الولايات المتحدة تحذّر من محاولات إلحاق لبنان بـ بلاد الشام.. وردود فعل غاضبة

أثار تحذير المبعوث الأميركي إلى سوريا توماس باراك، من احتمالية عودة لبنان ليصبح “جزءا من بلاد الشام”، تفاعلا واسعا بين اللبنانيين، حيث اعتبره البعض جزءا من الضغط لنزع سلاح حزب الله، بينما يرى آخرون أن ذلك مؤشر لعدم قدرة دولة لبنان على تحمل مسؤولياتها.
-
أنصار حزب الله يعطلون مهام اليونيفيل.. مراقبة مشروطة بالقوة
-
تحوّل في خطاب حزب الله: الحرب بقرار من الدولة بعد الانتكاسة الأخيرة
وقال باراك السبت في تصريحات لصحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية إن “لبنان يحتاج إلى معالجة قضية سلاح حزب الله، وإلا فإنه قد يواجه تهديدا وجوديا (…) وسوف يعود ضمن بلاد الشام مرة أخرى”.
وأوضح باراك “هناك إسرائيل من جهة، وإيران من جهة أخرى، والآن يوجد سوريا التي تتجلى بسرعة كبيرة لدرجة أنه إذا لم يتحرك لبنان، فسوف يصبح بلاد الشام مرة أخرى”، في إشارة إلى فقدانه السيادة وتدخل دول الجوار.
وأضاف المبعوث الأميركي للصحيفة ذاتها “يقول السوريون: لبنان منتجعنا الساحلي. لذا علينا أن نتحرك. وأعلم مدى إحباط الشعب اللبناني. وهذا يحبطني”.
-
واشنطن ترى في تفكيك حزب الله مفتاحاً لإنهاض لبنان من أزماته
-
حزب الله يواجه خرقًا داخليًا بعد اعتقال أحد عناصره بتهمة العمالة
وشكَّلت تصريحات براك، صدمة في الأوساط السياسية اللبنانية، لأنه يحذر لبنان من خطر وجودي، لكن بعض التفسيرات ذهبت إلى أن براك، بخلفيته مبعوثا خاصّا إلى سوريا يقارب ملفَّي لبنان وسوريا من زاوية واحدة، ذلك أن براك يرى أن لبنان وسوريا يجب أن يسلكا المسار ذاته، في هذا الوقت، وأن ينضم لبنان للمسار الدبلوماسي الذي بدأته دمشق رغم أن براك يلحظ تعقيدات الساحة اللبنانية ويفهمها.
وفي ضوء انتقادات لكلامه عن عودة لبنان المحتملة “إلى بلاد الشام”، سارع براك إلى توضيح ما قصده في تغريدة على حسابه بمنصة إكس، قائلا “أكدتُ في تصريح أمس (السبت) أنّ إشادتي بالتقدم اللافت الذي تحققه سوريا لا تشكل تهديدا للبنان، بل تعكس واقعاً جديداً تشهده المنطقة”.
-
تحولات في خطاب حزب الله: لغة المصالح تهيمن على الموقف من ترامب
-
واشنطن تُمهل لبنان حتى نوفمبر لنزع سلاح حزب الله: ضغوط متصاعدة وعواقب مرتقبة
وأضاف “سارعت دمشق إلى اغتنام الفرصة التاريخية التي أتاحها رفع العقوبات الأميركية من قبل الرئيس (دونالد ترامب) عبر جذب الاستثمارات من تركيا ودول الخليج، وتكثيف الانفتاح الدبلوماسي على دول الجوار، وبلورة رؤية واضحة للمستقبل. وأود أن أؤكد أن القيادة السورية تسعى فقط إلى التعايش والازدهار المشترك مع لبنان، في إطار علاقة ندية بين دولتين تتمتعان كلاهما بالسيادة، والولايات المتحدة ملتزمة بدعم هذه العلاقة لما فيه خير وسلام وازدهار الشعبين”.
ورأى المحلل السياسي اللبناني طوني بولس، أن تصريحات باراك، تشير إلى أنه “في حال لم تتحمل الدولة اللبنانية مسؤوليتها، فإن سوريا قد تعزز أمنها القومي في عدة كيلومترات داخل لبنان، باعتبار أن وجود حزب الله على حدودها يهدد استقرارها”.
-
تصعيد في الخطاب: إسرائيل تهدد بالقضاء الكامل على حزب الله
-
عدالة لندن تطال داعمي الإرهاب.. إدانة تاجر تحف بريطاني لتمويله حزب الله
وأضاف “الأمر نفسه بالنسبة لإسرائيل، ففي حال لم تتحمل الدولة اللبنانية مسؤوليتها تجاه سلاح حزب الله، فإن ذلك يفتح المجال أمام إسرائيل للتدخل في العمق اللبناني بذريعة الحفاظ على أمنها القومي”.
وأشار بولس، إلى أن “الأمر لا يقتصر على ذلك، بل إن حالة حزب الله العسكرية تهدد القوى السياسية اللبنانية الأخرى، لأنه الحزب الوحيد المسلح فيما الآخرون لا يملكون السلاح”.
وقال إن “باراك، عائد بعد أسبوعين إلى بيروت، وقد يُبلغ اللبنانيين بأن الإدارة الأميركية وصلت إلى حالة شبه يأس من لبنان”.
وأضاف المحلل السياسي متخوفا “في حال حصل ذلك، يعني عزل لبنان وتركه لمصيره، وتحوله إلى سجن كبير”.
-
مقتل علي جمول.. إسرائيل تستهدف أحد أبرز قادة الصواريخ في حزب الله
-
الولايات المتحدة ترصد مكافأة ضخمة لكشف ممولي حزب الله في أميركا اللاتينية
ولفت إلى أن المنطقة تشهد “تحولات كبيرة وعلى الدولة اللبنانية أن تبني عليها وتتماشى معها، وإلا فقد يخسر لبنان الرعاية الأميركية التي يحظى بها”.
وجاءت تصريحات باراك، عقب أيام من زيارته بيروت ولقائه بمسؤولين لبنانيين، في إطار متابعته لورقة مقترحات أميركية سلّمها في 19 يونيو الماضي، وتتضمن نزع سلاح حزب الله بالكامل في جميع أنحاء البلاد مقابل تقديم المساعدات لإعادة الإعمار ووقف العمليات العسكرية الإسرائيلية.
إلا أن بيروت لم تصدق على المقترحات الأميركية، ولكن قدمت “أفكارا للحل”، سترد عليها واشنطن لاحقا، وبقي الموقف اللبناني الرسمي ضبابيا تجاه الورقة الأميركية.
-
الجيش اللبناني يفرض سيطرته على مناطق جنوبية في ظل ضعف حزب الله
-
الضغوط تتصاعد.. حزب الله في مرمى واشنطن بعد تمسكه بالسلاح
كما جاء ذلك بعد أن أعلن الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم، عبر خطاب متلفز نقلته قناة “المنار” بمناسبة عاشوراء، في 5 يوليو الجاري، أن حزبه “لن يستجيب لدعوات تسليم سلاحه قبل رحيل العدوان” الإسرائيلي عن لبنان.
وفي 27 نوفمبر 2024، بدأ سريان اتفاق لوقف لإطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل عقب حرب استمرت 66 يوماً. لكن تل أبيب خرقته أكثر من 3 آلاف مرة، ما أسفر عن مئات القتلى والجرحى، وفق بيانات رسمية.
وبالرغم من اتفاق وقف إطلاق النار، يواصل الجيش الإسرائيلي احتلال 5 تلال لبنانية في الجنوب سيطر عليها خلال الحرب الأخيرة، إضافة إلى مناطق أخرى يحتلها منذ عقود.
-
حزب الله يرفض النقاش حول نزع سلاحه: مناورة سياسية أم تحدي حقيقي؟
-
نزيف حزب الله مستمر: إسرائيل تقضي على قيادي في جنوب لبنان
وفي المقابل، رأى المحلل السياسي توفيق شومان، في حديثه للأناضول، أن حديث باراك، يندرج في سياق “الضغط التفاوضي، أو ما يوصف بسياسة الضغط الأقصى، حول سلاح حزب الله”.
وتوقع شومان أن “يرتفع منسوب الضغوطات طوال الفترة المقبلة، أي خلال مهلة التسعين يوما التي حددها باراك، خلال زيارته الأخيرة، بهدف إيجاد صيغة لحصر السلاح في لبنان”.
واعتبر أن تصريحات باراك، “تأتي في سياق التهديد بإلزام لبنان للحكم الجديد في سوريا”.
ولكنه استبعد أن يعيد التاريخ نفسه عندما دخل الجيش السوري إلى لبنان عام 1976 بطلب من السلطات اللبنانية، إثر احتدام الحرب الأهلية حينها (1975-1990) والتي قدر عدد ضحاياها بنحو 150 ألف قتيل و300 ألف جريح ومعوق، و17 ألف مفقودا.
-
الضغوط تتكثف.. نزع سلاح حزب الله يعود إلى الواجهة
-
حرب حزب الله وإسرائيل: أبرز المحطات من التصعيد إلى التوصل للاتفاق
ولفت شومان، إلى أنه “في الوقت الحالي لا يوجد أي فريق لبناني يدعو سوريا للعودة إلى لبنان، كما أن سوريا اليوم ليست كما كانت قبل 5 عقود، حينما جرى توافق إقليمي دولي لتدير دمشق الوضع اللبناني”.
وتاريخيا، تطلق تسمية “بلاد الشام” على المنطقة الممتدة من جبال طوروس جنوب تركيا حتى صحراء سيناء (شرق مصر) جنوبا، ومن البحر المتوسط غربا حتى صحراء العراق شرقا.
وفي العصور الإسلامية، لاسيما في العهدين الأموي والعباسي، كان لبنان جزءا من ولاية الشام التي كانت تضم عدة مناطق بما فيها دمشق وبعلبك وصيدا وطرابلس (الشرق)، وكانت المدن الساحلية اللبنانية مثل بيروت وصيدا وصور بوابات بحرية للشام.
وفي عهد الدولة العثمانية (1299-1923) كان لبنان مقسّما بين “ولاية بيروت” و”ولاية دمشق”، وكلاهما كانا يُصنّفان إداريا ضمن “بلاد الشام”.
-
مفاوضات الهدنة بين حزب الله وإسرائيل تحت مظلة التدخل الأمريكي
-
تصعيد غير مسبوق بين حزب الله وإسرائيل.. لبنان أمام شبح الحرب
كما استخدم المؤرخون لقب “طرابلس الشام” (عاصمة لبنان الثانية) لتمييزها عن العاصمة الليبية طرابلس الغرب.
وخلال فترة الانتداب الفرنسي للمنطقة (1918–1943) عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى، جرى تقسيم بلاد الشام إلى كيانات سياسية هي لبنان وسوريا والأردن وفلسطين.
وفي 1 سبتمبر 1920، أعلن الجنرال الفرنسي هنري غورو، دولة لبنان الكبير، بعد إعادة ترسيم الحدود بين البلاد، التي كانت خاضعة للحكم العثماني، وبينها سوريا ولبنان، معلنا بيروت عاصمة له.