تفكك التنظيم الدولي للإخوان المسلمين وأسبابه


حسب ما وصف مراقبون، فقد كانت اللعنة التي أصابت التنظيم وكتبت نهايته لحظة الوصول للحكم في البلدان العربية، حيث سقطت جماعة الإخوان الإرهابية في مصر، تونس، ليبيا، اليمن، وأخيرا السودان.

ويعد انهيار الجماعة الأم بمصر الصدمة الكبرى في تاريخها، حيث قد تبعه تغير كامل في الممارسة السياسية التي تحولت بشكل كلي إلى العمل المسلح بهدف إجبار الدولة المصرية على إعادة التنظيم المحظور رسميا والمنبوذ شعبيا إلى المشهد السياسي.

وحسب ما يراه مراقبون، فقد ساهمت انهيارات الجماعة الإرهابية المتتابعة في عدة دول كانت تمثل مراكز قوة لها وأهمها مصر، في التأثير بشكل كبير على التماسك الهيكلي داخل التنظيم الدولي ونسفت جميع الخطط والأهداف الاستراتيجية التي كان يسعى إلى تحقيقها بمساندة دول تتطابق مصالحها معه وفي مقدمتها حلم أردوغان بعودة الخلافة العثمانية.

ومن جهته، يقول الباحث المصري في شؤون الجماعات الإرهابية عمرو فاروق بأن التنظيم الدولي قد تأثر بسقوط إخوان مصر، وحاليا فإنه يمر بحالة من تجفيف والاستقطاب وعدم الانتشار.

وفي حديث للعين الإخبارية، أضاف أيضا فاروق بأن هناك حالة من التوتر المتزايد بين دوائر صنع القرار في التنظيم بأوروبا وقيادات التنظيم الدولي، في ظل خسارة الإخوان السلطة في مصر وتونس وليبيا، وفشلهم في سوريا واليمن والعراق، وعدم تمكنهم من تحقيق الأجندة السياسية التي يتم توظيفها غربيا بهدف تفكيك المنطقة العربية.

كما أشار إلى خروجهم أيضا من دائرة المنافسة السياسية وتراجع مشروع الإسلام السياسي بشكل عام، وذلك في ظل تشكيل الجناح المسلح للجماعة واستخدام القوة المؤجلة التي تحدث عنها حسن البنا وترجمة أفكار سيد قطب وغيرها.

                    

تصدع التنظيم وبيان حقيقة هشاشته

 

تسببت حالة الفشل التي عاشتها جماعة الإخوان في العالم في دفع العشرات من قيادات التنظيم الدولي إلى إعلان الانشقاق عنه، وهذا ما كشف حقيقة هشاشة هذا التنظيم. وتنقسم جماعة الإخوان إلى 67 فرعا حول العالم، يضعها التنظيم الدولي تحت تقسيم جغرافي إلى 7 مناطق.

وتشمل تلك المناطق شمال أفريقيا وتتكون من مصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا، والثانية تضم دولا أوروبا، والثالثة تضم دول أمريكا الشمالية واللاتينية وكندا، والرابعة شرق آسيا والباسفيك، والخامسة وسط آسيا، والسادسة اليمن والخليج وإيران وأفغانستان، والسابعة والأخيرة دول الشام.

وحسب دراسة قد قام بإعدادها المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، فجماعة الإخوان تعتمد وتنظيمها الدولي على قائمة كبيرة من الكيانات والتنظيمات التي تنفذ مخططات الإخوان في الخارج.

وعلى رأس هذه التنظيمات والكيانات المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ومنظمة كير الإسلامية الأمريكية، واتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا والجمعية الإسلامية الأمريكية، والمجلس الثوري بتركيا، والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ومعهد الفكر السياسي الإسلامي بلندن الذي يديره عزام التميمي، أحد قادة التنظيم الدولي للإخوان.

وتشمل أيضا الكيانات الاتحاد الإسلامي في الدنمارك الذي يرأسه سمير الرفاعي، عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وتحالف المنظمات الإسلامية الذي يتولاه إبراهيم الزيات القيادي في التنظيم الدولي.

وقد أشار أيضا فاروق للعين الإخبارية، بأن عملية سقوط الإخوان في مصر ستدفع إلى عملية تدويل منصب المرشد، وسقوط الهالة والقداسة التي كانت تغلف هذا المنصب تحديدا وقصره على إخوان مصر باعتبارهم الأحق والأقدر على إدارة التنظيم دوليا،  وذلك في ظل فشلهم الذريع في اختيار قيادات سياسية تدير المشهد السياسي داخل مصر منذ أحداث ما يسمى بالربيع العربي حتى سقوطهم في يونيو 2013.

وحسب الباحث المصري، فقد يكون مكتب لندن هو المقر الحقيقي لإدارة المشهد خلال المرحلة المقبلة في ظل هروب قيادات إخوان مصر واحتمائهم ببريطانيا التي تضم مئات المؤسسات والكيانات الإخوانية.

مراوغة من أجل البقاء

بينما يعتقد بعض المراقبين بأن الخلافات لم تكن وحدها السبب في انفصال تيارات إخوانية ببلدان عدة عن التنظيم الدولي، حيث رجحوا بأن يكون التصرف جزءا من مراوغة إخوانية خاصة وذلك بعد أن أعلنت عدة بلدان عربية في مقدمتها مصر والإمارات والسعودية بأن الإخوان تنظيما إرهابيا، وتلويح دول أخرى مثل السودان والكويت، مما اضطرهم لفك ارتباطهم بالتنظيم الأم وترك إخوان مصر.

وفي حديث عن عملية التعثر، فقد أشار الباحث المصري بأنها دفعت عددا من فروع التنظيم للانفصال التكتيكي، وهو انفصال تم بالاتفاق المتبادل بين قيادات الجماعة الأم في مصر والمراقبين للتنظيم في هذه الأقطار، بهدف الخوف من إدراج الإخوان على قوائم الإرهاب من قبل البيت الأبيض أو بريطانيا، وهي المخاوف التي من شأنها أن يتم مصادرة أموال التنظيم الدولي ككل والتحفظ على جميع الكيانات المؤسسات الإسلامية التابعة له داخل أوروبا وآسيا وغيرها.

كما أوضح أيضا بأن الانفصال قد كان قرارا بالتبرأة الظاهرية من الجماعة حتى لا يشمل قرار الحظر مختلف الكيانات الموالية للتنظيم الدولي، مثل انفصال إخوان الأردن واليمن وتونس والكويت، انتهاء بقرار اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا بالانفصال عن التنظيم الدولي، وهو أحد الكيانات التابعة للإخوان، ويضم هيئات ومؤسسات إسلامية منتشرة في أكثر من 30 دولة أوروبية.

وكانت الأردن، قد وجهت في مايو الماضي، ضربة أخرى قاصمة للتنظيم الدولي للإخوان، إذ أصدرت محكمة التمييز  وهي أعلى سلطة قضائية في الأردن قراراها القضائي رقم (73692018) باعتبار جمعية الإخوان المسلمين المرخصة عام 1946 منحلة بموجب أحكام القانون وذلك بدءا من تاريخ 1661953 لعدم توفيق أوضاعها وفقا لأحكام القانون.

انهيار حلم  البنا…أستاذية العالم 

وكان مصطفى مشهور المرشد الخامس للجماعة الإرهابية، قد أسس التنظيم الدولي للإخوان عام 1982 وذلك بعد هربه من مصر إلى ألمانيا، إذ دخلت تحت مظلته مجموعة من الجمعيات والمؤسسات الأهلية والاقتصادية حول العالم، بهدف تحقيق مخطط الجماعة لأستاذية العالم. وتضع أدبيات التنظيم تعريف أستاذية العالم بأنه هدف وصول جماعة الإخوان للحكم في كل البلدان العربية في وقت متزامن.

وقد ظلت الجماعة الأم على مدار تاريخها تنفي وجود التنظيم الدولي لأسباب تنظيمية تتعلق بالهيكل العام للجماعة، غير أن دوره الطبيعي قد ظهر بعد ثورة 30 يونيو، حيث فرضت الظروف عليه التحرك بشكل علني لإنقاذ الجماعة من أزمتها.

ومنذ منتصف 2013 ، فقد عقد التنظيم الدولي عشرات الاجتماعات واللقاءات التي تمت معظمها في تركيا وبعضها بدول أوروبية عدة، من أجل وضع خريطة طريق لإنقاذ الجماعة الأم في مصر.

وقد وضع التنظيم الدولي مصر أو مخطط تخريب مصر، محور اهتمامه، إذ قام برصد مليارات الدولارات لدعم العمليات الإرهابية التي استهدفت المؤسسات المصرية ورجال الجيش والشرطة والقضاء والمدنيين أيضا، واكتفى بمتابعة طفيفة للأحداث في الدول الأخرى مثل تونس أو الأردن.

ومن جانبه، يقول الباحث المصري في شؤون الحركات الإسلامية صلاح الدين حسن بأن جماعة الإخوان بمصر قد ظلت مسيطرة على التنظيم الدولي بشكل كامل حتى منتصف عام 2013.

وأشار أيضا حسن بأن التنظيم كان يعلق آمالا كبيرة على الجماعة بمصر، حيث عقد اجتماعا بتركيا في مارس عام 2013 لوضع آليات لتنفيذ مشروع خلافة يرضى به العالم، فإذا بها تفاجأ بانهيار حلمها وتحوله لأنقاض.

وأكد أيضا حسن على أن ثورة 30 يونيو قلبت موازين القوى داخل التنظيم الدولي، بعد أن نصبت شبه محاكمة للجماعة المصرية، حول مسؤوليتها في انهيار تجربتها في الحكم، وما أدى من تبعات على التنظيم العالمي وفروع الجماعة خاصة في تونس واليمن وليبيا.

هذا الأمر قد أثار حالة من الغضب داخل التنظيم جعل راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة الإخوانية في تونس، يقوم بشن هجوم على الجماعة المصرية، حيث اعتبر أنّها قد أخطأت في تعاطيها مع الأوضاع الداخلية، وهو ما عزز في اتجاه ابتعاده وجماعته عن مشهد الحكم في الدولة التونسية حتى لا تلقى مصير الجماعة في مصر.

انقلاب داخلي

حالة الانشقاق هاته والخلاف الدائم ليست جديدة على التنظيم الدولي للإخوان بل هي سمة كانت تغلب عليه منذ تأسيسه غير أنها زادت مؤخرا للدرجة التي جعلت قيادات التنظيم في تركيا يهاجمون التنظيم علانية ويصفونه بالكيان الوهمي غير القادر على اتخاذ أي قرارات بسبب الخلافات والصراعات الدائمة.

ومن جهته، فقد هاجم الإعلامي الإخواني أحمد منصور في لقاءات تلفزيونية عدة التنظيم الدولي ووصفه بالعاجز الفاشل عن إدارة الأزمة الطاحنة التي تمر بها الجماعة. ويفتح ملف فشل التنظيم مع زيادة حدة الصراعات الداخلية بين قادته سؤالا مهما حول إمكانية استمراره بهذه الطريقة.

ويعتبر سقوط الجماعة في مصر من أخطر محطات التحول في تاريخيها، ويضع مركز كارنيغي لدراسات الشرق الأوسط معضلتين أساسيّتين ساعدتا على سقوط حكم الإخوان، إذ تتعلق الأولى بالطريقة التي تعاملَ بها مرسي وجماعته مع الدولة ومؤسساتها ونظرة المجتمع لهذه الجماعة. في حين يؤكد المراقبون أن لحظة وصول الإخوان للحكم ببلدان عربية عدة كانت بداية النهاية للتنظيم الذي سعى للسلطة على مدار أكثر من 80 عاما.

الجماعة الأم.. انتهت

وكانت جماعة مصر قد فقدت سيطرتها المركزية على التنظيم الدولي بشكل شبه كامل، إذ يقول فاروق بأن التنظيم الدولي للإخوان قد أصبح يستقي تعليماته وتوجيهاته من مكتب لندن الذي يقوم بدوره باستشارة مكتب الإرشاد في مصر.

وتابع أيضا نظرا لسقوط إخوان مصر والقبض على قيادات التنظيم، أصبح مكتب لندن الواقع في حي كريكلوود تحت مسمى شركة الخدمات الإعلامية العالمية المحدودة التي تُعدُّ من أخطر الشركات المسجلة في لندن بالشراكة مع مكتب تركيا يديران المشهد بشكل عام عن طريق إبراهيم منير، ومحمود حسين، وبعض رجال التنظيم الدولي.

وبذلك فإن قرار التحكم في المشهد السياسي داخل بعض البلدان والمناطق وارد جدا بشكل عام، حيث أن للتنظيم أهدافا يسعى لتحقيقها سواء داخل المنطقة العربية أو داخل أوروبا، ومن الممكن أن يستعين التنظيم المحلي بقيادات التنظيم الدولي في الكثير من الشؤون السياسية والاقتصادية وأيضا بالدعم المالي، إذ إن أموال التنظيم الدولي وشركاته العابرة للقارات يتم توظيفها لتوطين الإخوان داخل المجتمعات سياسيا واجتماعيا وفكريا واقتصاديا.

Exit mobile version