سياسة

تشاؤم في العراق لولا برهم والكاظمي


يدعو ما يدور في العراق هذه الأيّام إلى التشاؤم لولا وجود شخصيات في مواقع مهمّة أبرزها رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء تعمل على إنقاذ ما يمكن إنقاذه وتأكيد أن العراق لن يكون لقمة سائغة للذين يسعون إلى تحويله مجرّد تابع. الشخصيتان اللتان تعملان من أجل تأكيد الهويّة العراقية بعيدا عن الشعارات الفارغة وفي ظل توازن إقليمي ودولي تدركان أهمّيته وتفاصيله هما رئيس الجمهورية برهم صالح ورئيس الوزراء مصطفى الكاظمي.

ما يجمع بينهما، إضافة إلى تمتعهما بالروح الوطنية العراقية، غياب العداء لإيران بل رغبة في إقامة علاقة معقولة معها. علاقة من الندّ للندّ وليس علاقة السيّد بالعبد التي تطمح إليها طهران. من الواضح أن لدى إيران ثأرا على العراق بسبب الحرب التي خاضها معها واستمرّت ثماني سنوات بين 1980 و1988 وانتهت بشبه انتصار عراقي بفضل جيش استطاع الصمود أمام موجات بشرية كانت في واقع الحال تعبيرا عن رغبة آية الله الخميني مؤسس “الجمهورية الإسلامية” في تصدير ثورته إلى العراق.

الأهمّ من ذلك كلّه، أخذ رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء العراقيان علما بأنّ هناك تغييرا كبيرا على الصعيد الشعبي في العراق، بما في ذلك في أوساط الشيعة العرب، لمصلحة استعادة العراق للشخصيّة الخاصة به في المنطقة. هناك رغبة شعبية عراقية في حصول ذلك بعيدا عن المغامرات التي ميّزت السنوات التي كان فيها صدّام حسين رئيسا بين 1979 و2003 وبعيدا عن التصرفات العشوائية التي ميّزت مرحلة ما بعد الاحتلال الأميركي في ربيع السنة 2003، وهي تصرّفات لا يزال جانب منها مستمرا إلى الآن. بينما ميّز تلك المرحلة الممتدة منذ 2003، ترسيخ الروح المذهبية بديلا من الروح الوطنية العراقية وقيام “الحشد الشعبي” في مرحلة ظهور تنظيم “داعش” الإرهابي الذي لم تكن إيران بعيدة عنه.

كان لافتا في الكلمات التي ألقاها برهم صالح في الفترة الأخيرة تشديده على مصلحة العراق أوّلا وعلى ضرورة أن لا يكون في البلد سلاح غير السلاح الشرعي. معنى ذلك الرفض التام لميليشيات موازية تعمل لمصلحة إيران تحت لافتة “الحشد الشعبي”. لا يدعو ذلك سوى إلى الشعور بأنّ هناك وعيا، على أعلى مستوى من شخص غير معاد لإيران، لأهمّية التخلص من السلاح المذهبي الذي يخدم “الجمهورية الإسلامية” ومآربها تحت لافتة “الحشد الشعبي”. هذا السلاح لا يصبّ سوى في خدمة نقل التجربة الإيرانية الفاشلة إلى العراق على أن يكون “الحشد الشعبي” مثل “الحرس الثوري” في إيران، أي المهيمن فعلا على القرار العراقي وعلى كلّ مؤسسات الدولة. لا مصلحة عراقية في ذلك. لن تقوم للعراق قيامة في حال نقل تجربة مدمّرة إليه، خصوصا أن ليس لدى إيران ما تصدّره سوى الفشل، إضافة بالطبع إلى الغرائز المذهبية التي هي جزء لا يتجزّأ من مشروعها التوسعي على الصعيد الإقليمي. هذا ما تدل عليه سياستها المتبعة ليس في العراق فحسب، بل في سوريا ولبنان واليمن أيضا. ماذا فعلت إيران في سوريا ولبنان واليمن وما الذي حاولت عمله في البحرين وبلدان عربية أخرى غير تدمير المجتمعات العربيّة وتفتيتها عن طريق ميليشيات مذهبيّة تابعة لها؟
من هذا المنطلق، يرتدي الخطاب الذي ألقاه الكاظمي في مناسبة عيد الجيش العراقي أهمّية خاصة. ففي ضوء حال التخبط التي يعيشها العراق، وهي حال ظهرت بوضوح من خلال سعي إيران إلى فرض “الحشد الشعبي” بديلا من الجيش الوطني، قال الكاظمي في ذكرى مرور مئة سنة على تأسيس الجيش العراقي “نجدد اليوم عهدنا إلى الشعب العراقي، بأننا لن نسمح باختطاف القرار الوطني العراقي من أية جهة كانت، ولن نخضع للمزايدات السياسية والانتخابية وأن قراراتنا تنطلق من مسؤوليتنا الوطنية. إن صون سيادة العراق وأمنه وسلامة دولته هو قرار عراقي بامتياز، تفرضه ضرورات العراق ومصالحه أولاً وأخيراً”. يضيف “العراق لن يكون ملعباً للصراعات الإقليمية أو الدولية بعد اليوم، ولن يسمح بأن تستخدم أراضيه لتصفية حسابات بين الدول. نقول: جيش العراق على أهبة الاستعداد للقيام بواجبه لوضع كل هذه الاستحقاقات حيز التطبيق. واجهنا حملات الطعن والتشكيك ومحاولة كسر إرادتنا باستعادة هيبة الدولة بصبر الشجعان لا بضوضاء المزايدين والانتهازيين”.

هذا جزء مما ورد على لسان رئيس الوزراء العراقي في خطابه الذي لم يأت فيه على ذكر عبارة “الحشد الشعبي” الذي حاول الاحتفال على طريقته بذكرى مرور سنة على تصفية الأميركيين لقاسم سليماني “قائد فيلق القدس” الإيراني وأبومهدي المهندس نائب قائد “الحشد الشعبي” بأنّ عمل كل ما في استطاعته لتأكيد أن العراق أرض إيرانية، تماما كما فعل وما زال يفعل “حزب الله” في لبنان.

من الواضح أن العراق أمام أشهر مصيرية. سيتوقف الكثير على نتائج الانتخابات التي تحدّد موعدها في السادس من حزيران – يونيو المقبل. كيف سيخرج الكاظمي من هذه الانتخابات؟ قد ينجح الكاظمي في البقاء حيّا سياسيا بعد الانتخابات وقد يفشل في ذلك. لكنّ مجرّد نجاحه في إجراء الانتخابات في موعدها إنجاز بحدّ ذاته، خصوصا إذا أدّت الانتخابات إلى بروز قوى عراقية جديدة تؤمن بأن لا عودة إلى مرحلة ما بعد 2003 بعد دفن مرحلة حكم صدّام حسين. الأكيد أنّ لا بديل في الوقت الحاضر عن الجيش العراقي ذي التاريخ الطويل الذي ليس ناصعا مئة في المئة. لم يعد تاريخ الجيش ناصعا، خصوصا عندما تسلل إليه الناصريون (نسبة إلى جمال عبدالناصر) والبعثيون والشيوعيون، ونفّذ ضباط موتورون الانقلاب العسكري في 14 تموز – يوليو 1958، وهو انقلاب كان في واقع الحال مجزرة في حق الأسرة المالكة وشخصيات وطنيّة بارزة مثل نوري السعيد. لم ير العراق يوما أبيض بعد ذلك الانقلاب الدموي… الذي تلته انقلابات أخرى.

لم يعد سرّا أن رهان أشخاص مثل صالح والكاظمي على الجيش العراقي رهان في محلّه. لكن من سيصنع الفارق هو المجتمع العراقي. هل حصل التغيير الكبير في داخل المجتمع نعم أم لا؟ لا جواب حاسما عن هذا السؤال قبل انتخابات حزيران – يونيو المقبل وذلك لمعرفة هل سيتغيّر شيء في العراق في وقت ليست مظاهر القوة الإيرانية سوى مظاهر ضعف أكثر من أيّ شيء آخر.

نقلا عن “العرب

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى