سياسة

بقيود صارمة على استعمال المياه.. تونس تواجه الجفاف


اعترفت السلطات التونسية الجمعة مجموعة من القيود على استعمال مياه الشرب منها اعتماد نظام الحصص لتوزيعها على السكان لعدة أشهر إثر موجة جفاف تشهدها البلاد.

حيث أصدر وزير الزراعة قرارا بالحد من استعمال المياه الصالحة للشرب في الأغراض الزراعية ولري المساحات الخضراء ولتنظيف الشوارع والأماكن العامة ولغسيل السيارات.

كما سيتم اعتماد نظام الحصص لتوزيع المياه على السكان حتى شهر سبتمبر القادم، بينما علّلت الوزارة قرارها بـ” تواتر سنوات الجفاف. وضعف الإيرادات بالسدود مما انعكس سلبا على مخزونها المائي الذي بلغ مستوى غير مسبوق”.

قالت الشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه المخصصة للشرب اليوم الجمعة في بيان إنها تبعا لقرار وزير الفلاحة. ستبدأ بقطع المياه لمدة سبع ساعات ليلا بصفة يومية في مسعى للتقشف في مخزون المياه المحدود. ويبدا قطع المياه من التاسعة ليلا إلى الساعة الرابعة فجرا بالتوقيت المحلي. وبررت الشركة هذه الخطوة بالتوازنات السلبية بين العرض والطلب على المياه كما وصفت الظرف الذي تمر به البلاد بـ”الحساس”.

ويبلغ المخزون في أكبر سد في البلاد، سد سيدي سالم، المزود الرئيسي لمناطق الشمال 17 بالمئة فقط من طاقة استيعابه. وتصنف تونس من قبل منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، من بين الدول المهددة بندرة المياه.

وتواجه تونس أزمة جفاف حادة مع تراجع نسبة تساقط الأمطار ولم يتجاوز معدّل امتلاء السدود 31 بالمئة. وبعضهما أقل من 15 بالمئة في بلد يعتمد اقتصاده أساسا على الزراعة.

وتتزامن هذه القرارات في شهر رمضان. بينما يتحدث سكان في مناطق مختلفة بالعاصمة التونسية عن انقطاع المياه ليلا حين ترتفع نسبة استهلاكها.

وبدأت النقابات الزراعية في دق ناقوس الخطر للموسم الزراعي وخاصة في ما يتعلق بقطاع الحبوب.

وأفاد الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري في بيان بتضرر آلاف الهكتارات جراء نقص الأمطار وتدني مستوى السدود إلى جانب تضرر الأشجار المثمرة والخضراوات وغيرها.

وقال المتحدث باسم الاتحاد أنيس خرباش في تصريحات إعلامية إن موسم الحبوب “سيكون كارثيا وموسم الحصاد منعدم” هذا العام وإن تونس ستنتج فقط “2 مليون قنطار” من الحبوب. وهذا الرقم لا يكفي حتى لبذور الموسم القادم.

ويعزو خبراء السبب الرئيسي في الجفاف وتواتر الكوارث المناخية من فيضانات وأعاصير ويتوقّع أن تزداد، إلى تفاقم ظاهرة احترار المناخ.

وكانت تونس لسنوات خلت بمنأى عن هذه الظاهرة ولم يسبق لها أن اتخذت إجراءات صارمة كالتي أعلنت عنها الجمعة، ما يشير بالفعل إلى أزمة مياه حادة تطرق بقوة أبواب البلاد التي تعاني بالفعل من عدة أزمات مالية واجتماعية سياسية.

ولا تعد تونس استثناء في خضم أزمة مياه ضربت العديد من البلدان من بينها العراق الذي يعاني بدوره من شح في المياه ناجم في جزء منه عن الجفاف وتراجع التدفقات إلى نهري دجلة والفرات من دولة المنبع: تركيا التي اعتمدت سياسة مائية قائمة على بناء سدود ضخمة وحبست المياه عن جارتها.

في يناير الماضي نشرت رويترز تقريرا مفصلا عن أزمة المياه في تونس ووضع سدودها التي تراجع منسوبها بشكل مقلق.

الحد من استعمال المياه الصالحة للشرب يشمل الأغراض الزراعية وري المساحات الخضراء وتنظيف الشوارع والأماكن العامة وغسيل السيارات

ففي سد سيدي البراق بنفزة الواقعة على بعد 140 كيلومترا شمالي العاصمة تونس يبدو المشهد صادما. حيث يكاد ينضب السد من الماء والأرض متشققة والأشجار المحاذية في حالة موت بطيء نتيجة انحسار الأمطار وموسم جفاف ثالث على التوالي يضرب البلاد.

 وتعاني تونس نقصا كبيرا في الأمطار منذ سبعة مواسم وجفافا مستمرا للعام الثالث على التوالي مما زاد المخاطر. التي تحدق بالأمن الغذائي في بلد يعاني أصلا مشاكل اقتصادية. كما يهدد الجفاف العديد من المناطق في البلاد من بينها العاصمة بالعطش نتيجة تراجع مخزون السدود إلى مستوى غير مسبوق.

وقال المسؤول بوزارة الفلاحة حمادي الحبيب “الوضع خطير للغاية بسبب سنوات الجفاف المستمرة… الآن يبلغ منسوب السدود في تونس 25 بالمئة من سعتها. بينما وصل في بعضها إلى عشرة بالمئة فقط”. مضيفا “فقط 660 مليون متر مكعب هي كميات المياه في 37 سدا بالبلاد”.

ومنذ سبتمبر من العام الماضي، سقطت 110 ملايين متر مكعب فقط من الأمطار في تونس، أي حوالي خمس المعدل الطبيعي إذ أن المعدل الاعتيادي لا يقل عن 520 مليون متر مكعب.

وفي محافظة سليانة، لا تتجاوز الكميات الحالية أربعة ملايين متر مكعب في سد يحمل اسم المحافظة يتسع لحوالي 27 مليون متر مكعب، وسط حيرة الفلاحين الذي ينتظرون موسما زراعيا صعبا للغاية.

ويتوقع المزارعون واتحاد الزراعة حصادا هزيلا للحبوب هذا العام بسبب الشح الكبير في الأمطار.

كما تواجه بقية الزراعات مثل الزيتون والذي يمثل أهم صادرات البلاد، بدورها خطر التراجع الكبير وبالتالي زيادة عجز الميزان التجاري الغذائي للبلد الذي تعاني ماليته العامة من اضطراب حاد تزامن مع تعثر مفاوضات يجريها مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض تمويلي بـ1.9 كليار دولار.

وجاء في تقرير رويترز قبل نحو شهرين، أنه وبينما كان الفلاح حاتم النفرودي يملأ الماء في شاحنة من سد سليانة. لم تفارق علامات الحيرة والوجوم وجهه وهو يقول “الكارثة تتعاظم.. الجفاف مخيف”.

وأضاف وهو يتجه لسقي أشجاره “لم أتعود على سقي أشجار اللوز والزيتون خلال فترة الشتاء، لكن بسبب الجفاف ها أنا أفعل.. منذ 1990 لم أرى جفافا مثل هذا العام.. لم تعد الفلاحة مصدر ربح”.

وبسبب الجفاف وندرة الأعشاب وغلاء الأعلاف. اضطر كثير من المزارعين للتخلي عن آلاف الأبقار مما خلف تراجعا كبيرا في إنتاج الحليب الذي اختفى لفترة من رفوف أغلب المتاجر.

تونس تعاني من موجة جفاف للعام الثالث على التوالي
تونس تعاني من موجة جفاف للعام الثالث على التوالي

ونشرت مراكز تنمية فلاحية في البلاد بيانات محلية تدعو الفلاحين لوقف استعمال مياه الري في الزراعات السقوية (القائمة على السقي إما بواسطة الأنهار أو العيون أو المياه الجوفية). للخضراوات قائلة إن الأولوية للحبوب والزيتون ثم بعد ذلك لأشجار الفواكه.

وكإجراء عاجل، بدأت السلطات بمنح الأولوية لمياه الشرب عبر الحد من الحصص المائية الموجهة للقطاع الزراعي، لكن ذلك أدى إلى ندرة بعض المنتجات الزراعية وارتفاع أسعار الخضر.

وبينما قفز المعدل العام للتضخم إلى 10.1 بالمئة في نهاية شهر ديسمبر. ارتفع تضخم السلع الغذائية لما يقارب 15 بالمئة.

ومع ندرة مواردها المائية، تتعاظم الخشية في تونس من العطش هذا العام. ولجأت الحكومة نهاية العام 2022 لرفع أسعار الماء الصالح للشراب للبيوت والفنادق سعيا لترشيده.

ويقول المسؤول بوزارة الفلاحة حمادي الحبيب “إذا لم نأخذ قرارات في يناير لتقليص مياه الري ومنح الأولوية لمياه الشرب.. تأكدوا أنه في أغسطس لن نجد مياه الشرب في العاصمة والساحل وصفاقس”.

الوضع خطير

وأشار مسؤول من شركة توزيع المياه المملوكة للدولة إلى قرارات حازمة لم يعلن عنها. لكن من المرجح أن تكون قطع المياه لفترات وفقا خبراء.

وكان عبدالسلام السعيدي المسؤول بشركة توزيع المياه الحكومية. قد قال في وقت سابق للتلفزيون العمومي إن “الوضع خطير وإذا استمر على هذا النحو فسنضطر لاتخاذ إجراءات لن نعلن عنها الآن”.

وبينما دعا خبراء إلى إعلان حالة الطوارئ المائية في البلاد بسبب الجفاف المستمر والتراجع المخيف لمنسوب السدود. شجعت الحكومة في قانون ميزانية 2023 السكان على حفر مخرات لتجميع مياه الأمطار.

وقالت راضية سمين وهي باحثة في مجال المياه ومنسقة مشاريع في المرصد التونسي للمياه “لقد حان الوقت لإعلان حالة الطوارئ المائية.. كل المؤشرات تدل على أننا إذا التزمنا الصمت، سنصل إلى مرحلة العطش.. آلاف العائلات ستحرم من مياه الشرب”.

وقال وزير الاقتصاد التونسي سمير سعيد لرويترز في يناير. إن تونس بصدد إعداد دراسات لبناء سدود ومحطات لتحلية مياه البحر في العديد من المحافظات داخل البلاد ضمن المخطط التنموي الممتد من عام 2023 إلى 2025.

تابعونا على
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى