رزانة الدبلوماسية المغربية تخدم السلام وتتوسط لإنهاء النزاعات
في كُل مرة تثبت المملكة المغربية، بقيادة عاهلها الملك محمد السادس، رزانة مواقفها الدبلوماسية. والتزامها بنهج أساسه الحوار في مسارات إنهاء النزاعات بين الدول.
موقف، لمسه المتتبعون خلال الأزمة الخليجية، والملف الليبي، والحرب الروسية الأوكرانية، وقبل كُل هذا وحتى اليوم، في القضية الفلسطينية، التي تضعها الدبلوماسية المغربية، بتوجيهات من العاهل المغربي الملك محمد السادس، دائما على نفس مستوى قضية الصحراء المغربية.
موقف ثابت
“تعاطي المغرب مع القضية الفلسطينية لم يكن محط نقاش يوماً، فهو محسوم لدى القيادة والشعب وبينهما النخبة السياسية. والموقف ثابت لم يتغير، يُجمع عليه الشعب بمختلف أطيافه، وساسة البلاد بكل توجهاتهم”، بحسب حسن بلوان، الخبير في العلاقات الدولية.
بلوان، أوضح أن “المغرب كان من أوائل الدول التي تحدثت عن حل الدولتين، وعلاقاته بإسرائيل لم تُؤثر أبداً على موقفه من القضية الفلسطينية، ودعمه للشعب الفلسطيني بأشكال مختلفة”.
وأشار إلى أنه “من بين أوجه دعم المغرب للشعب الفلسطيني، نشاطه المتميز والفاعل في لجنة القدس المنبثقة عن المؤتمر الإسلامي. وهي اللجنة التي تعمل على تنفيذ سياسات اللجنة في مجال العمل الإنساني والاجتماعي في القدس المحتلة”.
وبلغة الأرقام، يوضح بلوان، أن آخر مساهمة مالية وصلت اللجنة من أحد البلدان العربية تعود إلى سنة 2011. ومنذ ذلك الحين، تستمر اللجنة في أداء واجبها بتمويلات يتحمل المغرب نصيبها الأكبر بنسبة 87% من مجموع مساهمات الدول.
هذا جُزء صغير من الدعم المباشر والعملي للشعب الفلسطيني، أما على المستوى السياسي والدبلوماسي. فعاهل المغرب يُشدد دائما على أن حلّ الدولتين، فلسطين التي تعيش جنبا إلى جنب في أمن واستقرار بجانب دولة إسرائيل.
الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بالنسبة للمغرب، يوضح بلوان، هو “صراع سياسي بامتياز”، وبالتالي يؤكد الملك في أكثر من مناسبة على أن “أية مقاربات أخرى، على أهميتها. لا يمكن أن تكون بديلة لحل سياسي شامل وعادل، وفقاً لقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية”.
الموقف المغربي يشمل أيضاً وقوفه الثابت إلى جانب الشعب الفلسطيني، ودعمه الموصول، من أجل نيل حقوقه المشروعة والعادلة، في إقامة دولته المستقلة، على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية”.
مع التأكيد على أن “أية جهود لإعادة إحياء عملية السلام، لا يمكنها أن تحقق أهدافها، من دون وضع حد للسياسة الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة”.
وخلص الخبير المغربي إلى أن “الموقف المغربي واضح وثابت، ولا يقبل أي نوع من المزايدات. وهو الموقف الذي عبر عنه الملك محمد السادس بوضوح إبان توقيع الاتفاق الثلاثي عام 2020”.
السلام أولاً
“تعزيز المغرب لعلاقاته مع إسرائيل لم ولن يكون على حساب موقفه وجهوده تُجاه القضية الفلسطينية”، يوضح بلوان.
وشدد على أن “من شأن ذلك تحسين الأمن الإقليمي، وتسجيل انفتاح المنطقة برمتها على العديد من الآفاق الجديدة. لما ستعمل عليه من تقريب بين شعوب المنطقة ودعم السلام والاستقرار بمنطقة الشـرق الأوسط”.
وفي نفس السياق، استحضر المتحدث دعوة العاهل المغربي، الملك محمد السادس لبنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، للقيام بزيارة رسمية للمغرب.
وشدد على أن “تنفيذ هذه الزيارة لن يكون لبنة جديدة في العلاقات بين المغرب وإسرائيل، بل سيقطع أشواطاً طويلة في ملف السلام بالمنطقة”.
ولتفسير ذلك، قال بلوان: “كما نعلم جميعاً، فالزيارات الرسمية لرؤساء الدول تحظى بمكانة عالية في العرف الدبلوماسي. وتكون فرصاً مواتية لفتح آفاق جديدة للملفات ذات الاهتمام المشترك بين البلدين”.
وبين أن “زيارة نتنياهو للمغرب، ولقاؤه بالملك، سيكون لا محالة فرصة لمناقشة ملف السلام في المنطقة، وبالضبط القضية الفلسطينية”.
خاصة أنها زيارة سبقتها أخريات لبنيامين نتنياهو وقبله نفتالي بينيت لدول عربية مختلفة لبحث سبل فك الانسداد الحاصل في المنطقة.
مُخرجات إيجابية
“كيف يُمكننا الحسم بأن مُخرجات هذه الزيارة ستكون ذات تأثير إيجابي كبير على مسار العملية السلمية في المنطقة؟”، يتساءل الخبير في العلاقات الدولية.
أولاً، العلاقة والروابط القويين التي تربط الملك محمد السادس من جهة بالجالية اليهودية، سواء المقيمة في المغرب أو في مختلف الأقطار، بما فيها إسرائيل. يقول بلوان.
وكنقطة ثانية، يوضح بلوان، أن “المغرب يتميز بثقل كبير لدى المجتمع الدولي والعربي، ما مكنه من لعب دور محوري في تقرب وجهات النظر بين أطراف العديد من الملفات. والنزاع الليبي كان آخرها. ما يجعله مؤهلاً بقوة إلى لعب دور إيجابي في حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي. وما يُعززه الانشغال المغربي الكبير بإحلال السلام في المنطقة”.
أما النقطة الثالثة، فتتمثل في “المواقف الرزينة للمغرب بشأن الخلافات بين الدول. والتي تنبني على ضرورة اعتماد الحوار كسبيل للوصول إلى حلول من جهة. وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول من جهة أخرى”.
وأخيراً، السمعة الدولية المرموقة للمملكة المغربية، وعلاقاته المتجذرة مع القوى العُظمى المُؤثرة في القرار الدولي، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي. وأيضاً مصداقيته لدى الأمم المتحدة.
وبشكل عام، يوضح بلوان، أنه “لا يُمكن بناء الثقة بين طرفي أي نزاع، وإقناعهما بالمضي نحو التفاوض السياسي والحوار، إلا بوساطة طرف يتمتع بمستويات عالية من الثقة لدى الطرفين. وهو ما يتمتع به المغرب لدى إسرائيل، ولدى السلطة الفلسطينية، ومعها جميع الفصائل في الداخل الفلسطيني”.