تقدّم ميداني جديد للانتقالي الجنوبي في حضرموت
فرضت القوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن اليوم الخميس سيطرتها العسكرية والأمنية على أبرز المناطق والمدن الحيوية والحقول النفطية بمحافظة حضرموت النفطية، أكبر المحافظات مساحة، شرقي البلاد، في خطوة محورية على طريق تأسيس دولة الجنوب العربي المستقلة بحدود ما قبل عام 1990.
وتكتسب هذه السيطرة أهمية قصوى في سياق تطلعات المجلس الانتقالي الجنوبي، حيث تعد حضرموت أكبر محافظات اليمن مساحة وأغناها بالنفط والغاز، ما يمنح المجلس ورقة اقتصادية وسياسية قوية لقيام أي دولة جنوبية مستقبلية قادرة على تمويل نفسها.
وتمثل حضرموت عمقًا استراتيجيًا للجنوب، وتضم مساحات شاسعة، والسيطرة عليها تمنح المجلس سيطرة فعلية على معظم جنوب اليمن بعد سيطرته السابقة على عدن، لحج، والضالع، وأجزاء من أبين وشبوة.
وتتيح السيطرة على العواصم الكبرى كوادي حضرموت ومدينة سيئون، بالإضافة إلى المكلا (الساحل) التي تخضع لقوات النخبة الحضرمية التابعة للانتقالي، تثبيت نفوذه على الأرض وإدارة مؤسسات الدولة هناك، مما يعزز موقفه كقوة حاكمة فعلية لجزء كبير من الجنوب.
كما تمثل هذه العملية، التي أطلق عليها اسم “المستقبل الواعد”، تحديًا مباشرًا للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا وللقوات التابعة للمنطقة العسكرية الأولى التي كانت تتمركز في وادي حضرموت، مما يُضعف نفوذها ويقرب الانتقالي خطوة من الاستقلال الثاني الذي ينادي به.
وأتت السيطرة بعد مواجهات محدودة بين قوات “الانتقالي” وقوات المنطقة العسكرية الأولى التابعة لوزارة الدفاع في الحكومة اليمنية واشتباكات أخرى بين قوات “الانتقالي” وقوات “حلف قبائل حضرموت” التي تأسست عام 2013، وينادي بالحكم الذاتي لحضرموت، وهو كيان خاص بأبناء المحافظة، ولا يتبع للمجلس الانتقالي الجنوبي ولا الحكومة.
بينما تأسس المجلس الانتقالي الجنوبي عام 2017، وينادي بانفصال جنوب اليمن عن شماله وإعادة الأوضاع إلى ما قبل تحقيق الوحدة اليمنية.
ودخل جنوب اليمن وشماله في وحدة طوعية في 22 مايو/أيار 1990، غير أن خلافات بين قيادات الائتلاف الحاكم حينها وشكاوى قوى جنوبية من “تهميش وإقصاء” أدت إلى عودة الدعوات للانفصال لا سيما مع اندلاع الحرب الأهلية الحالية.
السيطرة لقوات “الانتقالي الجنوبي”
والخميس، أعلن المركز الإعلامي للمنطقة العسكرية الثانية بالجيش اليمني، في بيان مقتضب، أن “قوات النخبة الحضرمية تمكنت من السيطرة الكاملة على المواقع التي كانت تسيطر عليها قوات حلف قبائل حضرموت، وتأمين مواقع الشركات النفطية في هضبة حضرموت”.
وأضاف البيان، أن قوات حلف قبائل حضرموت “قامت بالهجوم على قوات النخبة التي ردت على الاعتداء وصد الهجوم ما أدى إلى هروب المهاجمين”.
ولم يصدر تعقيب فوري من “حلف قبائل حضرموت” حول هذا البيان، لكن ناشطين محسوبين عليه قالوا عبر مواقع التواصل، إن قوات المجلس الانتقالي “شنت هجوما بمختلف الأسلحة على مواقع قوات الحلف بهضبة حضرموت”.
بدوره، قال فرج البحسني، عضو مجلس القيادة الرئاسي والذي يشغل أيضا منصب نائب رئيس المجلس الانتقالي إنه “تم طي صفحة تمرد عمرو بن حبريش (رئيس حلف قبائل حضرموت) داخل الشركات النفطية بإرادة دولة لا تتهاون مع العبث، وبحكمة قيادة تدرك أن هيبة المؤسسات لا تُترك للمزايدات ولا تُخضع للمساومات”.
وأضاف في منشور عبر منصة شركة “إكس” اليوم الخميس أن “إنهاء هذا التمرد لم يكن مجرد إجراء أمني، بل رسالة واضحة بأن حضرموت محصّنة من محاولات فرض أمر واقع، وأن زمن ابتزاز مؤسسات الدولة قد انتهى إلى غير رجعة”.
والسبت الماضي، أعلنت قوات حلف قبائل حضرموت سيطرتها على منشآت المسيلة النفطية، التي تعد من أكبر حقول النفط في البلاد. وقالت في بيان، حينها، إن السيطرة على حقول النفط جاء “ردا على استقدام المجلس الانتقالي قوات من خارج حضرموت تمهيدا للسيطرة عليها”.
والاثنين، أعلنت شركة “بترومسيلة” النفطية اليمنية، إيقاف عمليات الإنتاج والتكرير بصورة كاملة، جراء الأوضاع الأمنية المتدهورة التي شهدتها المحافظة لنحو أسبوع قبل ذلك، بعد إعلان الحلف سيطرته على منشآت تابعة للشركة”.
اتفاق برعاية سعودية
وفي محاولة لاحتواء التوتر، أعلنت السلطة المحلية في حضرموت، الأربعاء، في بيان “وصول وفد عسكري سعودي رفيع المستوى، كان في استقباله محافظ المحافظة سالم الخنبشي، في مطار الريان بمدينة المكلا الساحلية”.
وعقب لقاءات عقدها الوفد السعودي مع الأطراف المتنازعة أعلنت السلطة المحلية في بيان نشرته الوكالة اليمنية الرسمية (سبأ) “التوصل إلى اتفاق تهدئة مع “حلف قبائل حضرموت”، يضمن استئناف الإمدادات النفطية في المحافظة”.
وذكر البيان، أن “الاتفاق تضمّن الوقف الفوري للتصعيد العسكري والأمني والإعلامي والتحريضي، واستمرار الهدنة بين الطرفين إلى أن تنتهي لجنة الوساطة من أعمالها والوصول إلى اتفاق كامل بين الطرفين”.
كما يتضمن الاتفاق “انسحاب قوات الحلف بدءا من الثامنة من صباح الخميس، إلى المحيط الخارجي للشركة بمسافة لا تقل عن كيلومتر واحد، وعدم اعتراض الدخول والخروج من وإلى الشركات للمعنيين بأعمال مدنية وعسكرية داخل الشركات”.
بدوره، نشر حلف قبائل حضرموت نص البيان في صفحته على منصة “فيسبوك” في إشارة إلى موافقته على الاتفاق الذي يشير إلى “إعادة تموضع قوات حماية الشركات إلى مواقعها السابقة لتأمين الشركات، وعودة موظفي الشركة المسؤولة عن تشغيل وإنتاج النفط في شركة بترو مسيلة ومزاولة أعمالهم”.
ويشمل الاتفاق “انسحاب قوات النخبة الحضرمية إلى مسافة لا تقل عن 3 كيلومترات من مواقعها الحالية وعودتها إلى مواقعها الأصلية عند التوصل إلى اتفاق كامل”.
قتلى وجرحى وتوجيه بإطلاق الأسرى
ووفق مصادر عسكرية للأناضول، فقد دارت على مدار يومي الأربعاء والخميس، مواجهات منفصله محدودة إحداهما بين قوات “الانتقالي” وقوات “حلف قبائل حضرموت” في هضبه حضرموت.
وبحسب وسائل إعلام محلية وناشطين، أسفرت المواجهات في حضرموت عن سقوط قتلى وجرحى، لكن لم يصدر أي طرف إحصائية بخصوص الضحايا، كما لم يصدر أي بيان رسمي من قبل الحكومة الشرعية أو مجلس القيادة الرئاسي حول تطورات الأوضاع في حضرموت.
غير أن المجلس الانتقالي، أفاد في بيان مساء الأربعاء بأن رئيسه عيدروس الزبيدي “أصدر عفواً عاماً، لكل من يلتزم بوقف أي أعمال عدائية أو تخريبية في حضرموت، ويُستثنى كل من ثبت تورطه في جرائم دم أو إرهاب أو انتهاكات جسيمة لحقوق المدنيين”.
وأضاف البيان أن الزبيدي وجه أيضا “بالاهتمام الفوري بالجرحى وتقديم كامل الرعاية الطبية لهم، والإفراج عن كافة الأسرى بشكل فوري، والحفاظ والالتزام بحماية المدنيين وتأمين الممتلكات العامة والخاصة، وأن أي تجاوز فردي سيتم التعامل معه بحزم وفق القانون”.
وبهذه التطورات، يكون المجلس الانتقالي قد سيطر على أهم المدن والمناطق الحيوية في ساحل ووادي حضرموت، ويمكن القول إنها معظم أو أبرز المناطق والمدن الحيوية بالمحافظة باستثناء مناطق صحراوية غير حيوية ليس فيها تواجد أمني وعسكري لأي طرف.







