سياسة

حل حزب الإخوان في السودان.. أول الغيث قطرة


بدماء الشهداء ودعاء الأمهات وتضرع الآباء وبصبر وصمود الشعب السوداني وتحمله الطغيان والبطش الإخواني انتصر السودانيون على الحركة الإسلامية السياسية ونظام الإنقاذ البائد، ووضعوا النقاط على الحروف، التي كان مهرها دماء أبناء السودان الشرفاء من الشهداء الذين قتلوا منذ وصول الإخوان للحكم في السودان؛ بداية بمجزرة رمضان التي راح ضحيتها عدد من الضباط الغيورين على وطنهم، حتى مجزرة اعتصام القيادة العامة للقوات المسلحة التي غدر فيها بالمعتصمين العزل في ليلة 29 من رمضان.

إن إقرار قانون “تفكيك نظام الإنقاذ” المتمثل في المؤتمر الوطني وحرمانه من المشاركة السياسية لمدة 10 سنوات، ومحاسبة أعضائه وكل من ينتمي إليه أو شارك في حكومته هو انتصار لإرادة الشعب السوداني. فقد اشتمل القرار على عدد من النقاط التي إن تحققت ستكون درساً لكل من تسول له نفسه العبث مرة أخرى بخيرات وممتلكات وقيم الشعب السوداني.

جاء هذا القانون ليقوم الاعوجاج في القوانين التي سنّتها الإنقاذ، وطوّعتها حسب حاجتها طوال فترة حكمها للسودان.

كما نص القانون على حل حزب المؤتمر الوطني الحاكم في عهد البشير، وحذفه من سجل التنظيمات والأحزاب السياسية في السودان، فضلا عن حل مجمل الواجهات التي كان يستخدمها والمنظمات الأخرى التابعة له، أو أي شخص أو كيان مرتبط به.

هذا الإجراء هو في الواقع أقل ما يمكن عمله في حق الحزب وعضويته؛ لأنهم يستحقون أكثر من ذلك، بل يجب وضعهم جميعا في السجون ومحاسبتهم على ما اقترفوه في حق كل سوداني، وما نهبوه من خيرات السودان. كما أقر القانون العزل السياسي بحق من سموا “برموز نظام الإنقاذ أو الحزب”، ومنعهم من ممارسة العمل السياسي لمدة لا تقل عن عشر سنوات.

وتضمن القرار كذلك مصادرة ممتلكات وأصول الحزب، لتصبح ملكيتها تابعة لحكومة السودان، ونطرح سؤالا في هذه النقطة!! أين هي حكومة السودان؟ يجب أن تكون ملكا للشعب السوداني؛ لأن الحكومة الحالية هي حكومة انتقالية محددة الفترة والصلاحيات، حتى يتم انتخاب حكومة تمثل السودان بطريقة انتخابية شفافة، تحقق طموح كل أبنائه، وتحفظ حقوقهم، وتصون كرامتهم.

لإحقاق الحق يجب أن يكون نص هذا البند هو الحرمان من ممارسة العمل السياسي مدى الحياة؛ لأن أعضاء المؤتمر الوطني لديهم سبعة أرواح يمكنهم بعد عشر سنوات العودة للعمل السياسي بكامل قواهم؛ لأنهم مدعومون من الحركة الإسلامية التي تتبدل مثل الحرباء، وتتلون بكل ألوان الطيف السياسي.

القانون لم يغفل “رموز النظام”؛ حيث وضح من يقصدهم بتعبير “رموز المؤتمر الوطني” بأنهم “أي شخص شغل منصباً فيما يسمى “مجلس قيادة ثورة الإنقاذ”، وكل من تقلد أو شغل منصبا أو وظيفة في عهد الرئيس المخلوع.

كذلك وضع القانون بندا لمكافحة ما يعرف “بالتمكين”، المصطلح الإخواني الذي مارسته الإنقاذ طوال فترة حكمها للسودان، والذي بموجبه اتبعت أسلوب السيطرة على الوظائف بشتى الطرق، وتمكين عضويتها في كل مفاصل الدولة، ونخرت عظام كل المؤسسات والهيئات والمنظمات من خلال تعيين وتمكين عضويتها فقط.

وفي هذا البند وضح القرار أن تتولى اللجنة المكلفة العمل على تفكيك هذا التمكين في المؤسسات الحكومية وغير الحكومية والنقابات والهيئات، وكل مؤسسات الدولة طوال فترة الإنقاذ.

رموز وأعضاء المؤتمر الوطني يتحدثون عن أن هذا القرار يقصيهم من العمل السياسي لمدة 10 سنوات، نذكرهم بما فعلته حكومتهم في بداية استيلائهم على السلطة في السودان؛ حيث قامت بحل جميع الأحزاب والتشكيلات السياسية، وحظرت تكوينها ونشاطاتها، وصادرت ممتلكاتها لصالح الدولة، وتم إيقاف نشاطها السياسي باستخدام أعنف الطرق من قبل جهاز الأمن. وأمرت بإحالة العديد من الموظفين للصالح العام، وإلغاء التراخيص لكل المؤسسات الإعلامية والإصدارات الصحفية الحكومية وغير الحكومية، والعديد من القوانين التي وضعتها الإنقاذ لتنفيذ أجندتها وتمكين عضويتها والانفراد بالسلطة وحماية نفسها.

هنا وجب تنبيه الأحزاب السودانية التي تعد العدة للمشاركة في الانتخابات المقبلة بعد الفترة الانتقالية؛ أن تعي هذا الدرس الذي ألجم به الشعب السوداني حزب المؤتمر الوطني، وتعمل على تفاديه في المستقبل؛ لأن السودانيين لن يرحموا ولن يغفلوا عن حقوقهم، فما ارتكبه حزب المؤتمر الوطني طوال فترة حكمه ليس باليسير التغاضي عنه أو تغافله.

هذه الأحزاب يجب عليها العمل على تحقيق تطلعات الشعب السوداني، ووضع برامج واضحة وخططا مستنيرة تضعها أمام الرأي العام والشعب السوداني بكل كياناته ومكوناته؛ لأن وقت الحساب يكرم المرء أو يهان، وما حدث “للإنقاذ” هي عبرة لمن يعتبر.

أول الغيث قطرة.. فبعد لجنة فض الاعتصام نشهد لجنة فض نظام الإنقاذ.

لكي تؤدي هذه اللجان عملها لا بد أن تكون لها مطلق الصلاحيات، دون تدخل من مجلس السيادة ولا مجلس الوزراء، لتقوم بعملها على أكمل وجه وتعيد الحقوق المسلوبة للشعب، وكلنا أمل أن تعي هذه اللجان واجبها وتعمل لمصلحة شعبها؛ حيث إن نجاح عملها مرهون بمصداقيتها وشفافيتها مع الشعب السوداني.

كلنا لهفة لسماع ما تمخضت عنه نتائج تحقيق لجنة فض الاعتصام التي شكلت، وما توصلت إليه من معلومات وأدلة حول ما حدث في يوم ٢٩ رمضان، مع أن كل الدلائل والحقائق واضحة للعيان “وحدث ما حدث”.

كما ننتظر وضع قرار حل حزب المؤتمر الوطني “حزب الإنقاذ” حيز التنفيذ من قبل اللجنة المشكلة، وذلك لإسكات ضعفاء النفوس وإعادة وتلجيم الأصوات المرجفة من عضوية المؤتمر الوطني، التي تعودت على الاصطياد في الماء العكر لتحقيق مصالحها الخاصة، بغض النظر عن مصالح الشعب السوداني.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى