرت من استمرار نهج الغموض الذي تنتهجه السلطات التونسية، في ما يتعلق بالأنشطة التركية في المنطقة، مطالبين بموقف واضح في رفض التواجد العسكري الأجنبي في المنطقة.

كما طالبت رئيس الجمهورية التونسي، قيس بن سعيد، بموقف واضح من محاولات تركيا التواجد العسكري سواء بشكل غير مباشر من خلال جلب المرتزقة من سوريا أو بشكل مباشر لما يشكّله هذا الأمر من خطورة كبيرة على الأمن والسلم الإقليميين.

وفي سياق متعلق بمرتزقة أردوغان قال المرصد السوري لحقوق الإنسان، إنّ حصيلة القتلى بين مرتزقة تركيا من الفصائل السورية جراء العمليات العسكرية في ليبيا بلغ 268 مسلّحاً، من فصائل لواء المعتصم وفرقة السلطان مراد ولواء صقور الشمال والحمزات وسليمان شاه.

وأوضح المرصد، في تصريح نشر على موقعه الإلكتروني، أنّهم قتلوا خلال الاشتباكات على محاور طرابلس، ومصراتة ومناطق أخرى في ليبيا.

وأكد أنّ عمليات التجنيد للمرتزقة باتت أمراً صعباً، بعد أن كانوا يتسابقون من أجل الحصول على الأموال، وأنّ تركيا تقوم بترهيب المرتزقة للانضمام، وذلك عقب الخسائر المتتالية في صفوفهم وسقوط عدد قتلى كبير منهم داخل المعارك على يد الجيش الليبي.

وقالت مصادر المرصد، إنّ معظم الفصائل السورية لم تعد لها رغبة بإرسال مسلحين للقتال في ليبيا، وخاصة في ظل الأوضاع الصعبة هناك، وعدم إيفاء تركيا بالمغريات التي ادعت تقديمها في البداية، ليتحول الأمر إلى ضغوضات كبيرة وتهديدات من قبل الاستخبارات التركية لقيادات الفصائل، بفتح ملفاتهم والحديث عن جرائمهم.

ووفقاً لإحصائيات المرصد السوري فإنّ تعداد المرتزقة الذين وصلوا إلى الأراضي الليبية حتى الآن، بلغ نحو 8000 مرتزق بينهم مجموعة غير سورية، في حين أنّ عدد المسلحين الذي وصلوا المعسكرات التركية لتلقي التدريب بلغ نحو 3100 مجند.

وألقى الجيش الليبي القبض على العديد من المرتزقة الذين اعترفوا خلال التحقيقات معهم بأنّهم جاؤوا إلى ليبيا مقابل 2000 دولار، لكن هناك 190 شخصاً من المرتزقة خرجوا وتمردوا ورفضوا المشاركة في عمليات القتال ولكن ميليشيات السراج سجنتهم.

التخريب التركي في سوريا

 

أما في سوريا فقد دفع أردوغان ثمن تغلغله الكثير من جنوده وعتاده بالمواجهات التي خاضها مع قوات النظام السوري، بحجة تطهير محيط منطقة عملياته العسكرية، حيث تقوم تركيا بتعزيز نفوذها في أجزاء من شمال وشمال غربي سوريا منذ بضعة أعوام، وهو أمر يُنظر إليه من قبل البعض على أنّها محاولة منها إلى تتريكها تمهيداً لضمها نهائياً في المستقبل، وفق شبكة الـ “بي بي سي”.

وتسيطر حالياً تركيا على الأراضي الواقعة غربي نهر الفرات، المحاذية لحدودها الجنوبية الشرقية، ابتداء من بلدة جرابلس في الشرق وانتهاء بعفرين ذات الغالبية الكردية في شمال غربي البلاد.

لا يقتصر الوجود التركي في المناطق الشمالية في سوريا على الجانب العسكري فقط، بل تعمل السلطات التركية بالتعاون مع الفصائل السورية المعارضة الموالية لها على نشر الثقافة واللغة التركية إلى جانب احتكار المشاريع الاقتصادية الرئيسية في المنطقة.

في بداية عام 2017، استولت القوات التركية وحلفاؤها على جزء من الشريط الحدودي بين البلدين، الممتد بين جرابلس في الشرق واعزاز من الغرب ومنطقة الباب إلى الجنوب.

كان هدف تركيا العلني وقتها، محاربة ما يسمى بتنظيم داعش، أما هدفها الاستراتيجي الأهم، فكان منع القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة من التوسع في المناطق الواقعة غربي نهر الفرات.

ومنذ ذلك الحين، تحدثت عدة منظمات حقوقية عالمية ووسائل إعلام عن تردّي الحالة الاقتصادية والأمنية والإنسانية في هذا الجزء من سوريا.

استمرت الحملة العسكرية ضد عفرين نحو شهرين، وانتهت بسيطرة الجيش التركي والفصائل السورية الموالية له على المنطقة. نزح إثرها ما يزيد عن 130 ألف مواطن كردي من عفرين والقرى المحيطة بها، وتمركزوا في مخيمات في مناطق الشهباء في ريف حلب على بعد عشرات الكيلومترات فقط من منازلهم.

وحلّ مكانهم في عفرين نازحو دوما والغوطة الشرقية وحمص وحماه وغيرها من سكان المناطق التي استعادتها الحكومة من الفصائل المعارضة الموالية لتركيا.

وقالت لجنة حقوق الإنسان المستقلة التابعة للأمم المتحدة في تقرير أصدرته في الـ 31 من كانون الثاني (يناير) 2019، إنّ أكثر من 50 جماعة مسلحة منتشرة في شمال سوريا، ويعاني سكان تلك المناطق وخاصة عفرين التي كانت ذات غالبية كردية قبل سيطرة تركيا عليها من أعمال النهب المستمرة من قبل من يُفترض بهم أن يكونوا في خدمة وحماية المواطنين، كما أنّ غياب القانون والانضباط وتكرار حالات الاختطاف والتعذيب وانتشار العصابات، حوّل حياة الناس إلى جحيم لا يطاق، وفق ما نقلت وكالة “فرانس برس”.

وتشرف تركيا بشكل مباشر على المجالس المحلية التي تدير المناطق الواقعة بين جرابلس والباب وعفرين. تتبع هذه المجالس لما يسمى بـ “الحكومة السورية المؤقتة” التي تتخذ من تركيا مقراً لها، وتستلم رواتب موظفيها من الحكومة التركية.

ويتهم ناشطون، تركيا، باتّباعها سياسة التتريك في عفرين على وجه الخصوص، عبر إزالة أي رمز كردي في المدينة وتغيير أسماء الشوارع والساحات الرئيسية وتجريدها من أي إشارة إلى هويتها الكردية، وانتشار الأعلام التركية وصور أردوغان في الدوائر الرسمية والمدارس والأماكن العامة.

أطماع تركيا في اليمن

 

برزت العديد من المؤشرات على رغبة أنقرة في استخدام الملف اليمني لابتزاز دول التحالف العربي، ولعب دور مشابه لما تقوم به في كل من سوريا ولبيبا عبر الجماعات الإسلامية المتشددة مثل؛ جماعة الإخوان وتنظيم القاعدة.

وأشارت المصادر، التي نقلت عنهم صحيفة “العرب” اللندنية، إلى دخول تركيا، في الآونة الأخيرة، الساحة اليمنية في إطار التحالف غير المعلن بين إيران وقطر، مستغلة نفوذها المتزايد في فرع التنظيم الدولي للإخوان في اليمن الذي يمثله حزب الإصلاح المسيطر على مفاصل الحكومة الشرعية.

وفي هذا السياق نشرت صحيفة “العرب”، تقريراً أفادت فيه، نقلاً عن مصادر خاصة، بأنّ تركيا أرسلت العشرات من ضباط الاستخبارات تحت لافتة “هيئة الإغاثة الإنسانية” التركية ووصل بعضهم إلى مأرب وشبوة عن طريق منفذ “شحن” الحدودي في محافظة المهرة بعد أن حصلوا على تسهيلات من وزير الداخلية اليمني أحمد الميسري ومحافظ المهرة السابق راجح باكريت.

وتشير المعلومات إلى أنّ الزيارات التي يقوم بها الضباط الأتراك لبعض المحافظات المحررة التي يهيمن عليها إخوان اليمن، تتناغم مع تصريحات أطلقها بعض المسؤولين في “الشرعية” الموالين لقطر، والذين عبّروا صراحة عن انحيازهم لصالح إنشاء تحالف جديد في اليمن مناهض للتحالف العربي بقيادة السعودية، والتلويح بتمكين أنقرة من بعض القطاعات الاقتصادية الحيوية مثل الموانئ والمطارات والنفط والغاز.

ويؤكد الصحافي والباحث اليمني فخر العزب على وجود تشابه إلى حد كبير بين الدور التركي في اليمن والدور الذي تلعبه أنقرة في ليبيا أو سوريا، وهو دور ينطلق من مصالح تركيا التي تعيش على وهم استعادة الإمبراطورية العثمانية التي احتلت الكثير من البلدان العربية بما فيها اليمن.

ويضيف العزب “هذا الدور لا يقوم على التدخل المباشر، على الأقل في حالة اليمن، وإنما عبر أدوات المشروع التركي المتمثلة بالجماعات الإرهابية من جبهة النصرة مروراً بداعش والقاعدة وليس انتهاء بجماعة الإخوان المسلمين”.

وينوه العزب في تصريح لـصحيفة “العرب” إلى أنّ “الدور التركي في اليمن هو جزء من مشروع معاد لليمنيين، يقوم على الاصطفاف في خندق المشروع الذي يهدف لإفشال دور التحالف العربي في اليمن، وهذا المشروع المعادي يرتكز على دول حاملة له بشكل رئيسي هي إيران وتركيا وقطر، أما أدواته في الداخل فهي جماعة الحوثيين وجماعة الإخوان المسلمين”.

فمن سيتصدى لطموحات أردوغان في تلك الدول العربية؟ ومن يستطيع إنهاء انتهاكات  السلطان التي لا تسعى إلا إلى التخريب والدمار والاحتلال العثماني مجدداً؟

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى