سياسة

بعد الضربة الرمزية الإيرانية.. مسارات المواجهة المحتملة مع إدارة ترامب


تتجه العلاقات الأمريكية الإيرانية لمرحلة جديدة بعد اغتيال قاسم سليماني قائد فيلق القدس، وقيام القوات الإيرانية التابعة للحرس الثوري، وليست الأطراف الوكيلة في الإقليم بإيران بالرد، واستهداف القواعد العسكرية في العراق كرسالة أولى موجهة بالأساس للرأي العام الإيراني والعربي، وتأكيدا للحضور الاستراتيجي في المواجهة مع الإدارة الأمريكية ونقل صورة غير صحيحة في تبني خيارات تصعيدية حقيقية في الوقت الراهن، وربط مسار مقتل سليماني بمسارات سياسية متعددة ومنها الاتفاق النووي ومنظومة العقوبات والتوجهات الإيرانية في الإقليم.

وفي المقابل -وبناء على ما يخطط خبراء المخابرات الأمريكية بعد الضربة الإيرانية على القواعد العسكرية- يمكن استشراف مسار المواجهة الأمريكية الإيرانية الحالية وإلى أين تذهب بالفعل، والتي تصور البعض أنها ستقتصر على سياسة تفعيل منظومة العقوبات على إيران والعمل بحذر مع تبعات المشهد الإيراني الذي يسعى للتهدئة رغم كل ما يتبناه من خطاب شعبوي واضح، وهو ما وضع الإدارة الأمريكية في موقع رد الفعل وغير القادر على تبني استراتيجية استباقية في بعض الأحيان، والخروج من دائرة الخيارات التهادنية وأنصاف الحلول إلى مرحلة أخرى تركز على المبادرة وربما المواجهة الجادة إن تطور الموقف الإيراني وصعد في المقابل.

ولعل تصريحات الرئيس ترامب بعد إتمام عملية الاغتيال لسيلماني وقيام إيران بتوجيه ضربات صاروخية على القواعد العسكرية تكشف عن مرحلة جديدة في العلاقات الإيرانية والأمريكية قوامها التحرك الأمريكي على مسارات متعددة من بينها الحسم مع عدم الخروج عن المشهد الراهن في التهدئة وفي ظل الخيارات المتاحة، وعدم وضع قيود على مساحات التحرك في أي اتجاه، ولكن الإشكالية الحقيقية في إقرار الهيبة والمكانة الأمريكية التي يراوغ فيها الجانب الإيراني ويريد أن يتعامل معها دون خسائر حقيقية مكلفة للجانب الأمريكي منعا لاستفزازه في الرد وفقا لمنطق الرشادة السياسية الحقيقية الذي سيحكم الموقف الإيراني بعد الضربة حتي لو تكررت مرة أخرى، ومن ثم فإن الإدارة الأمريكية نجحت ولاعتبارات تحالفاتها في المنطقة، وقرب إجراء الانتخابات الاستهلالية الأمريكية، ورغبة الرئيس ترامب أن ينقل رسالة تكتيكية للداخل الأمريكي بأنه القادر على حماية مصالح الأمة الفيدرالية مع التوقع برد منضبط من قبل إيران مع مخاطبة الرأي العام الأمريكي، وأنه سيعمل على مواجهة الخطر الإيراني رغم صمته الطويل في مواجهة الممارسات الإرهابية للنظام الإيراني، ولكن لا يعني ذلك أن الإدارة الأمريكية ستستمر في منهجها التصعيدي بل ستترقب ما يجري، وستتعامل معه وفق استراتيجية حذرة بعد الرد الإيراني على أي هدف أمريكي خاصة أن الرئيس ترامب ذاته عاد يكرر أن الولايات المتحدة لا تريد تغيير النظام الإيراني بأكمله، بل تعديل سلوكه في إطار خطاب إعلامي، وسياسي مكرر منذ بدء فرض العقوبات الأمريكية على إيران وبعد توجيه الضربات الإيرانية المعنوية على القواعد العسكرية.

والرسالة هنا أن الإدارة الأمريكية ستكتفي في الوقت الراهن بسياسة الانتظار والترقب إلى حين اتضاح جملة المواقف الإيرانية خاصة أن التأهب لدى كل الطرفين قائم، وقد يتطور بصرف النظر عن فرص الرد الحقيقية في ظل الرهانات على احتمال توجيه الوكلاء في الإقليم للتحرك، ومحاولة تسجيل مواقف ولو شرفية للتأكيد على سياسة الولاء للجانب الإيراني، ومن المؤكد أن الإدارة الأمريكية ستعيد جملة حساباتها في الإقليم وما إرسال قوات أمريكية مجددا إلى الخليج (750 جنديا من 4000 مقدر أن يتم إرسالهم) إلا نموذجا لما ستكون عليه العلاقات الأمريكية مع إيران في إطار استراتيجية المراجعة دون الإقدام على إعادة احتلال العراق، أو إرسال آلاف القوات إليه؛ فهذا الخيار مؤجل، ولن يجرؤ الرئيس ترامب على اتخاذه على الأقل في الوقت الراهن، ومن ثم ستستمر الولايات المتحدة في خياراتها الراهنة بالتركيز على الرسائل الملغمة، مع التوقع بعدم الدخول في مناوشات أو توجيه ضربات على مراكز أو مواقع إيرانية في الخليج أو تجاوز الخطوط الحمراء في التصعيد، وبالتالي التعامل معه بسرعة، ومن خلال إجراءات استراتيجية معلنة كررها خبراء البنتاجون خلال الأيام الأخيرة من خلال بنك للأهداف التي يمكن أن يوجه على الجانب الإيراني -إن ذهب لخيار التصعيد والعمل من جانب واحد أو مكررا نموذج الضربات المعنوية علي القواعد العسكرية- وبالتالي فإن كل الخيارات قائمة، وإن كانت الإدارة الأمريكية لن تتعجل الرد الإيراني المتوقع بل ستستمر في مواقفها السابقة إلا أن هناك أطرافا أخرى أهمها الجانب الإسرائيلي سيدفع بقوة إلى المواجهة العسكرية باعتباره الحل الواقعي، والمفيد لإسرائيل في ظل دخول الولايات المتحدة على خط المواجهة من جديد، وعدم ترك الساحة للجانبين معا وهو ما كانت الإدارة الأمريكية تتحاشى الدخول في الصراع الثنائي الإيراني الإسرائيلي بل عملت على تطويقه، وإقناع الجانب الإسرائيلي بعدم التصعيد.

ومنحت إسرائيل قائمة تحفيزية كاملة جراء تبني خيار التهدئة، وبالتالي فإن الفترة المقبلة ستكون مرتبطة بمواقف أطراف إقليمية وعربية إلى جانب موقف كل من الولايات المتحدة وإيران، وسيكون موقف الولايات المتحدة، وليس إيران هو من سيقرر آليات التعامل لكن المؤكد أن سيناريوهات المواجهة، والخيارات العسكرية تستبق الخيارات السياسية الحالية والتي ستبقى هشة إلى حين، وهو ما سيجعل الجانب الإيراني على حافة الهاوية رغم كل البروباجندا التي يتبناها، وبالعمل على تكريسها في الداخل الإيراني وفي الإقليم.

نقلا عن العين الإخبارية

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى