تركيا تسعى لمخطط جديد في ليبيا بقيادة رئيس استخباراتها
عرفت الآونة الأخيرة مجموعة من الأحداث المتلاحقة على الساحة الليبية، والتي سلطت الضوء عن مخطط تركي جديد بقيادة رئيس استخباراتها هاكان فيدان، والذي يقوم بالتمهيد لمزيد من التدخل في الشؤون الداخلية لليبيا، بتصريح من حكومة فايز السراج.
إن الأحداث الميدانية في ليبيا لم تعد تسير مؤخرا حسب المخططات التركية، إذ بالرغم من وجود الدعم العسكري التركي وتزويد ميليشيات طرابلس بالأسلحة، فضلا عن إرسال مرتزقة سوريين للقتال إلى جانب حكومة الوفاق، فإن النتائج جاءت عكس ما تريده تركيا.
بعد أن قام هاكان فيدان بزيارة طرابلس، تعرضت سفارتا تركيا وإيطاليا لهجمات في طرابلس، وقد تم تعيين قيادي بتنظيم القاعدة لإدارة غرفة العمليات، وقُتل أيضا مسؤول الاستخبارات لدى حكومة الوفاق، حسب ما جاء في موقع وكالة إيه أن أف نيوز (ANF News) الإخبارية.
بالإضافة إلى أن تنظيم الإخوان والتنظيمات السلفية التي تدعمها الدولة التركية لا تقوم بأداء جيد، في نظر حزبي العدالة والتنمية الحاكم، وأيضا الحركة القومية في تركيا، وقد دفعت كل هذه الأمور أنقرة إلى اتخاذ خطوات في إطار مخطّط جديد بإدارة رئيس الاستخبارات التركية هاكان فيدان.
أحداث متسارعة خلال الأسابيع الماضية
ومن أجل الفهم الجيد لمجريات الأحداث في ليبيا خلال الأسابيع الاخيرة، يجب تسليط الضوء أولا على أهم التطورات التي حدثت والتي تعتبر كلها مؤشرا على مخطط تركي جديد في ليبيا، حيث في الوقت الذي دعا فيه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس إلى وقف إطلاق النار في مناطق النزاع حول العالم من أجل توحيد الجهود العالمية في مواجهة وباء كورونا، فقد باشرت تركيا بعملية عسكرية ضد قوات الجيش الوطني الليبي، في أبريل الماضي.
وتمكنت ميليشيات طرابلس ضمن تلك العملية من السيطرة على الشريط الساحلي الغربي لمدينة طرابلس، وعدد من المواقع على الحدود مع تونس، فضلا عن مدينتي صبراتة وصرمان.
وأكد من جهته المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري بأن هجمات ميليشيات طرابلس في إطار العملية جرت بتنسيق وإشراف مباشر من ضباط أتراك، وأشار إلى وجود أدلة على مشاركة إرهابيين من تنظيمات داعش والقاعدة وأنصار الشريعة في الهجمات على صرمان وصبراتة.
وذكرت أيضا عدة تقارير بأن الهجوم على مدينة صبراتة تم بقيادة أحمد الدباشي، الذي قام مجلس الأمن الدولي بوضعه في القائمة السوداء عام 2018، بتهمة الاتجار بالبشر، وفق ما ذكرت الوكالة، إذ جرت قيادة الدباشي لهجوم مدينة صبراتة بإيعاز من تركيا، والتي عملت خلال الفترة الماضية على تجميع أكبر عدد من المتطرفين، المطلوبين دوليا، في ليبيا، بهدف القتال في صفوف ميليشيات طرابلس.
وردت من جهتها قوات الجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر على تلك العملية بمجموعة من الهجمات والتي استهدفت مدن عديدة من ضمنها مدينتي طرابلس ومصراتة، وكبدت بذلك خسائر كبيرة في صفوف ميليشيات طرابلس والجيش التركي ومرتزقته السوريين.
وقد سعت تركيا أيضا من خلال العمليات العسكرية لميليشيات طرابلس، إلى السيطرة على مدينة ترهونة وقاعدة الوطية الجوية، غير أن قوات الجيش الليبي كانت لها بالمرصاد وبذلك فقد بدأت بتنفيذ مخطط جديد.
زيارة فيدان إلى ليبيا
كشفت تقارير إعلامية في السابع من مايو الجاري بأن فيدان قام بزيارة قبل أسبوع إلى ليبيا وأوضحت في ذات الوقت بأن تركيا بدأت بنقل قوات خاصة من الجيش وعدد كبير من المرتزقة السوريين إلى ليبيا.
وكان ذلك بعد تصريحات صحفية صرح بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الخامس من مايو الجاري حيث قال فيها بأنه سيتلقى أخبارا سعيدة من ليبيا قريبا، وحينها تداولت العديد من المواقع خبر اختطاف مسؤول الاستخبارات لدى حكومة الوفاق، عبد القادر التهامي وذلك في ظروف غامضة وأشارت بأنه قد تمت تصفيته والإعلان عن وفاته بأزمة قلبية.
في حين أكد من جهتهم مسؤولون في الجيش الوطني الليبي بأن التهامي اختُطف من طرف ميليشيات الوفاق، وقتل تحت التعذيب، ولم يمت بأزمة قلبية، وفق إيه إن إف نيوز، كما قالت قيادة الجيش الليبي بأنه جرى تعيين القيادي البارز في تنظيم القاعدة، خالد لشريف لإدارة ما يعرف بغرفة عمليات طرابلس، من قبل الدولة التركية.
لقد أقام خالد الشريف الذي يعرف بأبو حازم الليبي في تركيا لمدة طويلة قبل أن يعود إلى ليبيا ويتولى قيادة مجموعة مسلحة تدعى المجموعة العسكرية التابعة لحكومة السراج، في المعارك ضد الجيش الوطني، وقد وضع اسمه بين المطلوبين للعدالة.
استهداف سفارتي تركيا وإيطاليا
كل هذه الأحداث جاءت بالتزامن مع سقوط قذائف على منتزه طريق الشط بالقرب من مقر إقامة السفيرين الإيطالي والتركي بالعاصمة الليبية طرابلس، حيث أدى ذلك إلى مقتل مدني ليبي وعنصران من الشرطة وجرح 4 مدنيين.
هذا وقد زعم السراج في مقابلة أجرتها صحيفة كورييري ديلا سيرا الإيطالية بأن عملية إيريني (إرسال الاتحاد الأوروبي بعثة لمراقبة حظر تصدير الأسلحة إلى ليبيا)، تصب في مصلحة الجيش الوطني الليبي، حيث قال الأسلحة والذخيرة تصل إلى أعدائنا في الغالب عن طريق البر والجو، فيما سيتم مراقبة موانئنا، وذلك في تصريحات تدل على أنّ الهجوم على محيط السفارتين يهدف بالأساس إلى توريط قوات الجيش الليبي.
بينما قال المسماري في بيان: تنفي القيادة العامة نفيا قاطعا قيامها بهذه الأفعال التي تنافي المواثيق والقوانين والأعراف الدولية، وذلك في إشارة إلى استهداف المقرات الدبلوماسية.
فيما لم تنتظر وزارة الخارجية التركية لفترة طويلة بعد حدوث الهجمات، إذ خرجت بتصريحات نارية وقالت: أي استهداف لمصالحنا في ليبيا سيجعل من خليفة حفتر هدفا مشروعا لنا، وتوضح هذه التصريحات حقيقة من يقف وراء الهجمات.
تكرار سيناريو سوريا
إن استهداف سفارتي تركيا وإيطاليا في طرابلس، يرجع بالأذهان إلى التسجيل الصوتي المسرب لفيدان عندما كان في اجتماع سري عام 2014، لمناقشة الأوضاع في سوريا، والذي ضم وزير الخارجية السابق أحمد داوود أوغلو، ومستشاره فريدون سينيرلي أوغلو، والنائب الثاني للقائد العام للجيش الجنرال يشار كولير.
وقد كشف التسجيل المسرب لصوت فيدان يقول فيه: فيما يتعلق بخلق الذرائع (للتدخل العسكري في سوريا)، أستطيع إرسال 4 أشخاص إلى الجانب الآخر من الحدود ليطلقوا 8 صواريخ على مساحات خالية من الأراضي التركية لنخلق الذرائع. لا تقلقوا الذرائع موجودة.
ويذكر بأن الجيش التركي قد بدأ في 24 غشت من عام 2016 عملية عسكرية من أجل احتلال طرابلس وإعزاز والباب، غير أنه قبل العملية بـ4 أيام، قام إرهابيو تنظيم داعش بتنفيذ هجوم على حفل زفاف لعائلة كردية في مدينة عنتاب، الأمر الذي خلق سببا للتدخل في تلك المدن السورية.
وشهدت عفرين نفس الشيء إذ ادعت تركيا سقوط 4 قذائف هاون على مدينة هاتاي (لواء إسكندرون) كان مصدرها مدينة عفرين، غير أن عدة تقاري كشفت بعد ذلك بأن الأراضي التركية كانت مصدر القذائف، وخرجت أيضا مزاعم مماثلة قبل احتلال تركيا لمدينتي تل أبيض ورأس العين.