بعد فشلها الذريع في وساطة مالي.. كيف ستنجح الجزائر في السودان؟
دخلت الجزائر على خط الأزمة السودانية بإعلان انحيازها لأحد طرفي الصراع وتأكيد تطابق مواقفها مع موقف قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان الذي رحب الأحد بأي دور جزائري على “أي طاولة للحوار أو النقاش حول السودان”، معتبرا أنها “ناصرة للحق”، بينما اعتبر الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون أن “السودان مستهدف من قبل قوى الشرّ”.
وتشير زيارة البرهان للجزائر أمس الأحد ومباحثاته مع تبون إلى رغبة جزائرية في لعب دور يذهب أبعد من الوساطة المحايدة في تماه مع طروحات قيادة الجيش السوداني وتسخير رئاسة الجزائر للدورة الحالية لمجلس الأمن لدعم تلك الطروحات.
وتتناقض تصريحات الرئيس الجزائري التي قال فيها إن بلاده “كانت ولا تزال تفضل حل النزاعات برؤية داخلية بحتة، بعيدا عن كل أشكال التدخل الأجنبي”، مع حقيقة الدور المعلن الذي تعتزم القيام به رغبة منها أو بطلب من البرهان ذاته، فالانحياز المعلن لأحد طرفي الصراع يشير بوضوح إلى تدخل قد يشوش على مبادرة القوى المدنية السودانية التي تتحرك من أجل إيجاد أرضية مشتركة لدفع طرفي القتال إلى التفاوض على حل سلمي.
وتقول مصادر محلية ودولية إن حل الأزمة في السودان لابد أن يأتي من خلال الحوار بين الفرقاء أيا كانت تعقيدات الأزمة وأن الأمر يتطلب توافقات داخلية وتنازلات من طرفي القتال.
وقدم تبون توصيفا مناقضا للواقع في السودان حين أشار إلى أن الأزمة الراهنة نتاج لـ”تكالب مفضوح ضده” وأنه سيتجاوز هذه الأزمة، مضيفا أن الكلمة الأخيرة تبقى للشعب السوداني بكل مكوناته وهو ما يؤكد التناقض في الموقف إذ أن دعم الجزائر لقيادة الجيش السوداني تعني وقوفها ضد قوات الدعم السريع وهي مكون أساسي في التركيبة المجتمعية والسياسية والأمنية في السودان.
والقفز على حقيقة أن الدعم السريع رقم صعب في معادلة السلم في السودان لا يمكن تجاهله، يؤسس لانهيار أي مبادرة للحل وأي وساطة محتملة من الجزائر أو غيرها من الدول.
وتحظى قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو الذي كان شريكا في الحكم قبل اندلاع الحرب مع قيادة الجيش في منتصف أبريل من العام الماضي، باحترام من دول افريقية ومن مكونات سياسية أساسية في السودان.
ويثير التدخل الجزائري في الأزمة السودانية مخاوف من زيادة تأجيج الوضع، خاصة مع وجود شواهد سابقة على التدخلات الجزائرية في أزمة مالي والتي أفضت الى الغاء المجلس العسكري الحاكم بعد أشهر من التوتر لاتفاق السلام الموقع في العام 2015.
وأظهرت الجزائر في أزمة مالي قصورا في الرؤية والمعالجة في التعاطي مع المستجدات على منطقة تعتبر ساحة خلفية للأمن القومي الجزائري ذاته، بأن استقبل الرئيس عبدالمجيد تبون قادة من متمردي حركة أزواد (الطوارق) دون تنسيق أو تشاور مع الحكومة الانتقالية المالية.
وشكل ذلك بداية أزمة مع وسيط لم يظهر حياده أو أقلها لم يظهر قدرا من الاحترام لطرف رئيسي في الأزمة وهي السلطة الانتقالية ممثلة في المجلس العسكري.
كذلك لعبت الجزائر دورا سلبيا في الأمم المتحدة والقمة الـ19 لدول عدم الانحياز التي عقدت مؤخرا في كامبالا حين حاولت فرض فصل يخص الأزمة المالية وتجاهلت مقترحا ماليا وهو ما وصفته باماكو بـ”دور خفي” تلعبه الدبلوماسية الجزائرية ضد صالح وأمن مالي.
كما اتهمت الجزائر بالدفع نحو ابقاء العقوبات الأممية المفروضة على مالي على خلاف موقف روسيا والصين ومعظم دول حركة عدم الانحياز.
وانتهى بالسلطة الانتقالية إلى انهاء العمل باتفاق السلام الذي رعته الجزائر باعتبار أن الأخيرة لم تعد طرفا نزيها ومحايدا في الأزمة.
وقد تنسج دول افريقية على منوال مالي في القطيعة مع الجزائر كوسيط أو كشريك ومنها بوركينافاسو والنيجر من باب التضامن أو من باب القناعة بدور جزائري لا يخدم مصالحها.
وتسلط هذه التطورات الضوء على إرباك في حراك الدبلوماسية الجزائرية وسوء تقدير لعواقب التعامل الفوقي وسياسة الاستعلاء في التعاطي مع الأزمات في المنطقة.
وما ينطبق على الدور الجزائري السلبي في مالي قد ينطبق على أي دور محتمل في الأزمة السودانية خاصة بعد أن أثارت تحركات المبعوث الأممي الخاص إلى السودان الدبلوماسي الجزائري المخضرم رمطان لعمامرة قلق القوى المدنية .
وكان لعمامرة وزيرا للخارجية الجزائرية من 7 يوليو/تموز 2021 حتى 16 مارس/اذار 2023 أي في غمرة التوترات في مالي والتغيرات التي شهدتها البلاد بعد انقلاب 2020 وتولي أسيمي غويتا رئاسة الجنة الوطنية لإنقاذ الشعب.
واستنادا إلى ذلك فإن الأجندة التي قادها لعمامرة في مالي قد لا تختلف عن تلك التي يقودها في السودان إذ بات يتحرك بأجندة جزائرية أكثر من تحركه كوسيط أممي لحل الأزمة في السودان وهو مبعث القلق الذي عبرت عنه القوى المدنية التي لمست غياب الحياد في التعاطي مع فرقاء الساحة وتدخلا قد يعيد خلط الأوراق بدلا من إعادة ترتيب البيت السوداني وفق ما تقتضيه أوضاع السودان وطبيعة مكوناته السياسية والقبلية والأمنية.