تحقيقات

حماس والإخوان المسلمون.. شبكة التطرف التي تقلق أوروبا


شهدت ألمانيا مؤخرًا حادثة أمنية أعادت إلى الواجهة النقاش حول نشاط الحركات الإسلامية المتطرفة في أوروبا، بعد أن أعلنت السلطات الأمنية عن توقيف ثلاثة أشخاص يشتبه في ارتباطهم بحركة حماس، عقب محاولتهم شراء أسلحة وذخائر بهدف تنفيذ عمليات ضد مؤسسات إسرائيلية ويهودية داخل الأراضي الألمانية.
الخبر لم يكن مجرد واقعة جنائية عادية، بل يحمل في طياته أبعادًا سياسية وأمنية أعمق، تتعلق بمدى تغلغل الفكر الإخواني المتشدد في أوروبا، والدور الذي تلعبه حركة حماس كامتداد ميداني لهذا التيار.

منذ تأسيسها في نهاية الثمانينيات، نشأت حماس في أحضان جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين، وتبنّت فكرها وأسلوبها في التنظيم والعمل السياسي والدعوي. كان الشيخ أحمد ياسين، مؤسس الحركة، أحد أبرز المنتمين إلى الجماعة، واستلهم من فكرها القائم على الدمج بين الدين والسياسة، والاعتماد على “الجهاد” كوسيلة للتغيير. ومنذ ذلك الحين، أصبحت حماس تمثل الذراع الفلسطينية للإخوان، فيما تولّت الجماعة الأم توفير الغطاء الفكري والدعم السياسي، وأحيانًا اللوجستي، في عدد من الدول العربية والغربية على السواء.

التحقيقات الألمانية الأخيرة تشير إلى أن الأشخاص الموقوفين لم يكونوا يتحركون بدافع فردي، بل ضمن شبكة منظمة لها ارتباطات بحماس وربما بجهات خارجية. هذه المعطيات تعزز ما تحذر منه الأجهزة الأمنية الأوروبية منذ سنوات، وهو أن بعض التنظيمات الدينية النشطة في أوروبا ليست بعيدة عن الأجندات السياسية للإسلام السياسي، التي تتخذ من العمل الدعوي غطاءً لأنشطة مالية أو فكرية قد تصب في خدمة جماعات متطرفة.

إن ما يثير القلق اليوم ليس فقط وجود أفراد يحملون أفكارًا متشددة، بل البنية الفكرية والتنظيمية التي تغذي هذا التطرف. فتنظيم الإخوان المسلمين في أوروبا يملك شبكة واسعة من الجمعيات والمراكز الدينية والثقافية، التي ترفع شعارات الاندماج والسلام، لكنها في بعض الحالات تنشر خطابًا يبتعد عن قيم التعايش، ويروّج لأفكار الانعزال والولاء للجماعة قبل الدولة. هذه البيئة المغلقة تشكل الأرض الخصبة التي يمكن أن تنمو فيها خلايا إرهابية مرتبطة بحركات مثل حماس.

السلطات الألمانية تدرك أن مواجهة هذا التحدي لا يمكن أن تكون أمنية فقط، بل فكرية أيضًا. فالتطرف لا يبدأ بالسلاح، بل بالكلمة والخطاب. والخطر الأكبر اليوم هو الخطاب الديني المسيس، الذي يروّج لفكرة الصراع بين “الإسلام والغرب”، ويغذي مشاعر المظلومية لدى الشباب المسلم في أوروبا. هذا النوع من الخطاب، الذي تتبناه بعض الجهات المرتبطة بالإخوان، يفتح الطريق أمام الجماعات الأكثر تشددًا لتجنيد أفراد جدد، وتحويل القناعة الفكرية إلى عمل عنيف.

تأتي حادثة ألمانيا لتكشف مرة أخرى أن أوروبا ليست بعيدة عن خطر التطرف القادم من الشرق الأوسط، وأن الصراع لم يعد مرتبطًا بمناطق النزاع التقليدية. فحماس، التي ترفع شعار “المقاومة”، لم تعد تكتفي بنشاطها في غزة أو في المحيط الإقليمي، بل تحاول مدّ نفوذها إلى الخارج، مستخدمة الخطاب الديني والتعاطف مع القضية الفلسطينية كوسيلة لتبرير وجودها وتنشيط شبكاتها.

لكن من المهم التذكير أن الدفاع عن القضية الفلسطينية لا يمكن أن يتم عبر العنف أو استهداف المدنيين، سواء في إسرائيل أو في أوروبا. فمثل هذه الأعمال لا تخدم سوى التطرف وتزيد من عزلة الفلسطينيين أنفسهم. أوروبا، التي تستضيف ملايين المسلمين، مطالبة اليوم بالتمييز بين الإسلام كدين قيمته التسامح والرحمة، وبين الجماعات التي تتخذ من الإسلام وسيلة لبناء نفوذ سياسي أو لتحقيق مكاسب أيديولوجية.

التحدي أمام الحكومات الأوروبية، وعلى رأسها ألمانيا، يتمثل في كيفية تحصين مجتمعاتها من الفكر المتطرف دون المساس بحرية المعتقد أو التضييق على المسلمين المعتدلين. وهذا يتطلب إستراتيجية مزدوجة: من جهة، مراقبة صارمة للنشاطات التي تدار تحت غطاء العمل الديني؛ ومن جهة أخرى، دعم الخطاب الإسلامي الوسطي الذي يدعو للتعايش والمواطنة.

الخبر الألماني الأخير ليس نهاية المطاف، بل ربما بداية مرحلة جديدة في وعي أوروبا بخطورة تمدد الجماعات المرتبطة بالإخوان المسلمين وحماس. المطلوب اليوم هو تعامل جاد، لا يقوم على الخوف أو التعميم، بل على الفهم الدقيق لطبيعة هذا الفكر وكيفية مواجهته فكريًا وثقافيًا قبل أن يتحول إلى تهديد أمني مباشر.

فحماس، التي تبرر العنف باسم المقاومة، وجماعة الإخوان المسلمين، التي تغلف خطابها بالشعارات الدينية، تشتركان في مشروع واحد: تسييس الدين وتقويض استقرار الدول. وأوروبا، التي عانت في العقدين الأخيرين من تداعيات الإرهاب العابر للحدود، لا يمكنها أن تتجاهل هذا الترابط الخطير.

إن حادثة ألمانيا يجب أن تكون جرس إنذار واضحًا بضرورة مراجعة شاملة للخطاب الديني في أوروبا، وضبط التمويلات القادمة من الخارج، والتعامل بحزم مع كل من يستغل الدين لأهداف سياسية أو عنيفة. فالأمن الفكري هو أساس الأمن الاجتماعي، وأي تساهل مع الفكر المتطرف اليوم قد يتحول إلى خطر أمني غدًا.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى