سياسة

حكومة الكاظمي في الميزان


تسير حكومة مصطفى الكاظمي بين الألغام وسط واقع عراقي معقد للغاية، تعصف به الأزمة تلو الأخرى.

مُضافا إليها التأثيرات الإقليمية والدولية التي لا يعيش العراق بمنأى عنها، بل هي تشكل نسيجه الداخلي. وفي ظل هذه الأوضاع، حاول مصطفى الكاظمي، رئيس الوزراء الحالي، أن يفرض سلطة الدولة من خلال خطاباته المتكررة، ولكن بدون جدوى، فلا تزال الدولة في أضعف حلقاتها وغير قادرة على مواجهة الدولة العميقة التي تدير العملية السياسية من وراء الكواليس. وهذا نتيجة بقاء التكتلات السياسية والأحزاب السياسية والمليشيات المسلحة التي تعمل على تفكيك الدولة من أجل مصالحها، لأن وجود الدولة القوية من شأنه أن يضر بمصالحها الخاصة.

مما لا شك فيه أن مجيء الكاظمي إلى سدة الحكم أملته ظروف معينة مرت بها العملية السياسية التي كادت تواجه طريقا مسدودا، وكان الوضع بحاجة إلى رجل بالمواصفات التي يتمتع بها الكاظمي من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من حكومة عادل عبد المهدي سيئة الصيت بالنسبة للعراقيين.

 إلا أن هذا الرجل الذي يتمتع باستقلالية معينة بعيدا عن الأحزاب والتكتلات والقوى الأخرى، يجد نفسه مضطرا للتعامل مع القوى السياسية المهيمنة، المختفية وراء الشعارات الدينية والطائفية. بل وربما أدت حكومة الكاظمي الضعيفة إلى انتعاش المليشيات إلى درجة أن فصيلا مسلحا يدعى حركة “ربع الله” قام مسلحوه بسحق صور الكاظمي بأقدامهم علنا في الشارع العراقي من دون أي محاسبة، وكذلك يطالبون بإخراج الأمريكيين من العراق رغم الاتفاقيات الدولية المعقودة بين الحكومتين العراقية والأمريكية، أي أن هؤلاء المسلحين يشكلون خطرا على القوانين الشرعية، ما أدى إلى ارتباك الأوضاع الأمنية وإعادة العراق إلى المربع الأول.

 كان البعض يعلّق الآمال الكبيرة على الكاظمي من خلال خطاباته المعتدلة التي لاقت قبولاً لدى الجمهور العراقي، خاصة عند ثوار تشرين، لكن الجمهور العراقي سرعان ما اكتشف أن ذلك غير قابل للتطبيق.

تحول الواقع السياسي، بسبب المحاصصة الطائفية، إلى تيارات وولاءات وأحزاب وتكتلات. ولم تتحمل الطبقة السياسية الحاكمة بعض الرموز العراقية التي خرجت تطالب بالإصلاح، فتمت تصفيتها أو خطفها أو وضعها في السجون السرية. وكان خطاب الكاظمي على الدوام: إننا سنحاسب القتلة. وهو ما لم يره أهالي الضحايا قط. ولم يتلمسوا أي محاسبة تُذكر إلا في الخطابات، حيث لا صوت يعلو فوق صوت الأحزاب والمليشيات.

 لذلك لم يتمكن الكاظمي من معالجة الملفات الأكثر سخونة مثل أوضاع كورونا التي وصلت إلى أرقام قياسية، والأوضاع الاقتصادية التي شهد فيها الدينار العراقي تدهورا كبيرا، وازدياد قوة المليشيات وسطوتها وغيرها من الشؤون.

 هذا ما دفع القوى العلمانية والتنويرية إلى رفض العملية السياسية لأنها غير شريكة لها في القرار بسبب المحاصصة الطائفية، وهذا ما أحدث شرخا في المجتمع العراقي المنقسم أصلاً. في حين لا يُشغل العملية السياسية سوى إرضاء إيران بأي شكل من الأشكال، بل وأكثر من ذلك لا تتوانى عن دعمها ماديا وأيديولوجيا. وهذا أدى بطبيعة الحال إلى مواجهة حادة بين حكومة الكاظمي والفصائل المسلحة الذين يستعرضون قوتهم في الشارع العراقي بين حين وآخر. وتتلقى هذه الفصائل دعما كبيرا من منظومة الفساد، لأن أي إصلاح ينادي به الكاظمي لا ينسجم مع مصالحها الضيقة الخاصة.

من جهة أخرى، يدعم الأمريكيون حكومة الكاظمي بدافع إضعاف النفوذ الإيراني بعد استفحاله في جميع ميادين الحياة العراقية، وانتقال الصراع الأمريكي الإيراني على أرض العراق، وهو ليس في مصلحة العراق أبدا.

على الرغم من كل ذلك، يعقد الكاظمي الآمال العريضة على الانتخابات المبكرة من أجل القيام بعمليات التغيير التي يتحدث عنها في خطاباته، إلا أن عدم مشاركة العراقيين في الخارج فيها منافٍ للدستور العراقي. والسؤال المطروح يدور حول نزاهة هذه الانتخابات التي شابها التزوير في الانتخابات السابقة.

 مما لا شك فيه أن العراق بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب، كما تذهب إليه بنود الدستور، ولكن ذلك غير مطبق على الواقع الفعلي، بسبب استئثار أحزاب دينية معينة بالسلطة وهي وإن لم تكن في السلطة ظاهريا فهي تتحكم من وراء الكواليس. وهذا ما هو حاصل في عهد الكاظمي. وهذه السياسة أدت إلى استباحة المكونات الأخرى من خلال إجبارهم على النزوح القسري والاستيلاء على ممتلكاتهم، خاصة في المحافظات السنية الست. ولذلك عواقب ونتائج كارثية على المجتمع العراقي على جميع الأصعدة. وهؤلاء مقصيون عن الانتخابات، أُضيف إليهم مؤخرا العراقيون في الخارج، وهو ما يعارض بنود الدستور العراقي والاتفاقيات والمواثيق الدولية التي صادق العراق عليها من دون أن ترى النور على الصعيد العملي.

  ولعل المثير هو طرح السؤال: ماذا سيكون مصير العراق لو فشل الكاظمي في الانتخابات؟ ومَنْ الذي يعتلي سدة السلطة، أي كتلة سياسية أو حزب ديني؟ يشهد الواقع العراقي انقساما حادا على الصعيدين الاجتماعي والثقافي، على إيقاع الأزمات المتلاحقة وفقدان المواطن لثقته بالحكومات العاجزة التي توالت على الحكم، خاصة مع انعدام الهوية الوطنية العراقية لمعظم الأحزاب الدينية الموالية لإيران.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى