سياسة

تركيا.. أخطبوط أم تخبط؟


لم يكد حبر بيان برلين حول ليبيا الذي أكد منع إدخال السلاح للمتصارعين في هذا البلد، وعدم التدخل في شؤون ليبيا الداخلية، أن يجف، حتى كانت تركيا تنسف التزامها.

ومع أن هذا التصرف التركي لم يكن جديداً؛ لكنه أدى إلى ردود أفعال سريعة، كان من بين أبرزها إرسال فرنسا حاملة الطائرات «شارل ديجول» إلى شرق المتوسط، والتي رصدت فرقاطة تركية قبالة السواحل الليبية تواكب سفينة نقل آليات سريعة في اتجاه طرابلس، ما أدى إلى استنكار الرئيس الفرنسي مجدداً التدخل التركي في النزاع الليبي في انتهاك صريح للتعهدات التي قطعتها أنقرة خلال مؤتمر برلين الدولي حول ليبيا.

وتزامن الموقف الفرنسي مع تأكيد دولتي الإمارات العربية المتحدة واليونان، رفضهما أي سياسيات وإجراءات تهدد الاستقرار في البحر المتوسط، والذي بات في خطورة متزايدة؛ جرّاء التدخل العسكري في ليبيا، وقيام أنقرة بالتنقيب عن النفط في المتوسط، وتجاهل التحذيرات الدولية.

التداعيات أعادت إثارة أسئلة عدة: هل باتت تركيا ذلك الأخطبوط الذي تتسارع تشعباته بصورة قياسية؟ أم هو التخبط المفتوح على نتائج كارثية؟ الإجابة تستدعي المرور على قضايا عدة: هناك من يعيد الاندفاع التركي المحموم في المنطقة إلى نزعة أردوغان لإعادة إحياء الإمبراطورية العثمانية، وأن الوضع الدولي وأوضاع المنطقة، توفر فرصة ذهبية للتمدد التركي وخاصة في المنطقة العربية وإفريقيا.

وفي هذا الشأن فإن حملات «تجميل» الإمبراطورية العثمانية لا تقتصر على النواحي الإعلامية الدعائية؛ بل وعلى إعادة تسويق العملية الاستعمارية تحت مظلة المساعدات التنموية، واستغلال ظروف بعض البلدان.

وهناك من يشير إلى أن تركيا اندفعت في لعبة أكبر منها في المنطقة، وكانت لها حسابات الفوز بمكاسب حيوية واستراتيجية؛ جرّاء دورها بصورة فعلية.

ومن خلال أدواتها «الإخوانية» في عدة بلدان في المنطقة؛ لكنها اصطدمت بحقائق لعل أبرزها أن التاريخ لا تصنعه اللعبة الاستخباراتية، ومن هنا تبدو تركيا كما لو أنها في حالة انتقامية، والدال على هذا تدهور علاقاتها مع الجميع باستثناءات يتيمة.

وإلى هذا وذاك، هناك من يرى أن إشكالية السياسة الأردوغانية أنها تسوق المصالح التركية الاقتصادية والعسكرية والسياسية والأمنية؛ لكنها تنسفها بصورة عملية، بإعلاء مصالح «الإخوان» لا في تركيا وحدها؛ بل حيث تتواجد هذه الجماعة الخبيثة.

ومع أن هذه الآراء في شان السياسة التركية واردة، بيد أن الأهم هو المترتبات وهي بانت متداعية؛ ومن ذلك: أولاً: انسحبت المجاميع التي كانت تركيا ترعاها وتمولها وتتعامل معها على أساس أنها القوة القادرة على مواجهة الجيش السوري في إدلب، وما كان هذا الانسحاب ليحدث بصورة مفاجئة دون وجود أسباب، وهذا ما جرى الإعلان عنه وهو الغدر التركي، وهي نتيجة طبيعية ليس لأن مسلسل الغدر تداعى فقط؛ بل ولأن التعاطي التركي الاستخباراتي مع القضايا والأزمات باستغلالها واستثمارها كان لا بد أن يصل إلى هكذا نتيجة.

ثانياً: في مدينة مصراتة الليبية ذات الثقل السكاني والاقتصادي والمالي والعسكري غربي ليبيا وتوصف بأنها معقل «الإخوان» لم تصمد طويلاً؛ فاستعادها الجيش الوطني من دون معركة، كما أن أهلها عبروا عن رفضهم للجماعات الإرهابية المسلحة.

وجدير بالإشارة هنا أن توجهات أردوغان التمدد عبر الأدوات «الإخوانية» يصطدم ليس بواقع المواجهة الشعبية فقط؛ بل وفي حالة الانقسام التي تتزايد في صفوف الجماعة، والدال ما أعلنه رئيس المجلس الأعلى للدولة السابق التابع للجماعة عبدالرحمن السويحلي، الذي اتهم الجماعة «الإخوانية» بالتسبب في سفك دماء الليبيين، وأكد أن «جماعة الإخوان في ليبيا مستمرة في إقصاء الجميع، ومستعدة أن تعمل أي شيء؛ للحصول على السلطة».

ثالثاً: ما حدث في إدلب السورية وما يجري في مصراتة الليبية يمكن القول إنه قليل مما حدث ويحدث في محافظة تعز اليمنية ذات الثقل السكاني، والتي تعد المعقل الرئيسي لجماعة «الإخوان» في اليمن، فالجماعة تسيطر على القرى والمناطق والمدن عسكرياً، وهذه القوة تبيح كل شيء السلب والنهب والبطش والاستيلاء على المرافق والمنازل..

الأمر الذي أدى إلى انفجار الغضب في أوساط الناس من الجماعة في الشوارع والتواصل الاجتماعي.
السؤال: ترى ماذا سيكون الأمر بالنسبة لحزب أردوغان في تركيا؟ لا مجال للاحتمالات والتوقعات والتنبؤات، ولكن المؤكد أن الصعود الاستخباراتي مفتوح على سقوط تاريخي، وقيادة «الإخوان» التابعة لأردوغان هي المالك الوحيد لهذا المصير، والنتيجة والشاهد على هذا المصير عاصفة الشعب المصري ضد الدولة «الإخوانية».

عن الخليج الإماراتية

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى