انسحاب عبدالفتاح مورو يعمق الأزمة الداخلية للنهضة
أعلن عبدالفتاح مورو، نائب رئيس حركة النهضة التونسية ومرشحها للانتخابات الرئاسية العام الماضي، رسميا انسحابه من الحركة واعتزاله العمل السياسي.
وقال مورو، الذي شغل في العهدة البرلمانية الماضية منصب نائب رئيس البرلمان، إنه اعتزل العمل السياسي و”مزّق تذكرة السياسة” مما سيزيد من تعميق حالة التصدع داخل الحركة التي تعيش خلافات غير مسبوقة بسبب مؤتمرها القادم (المؤتمر الحادي عشر).
ويرى مراقبون أن ترشيح النهضة لمورو للانتخابات الرئاسية التي شهدتها البلاد أواخر العام الماضي بمثابة خطوة لدفعه لاحقا إلى الابتعاد عن العمل السياسي، لاسيما مع غياب دعم الحركة لمرشحها ما ساهم في تحصله على نتائج ضعيفة شكلت إحراجا لشخصية سياسية بقيمة ومكانة مورو أحد مُؤسسي حركة الاتجاه الإسلامي صحبة رئيسها الحالي راشد الغنوشي.
ولم ينس مورو للنهضة أنها تلاعبت به في الانتخابات الرئاسية بعد موجة من الخلافات والغضب الداخلي من سيطرة خط الغنوشي، وهذا الهدف الخفي يكشفه غياب كل دعم من الحركة وأنصارها لمورو في السباق نحو كرسي قصر قرطاج.
وقال مورو، في تصريحات صحافية الاثنين، إنه “مهتم بالشأن العام مثلما يهتم به كل تونسي ولم تعد لي أي صفة حزبية صلب الحركة”. وتابع “أبلغ من العمر 72 عاما، يكفي من السياسة”. وأفاد “أصبحت الآن مواطنا عاديا ورجعت إلى عملي الأصلي في المحاماة”.
وكان مورو، أول شخصية ترشحها النهضة لخوض الانتخابات الرئاسية في البلاد، وحل في المرتبة الثالثة في السباق نحو قصر قرطاج في سبتمبر العام الماضي.
ومنذ الانتخابات الرئاسية الأخيرة لوّح مورو باستقالته من حركة النهضة وانسحابه من الحياة السياسية والتفرغ لأنشطة أخرى، وبهذا الانسحاب تُطوى مرحلة هامة من تاريخ الجماعة الإسلامية وهي مرحلة الجيل المؤسس التي لم يبق منها إلا راشد الغنوشي الذي نجح في إزاحة بقية المؤسسين والتفرّد بقيادة الحركة.
ولم تدعم الحركة مورو على الميدان خلال الحملة الانتخابية وهو ما أشار إليه بعد فشله في الانتخابات الرئاسية.
ورغم أن مورو عند إعلان اعتزاله السياسة وتحرره من أي نشاط حزبي فإنه لم يؤكد صراحة استقالته من حركة النهضة. وهذه ليست المرة الأولى التي يبتعد فيها مورو عن النهضة، فقد انسحب في العام 2011 عنها و”نافس” الحركة بمجموعة من القائمات المستقلة في الانتخابات التشريعية لكنه لم يفز بأي مقعد برلماني كما شنت قواعد النهضة ضده حملات هجومية بسبب مواقفه “المنفتحة” مقارنة ببقية قيادات النهضة “المتعصّبة”.
وتم انتخاب مورو في قيادة النهضة في مؤتمري 2012 و2017 وتولى كل من منصبي نائب الرئيس ومكلف بالعلاقات الخارجية، لكن المنصبين كانا شكليين ولا وجود لهما في الواقع وكان مورو دائم التعبير عن تبرمه من التجاهل الذي يعانيه في الحركة.
وتعيش النهضة حاليا على وقع خلافات داخلية، ما يفسره مراقبون بوجود “أزمة هوية داخل النهضة” التي تعجز عن الفصل بين أيديولوجيتها والنهج السياسي الجديد الذي يضمن لها البقاء في المشهد التونسي. وأسفرت هذه الخلافات عن استقالات متواترة لقيادات بارزة في الحركة من بينها عبدالحميد الجلاصي وحمادي الجبالي.
وتزيد هذه الخلافات في تعميق مشكلات الحركة الإسلامية خاصة أنها عجزت عن تقديم حلول عملية للأزمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فيما تعتبر أوساط سياسية وشعبية أن النهضة جزء من الأزمة السياسية التي تعيشها تونس منذ العام 2011.
وعلى الرغم من إعلان مورو أن استقالته لا علاقة لها بالتجاذبات التي تعيشها الحركة الإسلامية، إلا أنه فهم بطريقة أو بأخرى أن وجوده كعدمه وخيّر الانسحاب بشكل رسمي، وهو ما يمهّد لدخول حركة النهضة رسميا زمن الغنوشي وحاشيته وأقاربه لمزيد بسط النفوذ على دواليب الحزب.
وجاء إعلان انسحاب مورو من الحركة بعد أيام من ظهور بيان لمجموعة داخل النهضة سمت نفسها «مجموعة الوحدة والتجديد» تسعى إلى تصحيح مسار الحركة وإحداث تغيير في قيادتها عبر الدفع نحو عقد المؤتمر الحادي عشر للحركة في موعده قبل نهاية هذه السنة وعدم تجديد الثقة في رئيسها راشد الغنوشي، لعهدة أخرى في هذا المنصب.
وتداولت صفحات مقرّبة من حركة النهضة مبادرة لعدد من القيادات تحت عنوان “مجموعة الوحدة والتجديد” قدمت خارطة طريق من سبع نقاط بشأن دور راشد الغنوشي وموعد عقد المؤتمر، الذي تعطل بسبب عدم تحمّس الغنوشي لعقده قبل ضمان تعديلات تُقدَّم في المؤتمر وتتيح له الاستمرار بصفته الرجل رقم واحد في الحركة.
وضمّت “مجموعة الوحدة والتجديد” كلا من رئيس مجلس الشورى عبدالكريم الهاروني ومسؤول مكتب العلاقات الخارجية رفيق عبدالسلام (صهر الغنوشي)، ومسؤول المكتب السياسي للحركة نورالدين العرباوي، ومسؤول مكتب الانتخابات محسن النويشي، ونائب رئيس مجلس الشورى مختار اللموشي، ومسؤول مكتب المهجر فخرالدين شليق، ونائب رئيس مكتب العلاقات الخارجية سهيل الشابي، ومسؤول المكتب النقابي محمد القلوي، إلى جانب قيادات أخرى.
ودعت المبادرة إلى “ضمان التداول القيادي في الحركة بما يسمح بتجديد نخبها وذلك وفق مقتضيات نظامها الأساسي والأعراف الديمقراطية وسلطة المؤسسات في إطار تجديد عميق للحركة استجابة لمتطلّبات الواقع وحاجيات البلاد”.
عن العرب اللندنية