سياسة

رئيس الوزراء العراقي يلوّح بالاستقالة: اتركونا نعمل


في إطار النزال القائم بين فصائل الحشد الولائي لإيران ورئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، يواجه الأخير تحديات ما تبقى من “هيبة الدولة” في ظل سلطتهِ المنتهكة لعدة مرات من قبل الفصائل الخاضعة لإمرتهِ قانونياً والخارجة عنها فعلياً، وأبرز محاولات التقدم للحكومة في معركة إثبات الوجود، هو اعتقال أفراد “خلية قاسم مصلح” المتهمة بتصفية ناشطين بارزين في محافظة كربلاء (120كم جنوب العاصمة بغداد). وعلى الرغم من التضارب الإعلامي بشأن إطلاق سراح القيادي الحشدي من عدمه، تؤكد مصادر مطلعة اعترافهُ على أفراد خليتهِ المتهمين بتصفية ناشطي الاحتجاج التشريني في المدينة الشيعية “المقدسة”، ما يجعل كفة النزال تميل لصالح الكاظمي على خصومهِ الولائيين.

ولوّحت المرجعية الشيعية من بعيد بدعمها للسلطات العراقية الرسمية، بعد أن روّجت صفحات مقربة منها على شبكات التواصل الاجتماعي خطبةً سابقة للمتحدث باسمها، بعيد انطلاق فتوى “الجهاد الكفائي” ضدّ تنظيم داعش، في تموز (يوليو) 2014، رفضت فيها تشكيل “جماعات مسلحة خارج إطار القانون”، والدعوة لـ “حصر السلاح بيد الدولة”، في إشارة لرفضها الاستعراض العسكري للفصائل الولائية واقتحامها للمنطقة الرئاسية الخضراء ببغداد، على خلفية اعتقال اللواء قاسم مصلح، في 21 من شهر أيار (مايو) الجاري.

ينتمي اللواء قاسم مصلح إلى فصائل العتبات المقدسة التابعة لمرجعية علي السيستاني، ويقودُ فصيلاً مسلحاً تحت مسمى “لواء الطفوف” في محافظة كربلاء (مرقد الإمام الحسين بن علي وأخيه العباس) قبيل انشقاق الفصائل السيستانية، في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، احتجاجاً على إدارة هيئة الحشد الشعبي الموالية لإيران. وتمكّن الولائيون من استمالة “مصلح” بعد تعيينهِ قائداً لعمليات حشد محافظة الأنبار المحاذية لكربلاء.

ويقول مصدر مطلع لـ “حفريات”؛ إنّ “مجموعة من لواء الطفوف الذي يقوده قاسم مصلح، كانت لها أدوار استخبارية في ساحة الاحتجاج التشرينية في محافظة كربلاء”، مبيناً أنّ “أحد الناشطين المغدورين، وهو إيهاب الوزني، كان منزلهُ يجاور منزل اللواء مصلح، في شارع أحمد الوائلي وسط المدينة المراقبة بنظام التقنيات الأمنية”.

وأكّد المصدر؛ أنّ “الجهة المنفذة لعملية الاغتيال، تمتلك من القوة ما يجعلها لا تخشى أيّة محاسبة من قبل الجهات الرسمية في ظلّ النظام الأمني الموجود في المحافظة”.

واعتقلت فرقة من جهاز مكافحة الإرهاب، الأربعاء الماضي، قائد عمليات الحشد في الأنبار، قاسم مصلح، المتواري عن الأنظار، بتهمة اغتيال الناشط إيهاب الوزني، رئيس تنسيقية الاحتجاجات في كربلاء، والذي كان لسنوات عدة يحذر من هيمنة الفصائل المسلحة الموالية لإيران وأردي برصاص مسلّحين أمام منزله مطلع الشهر الجاري.

“الرئاسات الأربع” تطالب بدعم النظام

وأدّى اعتقال اللواء قاسم مصلح، إلى اقتحام الفصائل الولائية في الحشد الشعبي للمنطقة الرئاسية “الخضراء” وسط بغداد، ومحاصرة مبنى الحكومة للمطالبة بإطلاق سراح القيادي المعتقل، وهو ما أدّى إلى زجّ الجيش في شوارع العاصمة في محاولة للسيطرة على الوضع العام.

وأعقب التمرد الحشدي، اجتماعاً عاجلاً للرئاسات الأربع (رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ورئاسة البرلمان ورئاسة القضاء)، لمناقشة التطورات الأخيرة والتداعيات “الخطيرة” المترتبة عليها.

وقال المجتمعون في بيانٍ لهم: إنّ “استمرار الاضطراب الأمني والتعدي على سلطة الدولة وحقّها في مسك القرار الأمني والعسكري يمثل تجاوزاً خطيراً على سلطة الدولة وهيبتها في فرض القانون وحماية أمن المواطنين، ويعرّض استقرار البلد إلى مخاطر حقيقية، ما يستدعي حضوراً فاعلاً لموقف القوى السياسية المختلفة من أجل التصدي لهذا التصعيد، ودعم الدولة في حصر السلاح بيدها، ورصّ الصفوف، ووأد الفتنة، واتخاذ مواقف موحّدة وجادّة وحاسمة لتدارك الأزمة”.

وشددت الرئاسات على “ضرورة احترام القرارات الصادرة عن القضاء واحترام إجراءات مؤسسات الدولة في المساءلة القانونية، وعدم التعرّض لقرارات القضاء خارج الأطر الدستورية، والالتزام بالإجراءات والسياقات القانونية حَصراً، من أجل إعلاء سيادة القانون ومبدأ المواطنة في دولة حامية لشعبها وضامنة لحقوق جميع المواطنين بلا تمييز”.

محاولة استثمار الرمزية المذهبية
وعمدَ إعلام الإسلام السياسي الشيعي المقرّب من إيران، إلى التصعيد ضدّ الإجراءات الحكومية الأخيرة، متهماً رئيس الوزراء بـ “التواطؤ” مع الجانب الأمريكي لإجهاض مشروع “الحشد المقدس” الذي انطلق من فتوى آية الله علي السيستاني، إبان اجتياح داعش للعراق عام 2014.

وتمتنع المرجعية الدينية في النجف، من التصريح السياسي في المناكفات الداخلية، لا سيما في الفترة الأخيرة بعد تعليق خطبتها السياسية منذ سنتين، وتعطيل الحضور لصلاة الجمعة نتيجة تفاقم أزمة كورونا في البلاد، لكنّها لوّحت، مؤخراً، بدعمها لسلطة فرض القانون على حساب “السلاح المنفلت” عبر بثّ صفحات مقربة منها على شبكات التواصل الاجتماعي، خطبةً سابقة للمتحدث باسمها تؤكد رفضها لما اسمتهُ “تأسيس الميليشيات”، وأنّ فتوى الجهاد الكفائي، هي “دعوة للانخراط في صفوف القوات المسلحة العراقية وليس غيرها”.

وعن ذلك، يقول عمار الموسوي، رجل دين في حوزة النجف التي يتزعمها المرجع السيستاني؛ إنّ “المرجعية العليا مع الدولة وضدّ الفوضى وأيّ تحرّك خارج حدود القانون، ولذلك سعت لعدم تغول العسكرة الحشدية خارج الأجهزة الأمنية”.

وأضاف لـ “حفريات”: “المؤسسة الدينية حرصت منذ انطلاق الفتوى بعدم تسمية الحشد رسمياً، وغفلت عنهُ، وكانت تركز على تسمية أعضائه بالمتطوعين والمقاتلين”، مؤكداً أنّها “أحرص من الجميع على حفظِ هيبة الدولة”.

الكاظمي يهدّد بالاستقالة

وبعيد تلك التطورات، هدّد رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، في اجتماع خاص عقدهُ مع كتل سياسية داعمة لحكومته بـ “الاستقالة” في حال عدم السماح له بتنفيذ برنامجهِ الحكومي وفي مقدّمتهِ الملفّ الأمني.

ومن أبرز ما قالهُ الكاظمي، بحسب تغريدة للدكتور إحسان الشمري، المستشار السابق في رئاسة الوزراء: “إن لم يتركونا نعمل، فسوف نخرج وأيادينا نظيفة”، وكان الكاظمي خلال الاجتماع “يهدد بالاستقالة” وفقاً للشمري.

أما النائب محمد الخالدي، فعلّق على ما حدث من استعراض عسكري للفصائل الحشدية في المنطقة الخضراء، بأنّ “العراق يمرّ في مرحلة شديدة التعقيد ربما هي الأكثر خطورة بعد 2003 وكادت أن تؤدي إلى منزلقٍ دامٍ لولا المساعي السياسية التي أنقذت الموقف ودفعته للتهدئة”.

وأشار الخالدي إلى أنّ “ما حدث غير مقبول، ودفع البلاد إلى اللا دولة”، داعياً إلى “الاحتكام للدستور باعتباره الفيصل في حلّ الأزمات”، مشيراً إلى أنّ “العراق لا يتحمل مرة أخرى ما حصل من أحداث الخضراء وتداعياتها ورسائلها السلبية للرأي العام الداخلي والخارجي”.

زعامات داعمة وأخرى مناهضة

من جانبٍ آخر، طالب زعماء سياسيون بضرورة احترام تطبيق القانون وعدم الاعتداء على المؤسسات الرسمية، فيما رأى آخرون أنّ ما حدث في قضية اعتقال “قاسم مصلح” استهداف لتضحيات الحشد الشعبي.

وحذّر رئيس تحالف النصر، حيدر العبادي، من “وقوع فوضى بسبب الاستقواء والتمرد على الدولة”، مبيناً أنّ “بناء الدولة مسؤولية تضامنية، إما أن تسير الدولة إلى النظام والسيادة، وإما أن تنهد على رؤوس الجميع”.

وشدّد رئيس الوزراء الأسبق على أنّ “التجاوز والاستقواء والتمرد على الدولة ممنوع، والفتنة والفوضى والاستلاب كارثة”، مؤكداً أنّ “لا أحد فوق القانون والمساءلة، فلنحتكم إلى الدولة ومنطقها قبل أن تبتلعنا الفوضى”.

أما زعيم تيار الحكمة، عمار الحكيم، فقد دعا إلى “وجوب سريان قرارات القضاء على الجميع واحترام مؤسسات الدولة”، وأضاف أنّ “التفريط بهيبة الدولة يُعرض حاضر البلاد ومستقبلها إلى الخطر، فضلاً عن إضعافها وتشويه صورتها أمام الرأي العام العالمي”.

لكن زعيم تحالف الفتح (الجناح السياسي للفصائل الولائية)، هادي العامري، اتّهم رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بمحاولة “إعادة العراق إلى الديكتاتورية”.
 

وقال في بيان له: “الحشد، بدمائه الطاهرة، بنى هيبة الدولة ومن يريد كسر هيبة الحشد، تحت أي حجة كانت هو الذي يريد أن يقوض هيبة الدولة”، مضيفاً أنّ “من يعتقل بطرق ملتوية، بعيداً عن الإجراءات القانونية والأصولية وباجتهادات شخصية، هو الذي يريد أن يلتف على القضاء، ولا يلاحظ الفصل بين السلطات التي نص عليها الدستور، ولا يمكن أن يختزل القضاء والأجهزة الأمنية بشخص واحد”.

تابعونا على
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى